واجب المسلمين نحو الأقصي
لئن قرر الفقهاء أن الواجب يتحتم في وقت محدد لشرف صاحبه أو مكانه وزمنه فإن واجباً عظيماً على الأمة في هذه الأيام يشرف بشرف الملتزم نحوه، وهو المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند النظر والتأمل فإنه يلزم الأمة المسلمة في شتى بقاع الأرض نحو المسجد الأقصى الأمور التالية:
1- إعلان الجهاد لتخليصه، ودفع الأذى عنه، وهذا أمر مجمع عليه عند فقهاء أهل الإسلام، حيث قرروا أنه إذا احتل شبر من بلاد المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم، تخرج فيه المرأة من غير إذن زوجها، والعبد بغير إذن سيده، والولد بغير إذن والده، ولئن كان الأقصى قد أسر سابقاً إلا أن أمره الآن يحوج إلى أن يكون الحال كذلك لمسيس الحاجة إلى إنقاذه قبل أن يهدم ليكون الهيكل مكانه.
2- إراقة الدم لأجله وإزهاق النفوس دفاعاً عنه، وهذا أمر مقرر إذ إن ما أخذ بالدم لا يسترد إلا بالدم، وإن من أحب الأشياء إلى الله قطرة دم تراق في سبيل الله، وقد عجب الله تعالى أو ضحك لرجل غمس يده في العدو فهرب عنه إخوانه فرجع إلى عدوه فقتلوه.
3- بذل المال، وهو جهاد مال، يجب على كل مسلم نحو فلسطين ومنها المسجد الأقصى المبارك، وهذا المال يحتاج إليه لترميم ما وهى منه، وصيانة ما أصابه الخلل من بنيانه والنفقة على حراسه المرابطين فيه الباذلين أنفسهم في سبيل الله لأجله، والإعالة لأسر هؤلاء المرابطين، والدعاية والإعلام التي تجمع الناس حوله.
4- بذل الوقت، ويكون بالرباط فيه ممن قرب محله منه، وكان بمكنه أن يرابط فيه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله.
5- بذل الدعاء له، وذلك بتوجيه دعوات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لحفظ الأقصى، ودفع الأذى عنه، وإفساد كل كيد يراد نحوه، والدعاء سلاح المؤمن.
6- بذل اللسان، وذلك بأن يلهج الناس بالحديث عن الأقصى، وذكر مآثره، وتعداد فضائله، حتى يكون للمسجد هجير المجالس، وحديث المنابر، ليكون الحال إن سكنت الأسنة تكلمت الألسنة.
7- بذل الجاه، وذلك بأن يبذل أهل الجاه جاههم لحماية الأقصى، والدفاع عنه، وعدم البخل عليه بما جادت به نفوسهم، وتاقت إليه قلوبهم.
8- بذل الأقلام، وهذا لأهل العلم والكتّاب، بالكتابة عن الأقصى توضيحاً لتاريخه، وتعداداً لمآثره، ودفعاً للشبه عنه، وتقريراً لحق الأمة فيه بكل وسائل النشر والكتابة ليكون الأقصى حديث العالم، وليكون الأقصى إرثاً عالمياً لا يجوز نقضه، ويحرم هدمه، وليقوم عقلاء الناس في شتى بقاع الأرض بالدفاع عنه والذبّ عن حرماته.
9- شد الرحال إليه، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، وصح عنه أنه قال: «ائتوه فصلوا فيه، فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يوقد في قناديله».
وبعد، بهذا الذي ذكرت يمكن للأمة أن تعذر إلى ربها بعض العذر في واجبها نحو الأقصى، وبغير ذلك لا يتبرأ لها ذمة، ولا يقبل لها عذر، ولا تقال لها عثرة، ولا يلتفت إليها عند ملامة اللائم، والله تعالى المستعان.