العلامة الشيخ حُمود بن عبد الله التَّوَيْجري
العلامة الشيخ حُمود بن عبد الله التَّوَيْجري (1334هـ - 1413هـ) رحمه الله تعالى
عالمٌ فَقَدْناهُ..
عبد الكريم بن حمود التويجري
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه ترجمة موجزة للشيخ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله تعالى-:
* اسمه ونسبه وكنيته:
هو الشيخ العالم العلامة العامل الزاهد الورع الرواية المسند أبو عبد الله حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري من قبيلة بكر بن وائل بطن من ربيعة.
* مولده:
ولد الشيخ -رحمه الله- في مدينة المجمعة في يوم الجمعة الخامس عشر من شهر ذي الحجَّة سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة وألف 1334هـ من هجرة المصطفى ×.
توفي والده عام 1342هـ وكان عمر الشيخ إذ ذاك ثمان سنوات.
* طلبه العلم:
ابتدأ الشيخ القراءة على يد الشيخ أحمد الصانع عام 1342هـ وذلك قبل وفاة والده -رحمه الله- بأيام قلائل.
تعلم على يديه مبادئ القراءة والكتابة، ثم حفظ القرآن على يديه ولم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، كما قرأ عليه «الأصول الثلاثة» للشيخ الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
ثم ابتدأ القراءة على الفقيه الأكبر الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري قاضي المجمعة وتوابعها وفقيههما وعمره إذ ذاك ثلاثة عشر عاماً، ولازمه ما يزيد على ربع قرن من الزمن؛ قرأ عليه في شتى العلوم والفنون؛ قرأ عليه في التفسير والحديث والتوحيد والفقه واللغة والتاريخ والأدب وغيرها.
كما حفظ عليه عدد من المتون في أنواع العلوم.
وقد أجازه الشيخ إجازة مطوَّلة في رواية الصحاح والسنن والمسانيد، وفي رواية كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وفي رواية مذهب الحنابلة كما أجازه بجميع مروياته لكتب الأثبات، وقبل ذلك حدثه بحديث الرحمة المسلسل بالأوَّليَّة( ) .
كما قرأ على الفقيه العلامة محمد بن عبد المحسن الخيَّال قاضي المدينة سابقاً في النحو والفرائض.
كما قرأ على سماحة الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن محمد بن حميد -رحمه الله- حين عيَّن قاضياً بالمجمعة، قرأ عليه في اللغة والفرائض.
وقد روى عن الشيخ العلامة المجاهد سليمان بن حمدان قاضي مكة والمدينة سابقاً حديث الرحمة المسلسل بالأوَّليّة، وأجازه أيضاً بجميع مروياته للصحاح والمسانيد والأثبات، وقد ذكر ذلك كلُّه الشيخ حمود -رحمه الله- في ثبته المسمى «إتحاف النبلاء بالرواية عن الأعلام الفضلاء».
أُلزم الشيخ بالقضاء في رحيمة ورأس تنورة بالمنطقة الشرقيَّة وذلك عام 1368هـ وبقي بها نحواً من ستة أشهر، ثم أُلزم بالقضاء مرة أخرى في مدينة الزُّلفي عام 1369هـ، وبقي بها إلى آخر سنة 1372هـ ثم اعتذر عن القضاء.
طُلب للعمل في مؤسسات علميَّة كثيرة؛ فقد طُلب للتعليم بالمعاهد العلميَّة إبان افتتاحها، ثم بكلية الشريعة، ثم بالجامعة الإسلاميَّة، ثم للعمل بدار الإفتاء، لكنه اعتذر عن ذلك كله وآثر التفرغ للعلم والبحث والتأليف.
استمرَّ الشيخ يواصل العلم والتحصيل ويبثُّ ذلك في مؤلفاتٍ جعل يُصدرها تباعاً لاقت -ولله الحمد- قبولاً واستحساناً من العلماء وطلاب العلم في زمنه، وقد صدر عدد منها ببعض تقاريظ أولئك العلماء والأفذاذ من أمثال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله-، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد -رحمه الله-، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، وقد طرق الشيخ فيها مواضيع شتى في العقيدة والأحكام والآداب والسُّلوك.
وقد تصدر لكل من حاد عن سبيل الله من الكتَّاب المعاصرين، وجعل يرد عليهم بقلمه، منافخاً عن السُّنَّة، مدافعاً عن العقيدة الصحيحة؛ عقيدة أهل السنَّة والجماعة، وربما نشر ذلك في كتابات ومقالات في بعض الصحف المحليَّة والخارجيَّة.
* مؤلفاته:
بلغت مؤلفات الشيخ أكثر من خمسين مؤلفاً، طبع منها نحو من أربعين مؤلفاً؛ منها:
- «إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة».
- «الاحتجاج بالأثر علة من أنكر المهدي المنتظر».
- «الرَّد القويم على المجرم الأثيم» (وهو رد على من تعرض لِـ«صحيح البخاري»).
- «الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسُّنَّة والإجماع والآثار» (وهو رد على من أباح الربا في البنوك).
- «إثبات علو الله على خلقه».
- «تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران».
- «القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
- «عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن».
- «الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين».
- «إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة» (وهو رد على أحمد الغماري).
- «الرؤيا».
- تغليظ الملام على المتسرِّعين إلى الفتيا وتغيير الأحكام». وغيرها.
وأول كتاب طُبع من كتبه؛ «إنكار التكبير الجماعي وغيره».
كما أن للشيخ -رحمه الله- تنبيهات وتعليقات على كتب كثيرة؛ منها:
تنبيهات على تصحيح الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- لبعض الأحاديث، وقد دوَّنها بهامش «المسند» المطبوع بتحقيق أحمد شاكر -رحمه الله-.
ومنها: تعليقات على «مستدرك الحاكم» دوَّنها بهامشه.
كما أن للشيخ ثبتاً في رواية الحديث والأثبات؛ سماه «إتحاف النبلاء بالرواية عن الأعلام الفضلاء».
* تلاميذه:
لأسباب كثيرة لم يَجلس الشيخ للطلبة، ولهذا قلَّ تلاميذه، ولا بأس ها هنا من الإشارة إلى بعضهم.
تتلمذ على الشيخ حين كان قاضياً بالزُّلفي عدد من الأفاضل منهم:
عبد الرومي، وعبد الله محمد الحمود، وناصر الطريري، وزيد الغانم.
كما قرأ عليه أبناؤه عبد الله وعبد العزيز وعبد الكريم وصالح وإبراهيم وخالد بعض الكتب وكثيراً من مؤلفاته، وقد أجاز أبناؤه بجميع مروياته، وحدَّثهم قبل ذلك بالحديث المسلسل بالأوَّليَّة.
كما أجاز -رحمه الله- عدداً من أفاضل العلماء والدعاة منهم:
الشيخ إسماعيل الأنصاري، والشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن محمد بن حميد إمام المسجد الحرام، والشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي، والشيخ سلمان بن فهد العودة، والشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض، والشيخ ربيع بن هادي المدخلي الأستاذ بالجامعة الإسلاميّة، والشيخ الفاضل صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد، والشيخ عبد الرحمن الفريوائي، وغيرهم كثير.
* أخلاقه:
كان -رحمه الله- يتَّسم بخُلُقٍ جَمّ، وأدبٍ رفيعٍ، نبيل السجايا كريم المَحتِدِ، تعلو مُحيَّاه ابتسامةٌ مُحتشمةٌ، وتلوح على قسمات وجهه هيبةٌ وجلالٌ تُزيِّنُهُ، لا يَمَلُّ مُجالِسُه ولا يسأم مُحدثه.
يتكلم بهدوء وينطق بحكمة، قليلُ الكلام، كثير الفكر، كان -رحمه الله- ليِّنُ الجانب، دمث الخُلق، يَجلس مع أولاده وأهل بيته، وينبسط معهم، يتحدّث إليهم كأحدهم من غير فرق بين صغير وكبير، وكان -رحمه الله- عادلاً بين أولاده ذكوراً وإناثاً.
ومن تمام عدله بين أولاده -رحمه الله- مات ولا يدري أحدهم مَن أحبُّهم إليه، وإن كان عطفه وشفقته على الصغير والإناث تبدو من خلال حديثه وتصرُّفه.
كان محبَّاً للاستشارة مُطبِّقاً لها قولاً وفعلاً، لا يأنف أن يستشير حتى صغار أبنائه، وكم غيَّر ما يكتبه أو ترك أمراً يفعله أو فعل ما تركه بناءً على استشارة أو تنبيه ناصح.
كان وقَّافاً عند حدود الله متى ثبت عنده الدليلُ من كتاب الله أو سنَّة رسوله ×، لا يُقدِّم عليهما قول صاحبٍ ولا رأي عالم، وكان كثيراً ما يُردِّد مقولة الشافعي: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنَّة رسول الله × لم يكن له أن يدعها لقول أحد من النّاس.
وكان أواباً إلى الحقِّ، وقَّافاً عنده، فقد جاءه أحد مُحبِّي الشيخ المُحدِّث ناصر الدين الألباني مُعاتباً حيثُ توجد عبارة للشيخ حمود في كتابه «الصارم المشهور» ردَّاً على الألباني، فطلب الشيخ الكتاب وكان مهيَّأً لإعادة الطبع، فنظر إلى الموطن المشار إليه، ثم ضرب عليه.
وبمناسبة ذكر الشيخ الألباني، فإنَّ الشيخ -وإن خالفه الرأي فيما محلُّه الاجتهاد، وردّ عليه- فقد كان محبَّاً له، مُعجباً به، مُثنياً عليه، ولقد قال مرَّة بمناسبة صدور جائزة الملك فيصل العالميّة: إنَّ الشيخ ناصر من أحق من يُعطاها لخدمته السُّنَّة.
ولقد دعا الشيخ إلى منزله حين زار الألباني الرياض في عام (1410هـ).
وكان -رحمه الله- شديد الغضب لله، يُتبيَّن ذلك حين يعلم أن أحداً يُجاهر بمعصية أو يعارض سنَّة أو ينشر بدعة.
كان قويّاً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، مُجانباً لأهل البدع والأهواء، مُحارباً لهم بلسانه وقلمه.
كان حريصاً على أداء عمله بنفسه، بل إنَّه يقوم بأعماله الخاصة دون أن يسأل أحداً شيئاً أو يستعين به ولو كان أقرب الناس إليه كزوجه أولاده، بل وربَّما ألحُّو عليه في تركه وإسناده إليهم فيأبى ذلك، ولسان حاله يُردد حديث: «بايعوني على أن لا تسألوا النّاس شيئاً...».
* عبادته:
نذر الشيخ -رحمه الله- نفسه لله فلا تراه إلا في عبادة، فنهاره للعلم بحثاً وكتابة، منذ بزوغ الشمس إلى غروبها، على صلاة العشاء، وربما جلس بعد صلاة العشاء قليلاً بمكتبته يكمل ما ابتدأه في بالنهار، وذلك في أخريات حياته -رحمه الله-، يتخلل ذلك نومةٌ يسيرةٌ بعد صلاة الظهر.
وأمّا ليله فيقضي جزءاً كبيراً منه -وهو ثلثه الأخير- في التهجد والصلاة حضراً كان أو سفراً، لم يدع ذلك حتى أثناء مرضه إلى أن عجز عن ذلك ولم يستطع القيام به.
وأمّا الوتر فلم يتركه إلى آخر يوم من حياته -رحمه الله-.
لقد حفظ الشيخ وصيّة رسول الله × لعدد من الصحابة فما كان يدع صيام ثلاثة أيام من كل شهر، حتّى وهو يعاني شدَّة المرض من أخريات حياته، وكذلك صيام عشرة ذي الحجَّة وستَّة أيام من شوال وعاشوراء وغيرها.
كما كان -رحمه الله- حريصاً على المتابعة بين الحج والعمرة، حج مراراً كثيرة، وكان يعتمر كل سنة ويَحرص عليها في رمضان، وكان يقضي وقت إجازة نصف العام مع أبناءه بمكّة -حرسها الله-.
لقد كان لسان الشيخ رطباً بالقرآن؛ يقرأه على كل حالة قائماً وقاعداً، ومضطجعاً، حتى إنَّه ليقوم ببعض أعماله وهو يقرأ القرآن، وكان يَختم القرآن كل سبع، إلا في رمضان فيَختم كل ثلاث.
وكان يقرأ في صلاة الليل كل يوم أربعة أجزاء ونصفاً تقريباً.
* مرضه ووفاته:
ابتدأ المرض بالشيخ منذ ثلاث سنوات تقريباً، لكنه كان يكتم ذلك ويُخفيه، حتى اشتد عليه المرض في السَّنة الأخيرة، فأُدخل على أثر ذلك المستشفى ثلاث مرات، كان آخرها قبل وفاته بيومين، وكان خلال تلك المدّة راضياً مُحتسباً صابراً على قضاء الله وقدره، إلى أن وافاه أجله المحتوم في آخر ساعة من يوم الثلاثاء الموافق 5/7/1413هـ.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألحقه بمن أنعم عليهم من النبيِّين والصِّديقين والشهداء والصَّالحين وحسنُ أولئك رفيقاً.
وقد صُلِّي عليه بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء 6/7/1413هـ بمسجد الرَّاجحي بمدينة الرياض، ودفن بمقبرة النسيم.
وكانت جنازيه -رحمه الله- مشهودة، حضرها خلق كثير، ضاق بهم المسجد على سعته، وامتلأت أسطحه وساحاته والطرق المحيطة به، وكان من بين الحاضرين جمعٌ كبيرٌ من العلماء والدعاة والوُجهاء، وقد أمَّ المصلين سماحةُ الشيخُ عبد العزيز بن عبد الله باز -حفظه الله-.
وكان عمر الشيخ يوم وفاته ثمانية وسبعين عاماً وستَّة أشهر وعشرين يوماً.
إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
اللهم آجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيراً منها.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والحمد لله ربِّ العالمين.
المصدر شبكة المنهاج الاسلامية