محمد عبدالرزاق حمزة
مولده: ولد الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة في قرية كفر عامر التابعة لمركز بنها بمصر وينتهي نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أي أنه من سلالة آل الرسول، وكان من خلقه وطبعه عدم ذكر شيء عن نسبه؛ لأن مبدأه وعقيدته التي عاشها طوال حياته أن الأنساب لا ترفع أحدًا وأن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وشجرة نسبه تحتفظ بها أسرته.
وقد تربى في وسط ريفي بين أبوين كريمين، تغلب عليهما السماحة والوداعة، والبعد عن التعقيد، والصراحة في القول والعمل، وكذلك كان الشيخ محمد عبد الرزاق- رحمه الله تعالى- في حياته وظل كذلك بعد أن انتقل إلى الحاضرة، وعاش في القاهرة بين صخب المدينة وزخرفة الحضر، ومعاصرة أصحاب الترف في الطبقات (المترفة) مع هذا كله لم تتغير خصال الشيخ وانطباعاته، ولم يحد عن خلقه في السماحة والمسالمة والصراحة والتمسك بمكارم الأخلاق وصفات أهل الورع والتقوى.
دراسته وتحصيله: لقد تلقى المبادئ الأولى من القراءة والكتابة والقرآن الكريم في كُتَّاب القرية، وكانت تلك المبادئ إعدادًا لما بعدها من مراحل العلم وحقول المعرفة والتوسع في جوانب الدراسة الدينية والعربية والرياضية.
و متى بلغ الولد سن القبول في الأزهر، وتوفرت فيه الشروط المطلوبة في طلبته، كحفظ القرآن، ألحقه أبوه بالأزهر، ، وكان الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة جادا في طلبه ومتقدمًا على أقرانه ، دؤوبًا على التحصيل والغوص في المسائل العلمية وحلها بتحقيقه والإفادة منها.
علاقته بجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر: كانت للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله أوثق الصلات بجماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة ممثلة في رئيسها ومؤسسها فضيلة الشيخ العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله وكانت بينهما صلات قوية تنبئ عن عمق العلاقة الأخوية والدعوية للشيخين الجليلين رحمهما، كما أن المكاتبات والمراسلات العلمية بينهما تنبئ أيضًا عن عمق هذه العلاقة ومتانتها، كما كان للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله إسهامات علمية مباركة في مجلة الهدي النبوي تبرهن على قوة صلة الشيخ بجماعة أنصار السنة المحمدية التي تؤدي دورًا فاعلاً في الساحة الإسلامية داخليًا وخارجيًا.
انتقاله إلى الحجاز: وفي عام 1344 قصد الشيخان الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة والشيخ عبد الظاهر أبو السمح مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وكان الملك عبد العزيز آل سعود (ملك الحجاز وسلطان نجد كما كان لقبه يومئذ) حاجًا فاتصلا به مع العلماء القادمين من العالم الإسلامي، وتكررت اللقاءات معه فعرف الكثير عن نشاطهما وقيامها بالدعوة السلفية في مصر، وعرض عليها الانتقال إلى مكة المكرمة والمدينة النبوية لإمامة الحرمين الشريفين والقيام بخطابة الجُمع والتدريس فيهما.
وبناءً على الرغبة الملكية السامية انتقل الشيخان بأهلهما وأولادهما إلى مكة المكرمة سنة 1347ه (1929م) وأصدر الملك عبد العزيز أمره الكريم بتعيين الشيخ عبد الظاهر محمد أبي السمح إمامًا وخطيبًا ومدرسًا في المسجد الحرام، وتعيين الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة إمامًا وخطيبًا ومدرسًا بالمسجد النبوي بالمدينة.
نشاطه في المدينة: كان للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة في خطب الجمع والتدريس في الحرم النبوي جولات واسعة في الإصلاح الديني، والتوجيه الهادف، ومعالجة الأدواء الاجتماعية، كما فتح دروسًا صباحية ومسائية في المسجد النبوي في الحديث والتفسير والتوحيد، وكان لكل ذلك الأثر الطيب في نفوس الشباب المثقف وغيرهم.
انتقاله إلى مكة المكرمة: لم تطل إقامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة في المدينة فنقل إلى مكة المكرمة في غضون 1348ه (1929م) مدرسًا في الحرم المكي، ومساعدًا للشيخ عبد الظاهر محمد أبي السمح في إمامة الحرم والخطابة.
في المعهد العلمي السعودي: كما عهد إليه في التدريس في المعهد العلمي السعودي ودروسه في المعهد لم تكن مقتصرة على المواد الدينية، بل قام بتدريس المواد الرياضية كالحساب والهندسة والجبر ومبادئ المثلثات.
دروسه في الحرم المكي: واستأنف- رحمه الله- نشاطه العلمي الإرشادي في مكة، بفتح دروس للعامة بين العشاءين، وبعد صلاة الفجر في المسجد الحرام، في التفسير والحديث بطريقة غير مألوفة للناس، وذلك بعدم التقيد بكتاب معين فكان يقرأ الآية غيبًا ثم يبدأ في تفسيرها بما وهبه الله من سعة الإطلاع وسرعة استحضار أقوال السلف مكتفيًا في ذلك بالصحيح الثابت المأثور من الأقوال والروايات، وبهذه الطريقة أكمل مرارًا تفسير القرآن الكريم، وفي الحديث أكمل قراءة الصحيحين وشرحهما على طريق تفسير القرآن، وكانت حلقات دروسه ملتقى أجناس شتى من أهل مكة والوافدين إليها، ونفر كثير من أهل جدة كانوا يحرصون على دروسه كلما جاءوا إلى الحرم، ولم تكن دروسه تخلو من طرف علمية أو نوادر أدبية دفعًا للسأم، وترويحًا لنفوس المستمعين على عادة العلماء الأقدمين الأذكياء.
وإذا تعرض لآراء الفرق المنحرفة من القدماء أو العصريين شرح للمستمعين انحرافاتهم، ثم يبدأ في نقض آرائهم بطريقة علمية منطقية سهلة، يرتاح إليها الحاضرون، ويصغون إليه وكأن على رؤوسهم الطير.
دروسه الخاصة: وكان للشيخ- رحمه الله- بعض الدروس لأفراد من راغبي العلم في حجرته بباب علي في المسجد الحرام وكانت تعرف بقبة الساعات، وهذه الدروس كانت تشمل اللغة العربية، (النحو والصرف والبلاغة)، وأصول التفسير، وأصول الحديث، والرياضيات كالجبر والهندسة والفلك، ولم تكن دراسته لعلم الفلك على الطريقة القديمة (الربع المُجَيِّب) بل كانت على الطريقة الحديثة وقد ساعدته معرفته بمبادئ اللغة الإنجليزية للاستفادة بالتقويم الفلكي السنوي، الذي تصدره (البحرية الملكية البريطانية بلندن).
فكرة تأسيس مرصد فلكي في مكة: وولعه بهذا الفن دفعه إلى فكرة تأسيس مرصد فلكي صغير، على رأس جبل أبي قيس بمكة المكرمة، للاستعانة بآلاته على إثبات رؤية الهلال لشهر رمضان، ورؤية هلال ذي الحجة لتحديد وقفة عرفات وعيد الأضحى، وعرض الفكرة على الملك سعود بن عبد العزيز- رحمه الله- فواق، وأصدر أمره إلى (وزارة المالية) ببناء غرفة خاصة للمرصد على قمة جبل أبي قبيس كما ساعده في جلب بعض آلات الرصد في مقدمتها (تلسكوب)، ولكن- مع الأسف- لم يكتب للفكرة الظهور إلى الوجود نظرًا لغرابتها.
مدرسة دار الحديث: كان الاهتمام بالحديث وكتبه ودراسته ودراسة فنونه في مقدمة ما كان يحرص عليه الشيخان الجليلان الشيخ عبد الظاهر محمد أبو السمح والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة وبناءً عليه قام الاثنان بتأسيس (دار الحديث بمكة) سنة 1350ه (1931م) بعد الاستئذان من الملك عبد العزيز- رحمه الله- وقد رحب بالفكرة، ووعدهما بالمساعدة في كل ما يحتاج إليه هذا المشروع.
وتم افتتاح هذه الدار تحت إدارة الشيخ عبد الظاهر أبي السمح، وعُهِدَ إلا الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة بأن يكون مدرسًا أولاً بها، واختير لها كذلك نخبة من العلماء المشتغلين بالحديث وعلومه للتدريس بها.
وبذل الشيخ محمد عبد الرزاق مجهودًا كبيرًا في رفع مستوى طلاب الدار في علوم الحديث، وكان معظم طلابها يومئذ من المجاورين، وبعد سنوات تخرج فيها عدد لا بأس به، فرجعوا إلى بلادهم بأفريقيا وآسيا دعاةً إلى الله، وهداة إلى سنة رسوله كما تولى كثير منهم المناصب الدينية الرفيعة في بلادهم.
انتداب الشيخ للتدريس في أول معهد علمي أقيم بالرياض: وفي سنة 1372ه (1952م) تأسس في الرياض أول معهد علمي تحت إشراف سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وانتدب الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة للتدريس به في مادة التفسير والحديث وفروعهما، وقد وجد طلاب المعهد في شيخهم المنتدب كنوزًا من المعرفة، تجمع بين القديم والجديد، وكثيرًا ما كانت دروس الشيخ تتحول بالأسئلة والمناقشة إلى علم الجغرافية والهندسة والفلك وآراء المذاهب القديمة والجديدة في هذه العلوم.
واستمر انتدابه سنة واحدة تقريبًا ثم عاد إلى مكة المكرمة.
إحالته إلى التقاعد: وبعد جهاد علمي متواصل، وخدمة للعلم في مختلف مجالاته، ونشر للمعرفة بكل الوسائل وبعد الأثر البارز الملحوظ الذي تركه رحمه الله في كل من الحرمين الشريفين، بلغ الشيخ السن القانونية التي يحال فيه الموظف إلى التقاعد، وهي الأربع والستون من العمر، صدرت الإرادة الملكية إلى سماحة رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ بإحالته إلى التقاعد بكامل راتبه.
لقد أحيل الشيخ محمد عبد الرزاق إلى المعاش، بيد أن أحدًا لم يدرك ذلك غير أقاربه، أما الطلاب الذين كانوا يدرسون عنده، والذين يجتمعون في حلقات درسه الصباحية والمسائية فلم يشعروا بأي فرق في مجالس دروسه في الحرم الشريف وفي حجرته، بل زاد نشاطه في ذلك، وزاد عدد الطلاب عنده، كما شاهد المتصلون به زيادة اهتمام منه في التأليف والتعليقات على الكتب وكتابة المقالات في المجلات.
مرضه ووفاته: وفي الأيام الأخيرة أي منذ سنة 1385ه (1965) أصيب رحمه الله بعدة أمراض، وفي مقدمتها الروماتزم، وكان بقوة توكله على الله يتجلد ويقاوم تلك الأمراض، مع المحافظة على قراءة الكتب، ثم تفرغ لتلاوة القرآن والصحف أحيانًا، جالسًا أو مضطجعًا في البيت أو في غير بيته.
وقد دخل مشتشفيات مكة والطائف للاستشفاء، ثم سافر إلى بيروت وتعالج في مستشفى الجامعة الأمريكية أيامًا، وأخيرًا سافر مع ابنه الأستاذ عبد الله حمزة إلى تركيا ودخل مستشفى من مستشفياتها المشهورة أيامًا، ثم عاد إلى مكة واشتدت عليه وطأة الأمراض، فأصبح من سنة 1390ه (1970م) ملازمًا للفراش، وأخيرًا وافاه الأجل المحتوم في الساعة الثامنة بالتوقيت الغروبي من يوم الخميس 22-2-1392ه (1972م)، وصُلِّيَ عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب، ودفن بالمعلا- رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الفردوس الأعلى.
مؤلفاته وآثاره العلمية:
1- كتاب الصلاة ويعتبر كموسوعة مصغرة لموضوع الصلاة، فقد جمع فيه كل ما يتعلق بالصلاة وأنواعها ( مطبعة الإمام بالقاهرة 1370ه ) 200 صفحة.
2- كتاب الشواهد والنصوص في الرد على كتاب هذي هي الأغلال ( مطبعة الإمام بالقاهرة 1367ه ) 200 صفحة.
3- رسالة في الرد على بعض آراء الشيخ الكوثري (مطبعة الإمام بالقاهرة 1370ه) 72 صفحة.
4- كتاب ظلمات أبي رية ( المطبعة السلفية بالقاهرة 1378ه) 331 صفحة.
5- الإمام الباقلاني وكتابه التمهيد في رسالة جمعت بحثه وبحث الشيخ بهجت البيطار والشيخ يحيى المعلمي- رحمهم الله- مطبعة الإمام بالقاهرة.
هذه هي مؤلفاته، وثم كتب نشرها بعد تصحيحها والتعليق عليها وهي:
1- عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر طبعة مكة المكرمة (1349ه).
2- رسالة التوحيد للإمام جعفر الباقر دار العباد بيروت (1376ه- 1956م).
3- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان المطبعة السلفية بالقاهرة (1351ه ).
4- الباعث الحثيث إلى فن مصطلح الحديث المطبعة الماجدية بمكة المكرمة (1353ه ).
5- الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية المطبعة السلفية بمكة المكرمة (1350ه ).
6- رسالة الطلاق لشيخ الإسلام ابن تيمية دار الطباعة المحمدية الأزهر بالقاهرة (1342ه).
7- الكبائر للذهبي مطبعة الإمام بالقاهرة (1373ه).
8- الاختيارات الفقهية طبع على نسخة كتبها بقلمه ويده.
9- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، اشترك في تحقيقه وتصحيحه مع فضيلة الشيخ محمد حامد الفقي، والأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السنة المحمدية (1368ه- 1949م).
10- ومن الرسائل التي ألفها ولم تطبع رسالة الله رب العالمين في الفطر والعقول والأديان.
وقد نشر منها رحمه الله فصولاً في مجلة الحج بمكة المكرمة. رحمه الله رحمة الأبرار وجعل الفردوس مثواه.
المصدر شبكة المنهاج الاسلامية