اكتشاف الطفرة الجينية للحالة النفسية يحسن طرق العلاج
تمكن باحثون لأول مرة من تحديد طفرة تحدث طبيعيا في جينات (مورّثات) الفئران وتؤثر في مستويات مادة كيميائية عصبية في الدماغ مرتبطة بحالات الاكتئاب والقلق والأعراض النفسية الأخرى هي مادة السيروتونين.
ويتوقع أن يساعد هذا الاكتشاف الذي نشر في مجلة سيانس الأميركية أمس على تفسير التحسن الذي يشعر به "بعض" المرضى بعد تعاطي عقاقير (كأدوية باكسيل وبروزاك وزولوفت) المضادة للاكتئاب والتي تعمل على إحداث تغيير في مستويات مادة السيروتونين؛ بينما لا يشعر بهذا التحسن مرضى آخرون يتعاطون نفس العقاقير.
وتشير نتائج هذه الدراسة إلى فروق وراثية (جينية) فعلية بين مريض وآخر في طريقة قيام الدماغ بصنع أو توليف السيروتونين، وهي تفتح المجال للبحث في معالجات "مشخصنة" بما يناسب كل مريض على حدة، وفي فهم طريقة عمل العلاج، وفي أسباب الاختلافات بين استجابات المرضى له.
ومادة السيروتونين هي إحدى الناقلات العصبية وهي جزء من الدورة (العصبية) للدماغ ومسؤولة عن إنتاج الأفكار والعواطف والأفعال التي تشكل مجتمعة السلوك الإنساني، ففي الأفراد الأصحّاء يعمل السيروتونين مع ناقل عصبي آخر هو الدوبامين على إحداث "توازن كيميائي" ضروري لاستقرار وتوازن المزاج والعواطف.
ولكن عندما يختل التوازن وينتج عن ذلك حالات مرضية كالاكتئاب المزمن، يعمد الأطباء إلى وصف أدوية من فئة عقاقير SSRI التي تقوم انتقائيا بالحفاظ على السيروتونين في مستويات تركيز عالية مما يساعد على استعادة التوازن وتحسين حالة المزاج لدى المريض.
وقد أدرك الأطباء النفسيون -على مدى سنوات من العلاج- أن هذه الفئة من عقاقير SSRI مثل سيليكسا وباكسيل وبروزاك وزولوفت لا تعمل دائما كما هو متوقع منها في كل المرضى، بل إن نسبة الذين يحصلون على استجابة مؤثرة وتحسن في حالتهم النفسية لا تزيد على 30-40% من المرضى الذين يتعاطون هذه الأدوية، بينما يحصل البعض على استجابات جزئية أو ناقصة أو عدم استجابة على الإطلاق.
ومن أجل فهم أفضل للاختلافات بين الأفراد في مستويات تركيز السيروتونين، قام الباحثون -بقيادة الدكتور مارك كارون أستاذ بيولوجيا الخلية في جامعة ديوك الأميركية- بالنظر عن كثب في جينات الفئران المسؤولة عن إنتاج إنزيم الدماغ ترايبتوفان هيدروكسيلاس/2 (Tph2). ويشتبه في أن هذا الإنزيم هي المادة الكيميائية المسؤولة عن استثارة إنتاج السيروتونين في الدماغ. وعندما ركز الباحثون على الجينات المسؤولة عن إنتاج الإنزيم Tph2 تبدت لهم فروق مذهلة بين فأر وآخر.
ووجد الباحثون أن اختلافا معينا في جين Tph2 قد ارتبط مباشرة بمستوى إنتاج عادي للسيروتونين في دماغ الفأر، بينما وجدوا أن جين Tph2 آخر يختلف عن الأول في وحدة DNA واحدة فقط قد ارتبط بانخفاضات في مستوى تركيز السيروتونين تتراوح بين 50 و70%. في نفس الوقت يحذر الدكتور كارون من التسرع في توقع تكرار نفس الفروق الجينية في الإنسان قبل أن يتم إثباتها بالفعل.
ويرتجى من هذه الدراسة الحصول على أفكار أو مفاتيح عما يمكن أن تكون عليه الاختلافات الجينية المؤثرة في الحالة النفسية لأفراد البشر. كذلك يحمل التنوع الجيني الهائل في البشر والذي يفوق نظيره في فئران المختبرات العلماء على الاعتقاد بأن الفروق الموجودة بين مختلف صور جينات Tph2 في البشر لا تقل بأي حال عن مثيلاتها في الفئران.