القلب المسكين
أما صاحب القلب المسكين فما كاد يرى الحبيبه وهى مقبله تتيممنا حتى بغته ذلك ، فساوره القلق ، واعتراه ما يعترى المحب المهجور اذا فاجئه فى الطريق هاجره ؛أرأيت مرة عاشقا جفاه الحبيب وامتنع عليه دهرا لا يراه ، وصارمه مدة لايكلمه ، فنزع نومه من ليله ، وراحته من نهاره ، ودنياه من يده ، وبلغ به من السقم والضنى ، ثم بينما هو يمشى اذ باغته ذلك الحبيب منحدرا فى الطريق ؟
انك لو أبصرت حينئذ قلب هذا المسكين لرأيته على زلزلة من شدة الخفقان. وكأنه فى ضرباته متلعثم يكرر كلمة واحدة: هى هى هى ........
ولو نفذت الى حس هذا البائس لرأيته يشعر مثل شعور المحتضر أن هذه الدنيا قد نفته منها !
ولو اطلعت على مه فى عروقه لأبصرته مخذولا يتراجع كأن الدم الآخر يطرده.
,انها لحظه يرى فيها المهجور بعينيه أن كل شهواته فى خيبة ، فيرد عليه الحب مع كل شهوة نوعا من الذل ، فيكون أمام الحبيب كالمنهزم مائة مرة .لحظه لا يشعر المسكين فيها من البغته والتخاذل والأضطراب والخوف ألا أن روحه وثبت الى رأسه ثم هوت فجأة الى قدميه !غير أن صاحب القلب المسكينلم يكن مهجورا من صاحبته ، ولكن من عجائب الحب أنه يعمل أحيانا عملا واحا بالعاطفتين المختلفتين ، اذ كان دائما على حدود اأسراف ما دام حبا ، فكل شيئ فيه قريب من ضده ، والصدق فيه من ناحية مهيأ دائما لأن يقابل بتهمة الكذب من الناحيه الأخرى ، واليقين معد له الشك بالطبيعه ، والحب نفسه قضاء على العدل ، فانه لايخضع لقانون من القوانين ، والحبيب- مع أنه حبيب-يخافه عاشقه من أجل أنه حبيب !وقد يصفر العاشق لمباغته اللقاء كما يصفر لمباغتة الهجر ، وهذه كانت حال القلب المسكين عندما رآها مقبلة عليه ؛ وكان فى نفس الوقت يخشى المامتها به ، توقيا على نفسه من ظنون الناس ؛ وأكثر ما يحسنه الناس هو أن يسيئوا الظن ؛وهو (أى صحب القلب المسكين) ذو شأن ضخم ، ومقالة السوء الى مثله سريعة اذا رؤى مع مثلها ، وكأنها هى ألمت بكل هذا ،أو طالعها به فى وجهه المتوقر المتزمت ؛ فعدلت عن طريقها اليه ووقفت بعيدا ؛
كانت عيناها الى صاحب القلب المسكين لا تنزلان ولا تتحولان الى غيره ، ولا تسارقه النظر بل تغلبه عليه مغالبه ؛ورأيت صاحب القلب المسكين كذلك قد ثبتت عيناه عليها فخيل الى أن هذا الوجود قد انحصر جماله بين أربع أعين عاشقه ؛ وكانت تطارحه ويطارحها كلاما مخبوءا تحت هذه النظرات ، وقد نسيا ما حولهما . وشعرا بما يشعر به كل حبيبين اذا التقيا فى بعض لحظات الروح الساميه: أن هذا العالم العظيم لايعمل الا لاثنين فقط : هو وهى ..........
ثم بدا فى عينيها فتور الظمأ . ظمأ الحب المتكبر المتمرد ، لأنه حب المأة المعشوقه ، ولأن له لذتين .أحداهما فى أن يبقى ظمأ الى حين .....
ثم توجعت النظرات لأنها تصلها بالرجل الذى لايشبه الرجال ، فلا يستوهب خضوعها ولا يشتريه ، والرجل كل الرجل عند مثل هذه المرأة هو الذى لايشبه الباقين ممن تعرفهم، ثم ذبلت عيناها الجميلتان ، وما هو ذبول عين امرأه تنظر الى محبها؛ وانما هو استسلام,,,,
فقلت لصاحب القلب المسكين :" ويحك يا عدو نفسه !لو أختار الشيطان عينين ساحرتين ينظر بهما اليك نظز الفتنه ، لما اختار الا عينيها ، فى وجهها ، فى هيئتها ، فى موقفها ، وأراك مع هذا منتظر ما لايوجد ولا يمكن أن يوجد ؛ وأراها معك فى حبها كالحيوان الأليف اذا طمع فى المستحيل.
قال صاحب القلب المسكين :وما المستحيل الذى يطمع فيه الحيوان الأليف.
قلت: ذلك يطمع أن يكون له حقوق على صاحبه أكثر فوق الألفه والمنفعه ،هون على نفسك فلست أكثر من عاشق .
قال صاحب القلب المسكين : بل أنا مع هذه أكثر من عاشق؛ لأن فى العاشق راغبا وفي أنا راهب ، وفى العاشق الجرئ وفي المنكمش ، وأطمع أن تهدر فى يدى كالشلال ، أنا أكثر من عاشق ؛فانه يعشق لينتهى من ألم الجمال ، وأعشق أنا لأستمر فى هذا الألم !
هذه هذه ؛ العجيب ياصديقى أن خيال الأنسان يلتقط صورا كثيرة من صور الجمال تجئ كما يتفق ، ولكنه يلتقط صورة واحدة بأتقان عجيب ، هى صورة الحب ؛فهذه هذه.
قال له صاحبه : ألم أقل لك ان أبليس هنا فى غير حقيقته الأبليسيه ولم تفهم عنى .
أما صاحب القلب المسكين فتزعزعت كبده مما رأى ؛ وجعل ينظر الى هذه المحبوبه فى زفاف العروس وقد أشرق فيها رونقها وسطعت ولمعت
هذه العروس كانت قبل الآن واقفه على حدود صاحبها ، أما الآن فانها تقتحم الحدود.
يا لسحر الحب من سحر ؛ كل ما فى الطبيعه من جمال تظهره الطبيعه لعاشقها فى احدى صور الفهم .
أما الحبيب الجميل فهو وحده الذى يظهر لعاشقه فى كل صور الفهم، وبهذا يكون الوقت معه أوقاتا مختلفه ، ففى ساعة يكون العقل ، وفى أخرى يكون الجنون ....................... التكمله قريبا