هل كان المغيرة بن شعبة يطلق النساءَ من دون سببٍ ؟ . كتبه ** أبوعاصم أحمد بن سعيد بلحة السلفي
الحمدُ لله ، والصلاة والسلام على رسول الله _صلوات الله وسلامه عليه _ أما بعدُ :
فمن الأمور المستنكرة والمستغربة في "سير أعلام النبلاء " (3/ 31) ، ما أورده الذهبي _رحمه الله_ عن المغيرة بن شعبة _رضى الله عنه _ ، فقال : " أبي إسحاق الطالقاني قال حدثنا ابن المبارك، قال :كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، فصفهن بين يديه ، وقال : " أنتن حسنات الأخلاق ، طويلات الأعناق ، ولكني رجل مطلاق ، فأنتن الطلاق "!! .
وعن ابن ابن وهبٍ عن مالكٍ : " وكان ينكح أربعا جميعاُ ، ويطلقهن جميعاً ". انتهى من السير .
ولقد استنكرتُ هذا الخبر ، عندما قرأته في السير قديماً ، وإنما كان ذلك كذلك ؛ للآتي :
أولاً : أن هذا الخبر ، ليس له إسنادٌ يعوَّل عليه ، في دواوين السنة النبوية المطهرة ، لذا لا ينبغي مطلقاً أن ننسب كلاماً إليه ؛ لم يصح إسنادُ ذلك إلينا عنه .
ثانياً : أن هذ الكلام ، يحمل غرابةٌ في نفسه ، فكيف بصحابيٍّ جليلٍ مثل المغيرة بن شعبة _رضى الله عنه _ ( داهية الرأي ) ، أن يكون مغرماً بطلاق النسوة ، من دون سببٍ شرعيٍّ واضح _ ، وذلك ؛ لما ورد معاً في المتن ، أنه كان يجمع الأربعة من نسائة ، ثم يقول لهنَّ مادحاً : " أنتنَّ حسنات الأخلاق ، طويلات الأعناق ، ولكنِّي رجلٌ مطلاق ، فأنتنَّ الطلاق " ! .
فكيف بعد مدحهن ، والاعتراف بفضلهن ، طفق يطلقهن بغير سببٍ شرعيٍّ واضح ، وإنما يعلل ذلك بقوله : " ولكنِّي رجلٌ مطلاق ... " ؟! . أي : عبر بصيغة المبالغة : " مطلاق " .
ثالثاً : على فرض ثبوت ذلك عنه (أعني : المغيرة _رضى الله عنه_) ، فهل الصحابة _رضوان الله عليهم _ معصومون ؟ . الجواب : لا ، ولقد عُقد إجماع أهل العلم على ذلك ، لذا ، لا ينبغي أبداً ، أن يقلد أحدٌ من الناس المغيرة فيما فعل _هذا إن صحَّ عنه _ ، لأنه ليس من هدي المصطفى _صلوات الله وسلامه عليه _ ، ولا من هدي أصحابة _رضوان الله عليهم جميعاً_، أن يطلقوا النسوة من دون سببٍ شرعاً واضح ، كوضوح الشمس في رابعة النهار ، بل قد ورد عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ خلاف ذلك ، وذم التعجل في الإقدام عليه .
فقد روى الإمام أحمد في "مسنده " (22/275 رقم 14377) بإسنادٍ صحيحٍ عن جابرٍ_رضى الله عنه _ قال : قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلةً ؛ أعظمهم فتنةً ، يجيء أحدهم ، فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئاً ، قال : ويجيء أحدهم ، فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال: فيدنيه منه - أو قال: فيلتزمه - ويقول: نعم أنت أنت " .
فأقول _والله أعلم _ أنه لا يليقُ برجلٍ تخرَّج من مدرسة النبوة ، أن يصدر منه مثل ذلك ، وهو يعلمه ، فكيف ذلك وهو لم يصح عنه ؟ : (أعني : المغيرة _رضى الله عنه_) !! .
ولقد كانت هذه المسألة ، من ضمن المسائل التي استوقفتني وأنا أقرأ في كتاب " سير أعلام النيلاء " للإمام الذهبي _رحمه الله _ ، مما حملنى على التصدر لبحثٍ في ذلك الكتاب القيم ، في تلك هذه المسألة المهمة في بابها ، ومنذ يومها ، وأنا أعمل في هذا البحث ، الذي اصطلحت على تسميته بــــ : "كشفُ الغطاءِ عمَّا استُنكر واستُغرب في تراجمِ الرواة في سير أعلام النبلاءِ " ، فالله الموفق والمعين على إخراجه .
وأخيراً ! أنصحُ إخواني _بارك الله فيهم _ أن يتحرَّوا الدقة ، فيما ينسبونه للنبي _صلى الله عليه وسلم _ بصفةٍ خاصةٍ ، وما ينسبونه لمن دونه بصفةٍ عامةٍ ، لاسيما إذا كان لقوله وقعٌ في القلوب ، أو قد يُحتج به في المسائل العملية _كأقوال الصحابة _عليهم من الله الرضوان_ ، مثل المسألة التي مضت معنا . وجزاكم الله خيراً ، وبارك الله فيكم جميعاً .
كتبه ** أبوعاصم أحمد بن سعيد بلحة السلفي
الالوكة المجلس العلمى