– فقهه رحمه الله
من شيوخ ابن تيمية : اخذ الفقه والاصول عن والده وسمع عن خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين والشيخ زين بن المنجّا والمجد بن عساكر
في عصر ابن تيمية رحمه الله قل الإنتاج العلمي، وركدت الأذهان، وأقفل باب الاجتهاد وسيطرت نزعة التقليد والجمود، وأصبح قصارى جهد كثير من العلماء هو جمع وفهم الأقوال من غير بحث ولا مناقشة، فألفت الكتب المطولة والمختصرة، ولكن لا أثر فيها للابتكار والتجديد، وهكذا عصور الضعف تمتاز بكثرة الجمع وغزارة المادة مع نضوب في البحث والاستنتاج.
4- من تلاميذ الشيخ :
شمس الدين ابن قيم الجوزية.
أبو عبدالله محمد الذهبي صاحب (ميزان الاعتدال).
اسماعيل بن عمر بن كثير.
محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي.
أبو العباس أحمد بن الحسن المشهور بقاضي الجبل.
زين الدين عمر الشير بابن الوردي.
أبو حفص عمر الحراني.
أبو عبدالله محمد بن مفلح.
5 - محن الشيخ:
امتحن الشيخ مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة ، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد .
واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشق.
وفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم.
وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهاً إلى دمشق، حتى لحق به وفد من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس.
وما هي إلا مدة قليلة حتى خرج من السجن وعاد إلى دروسه، واكب الناس عليه ينهلون من علمه.
وفي سنة 709هـ نفي من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، ويتقبلوا منهجه، لكن لم يدم الأمر طويلاً لهم، فبعد سبعة أشهر طلبه إلى القاهرة الناصر قلاوون بعد أن عادت الأمور إليه، واستقرت الأمور بين يديه، فقد كان من مناصري ابن تيمية رحمه الله وعاد الشيخ إلى دورسه العامرة في القاهرة.
وامتحن شيخ الإسلام بسبب فتواه في مسألة الطلاق ، وطُلب منه أن يمتنع عن الإفتاء بها فلم يمتنع حتى سجن في القلعة من دمشق بأمر من نائب السلطنة سنة 720هـ إلى سنة 721هـ لمدة خمسة أشهر وبضعة أيام.
وبحث حساده عن شيء للوشاية به عند الولاة فزوروا كلاماً له حول زيارة القبور، وقالوا بأنه يمنع من زيارة القبور حتى قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكتب نائب السلطنة في دمشق إلى السلطان في مصر بذلك، ونظروا في الفتوى دون سؤال صاحبها عن صحتها ورأيه فيها، فصدر الحكم بحقه في شعبان من سنة 726هـ بأن ينقل إلى قلعة دمشق ويعتقل فيها هو وبعض أتباعه واشتدت محنته سنة 728هـ حين أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب والأوراق والأقلام، ومنع من ملاقاة الناس، ومن الكتابة والتأليف .
5 - وفاته رحمه الله:
في ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة (728هـ) توفي شيخ الإسلام بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها، وأُذن للناس بالدخول فيها، ثم غُسل فيها وقد اجتمع الناس بالقلعة والطريق إلى جامع دمشق، وصُلي عليه بالقلعة، ثم وضعت جنازته في الجامع والجند يحفظونها من الناس من شدة الزحام، ثم صُلي عليه بعد صلاة الظهر، ثم حملت الجنازة، وكان يومه مشهودا ضاقت بجنازته الطريق وانتابها المسلمون من كل فج عميق يتقربون بمشهده يوم يقوم الأشهاد ويتمسكون بسريره حتى كسروا تلك الأعواد
6 – قالوا فيه :
1- قال السخاوي في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر ( في معرض سرد الكتب التي قرظها ابن حجر) ما نصه :
( ومن ذلك ما كتب به على( الرد الوافر على من زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية كافر )
2- قال العلامة كمال الدين بن الزملكاني (ت - 727هـ) : (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين ) .
3- قال ابن دقيق العيد رحمه الله : (لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد) .
4- قال أبو البقاء السبكي : (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به) ، وحين عاتب الإمام الذهبي (ت - 748هـ) الإمام السبكي كتب معتذراً مبيناً رأيه في شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
(أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخاره بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق والقيام فيه، لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان) .
5-الإمام الذهبي أثنى على شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
أ -(ابن تيمية: الشيخ الإمام العالم، المفسر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط) .
ب- ( وما رأيت أسرع انتزاعا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه ولا أشد استحضارا للمتون وعزوها منه كأن السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة وكان آية من آيات الله في التفسير والتوسع فيه وأما أصول الديانة ومعرفة أقوال المخالفين فكان لا يشق غباره فيه هذا مع ما كان عليه من الكرم والشجاعة والفراغ عن ملاذ النفس )
ج- (كان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه...) .
د- ( لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين، فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم)
6- قال الشوكاني رحمه الله (إمام الأئمة المجتهد المطلق) .
( حم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسكننا وإياه في الفردوس الأعلى من جنته . )
7- قال الأقشهري: ( في رحلته في حق ابن تيمية بارع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب وفنون أخر وما من فن إلا له فيه يد طولى وقلمه ولسانه متقاربان )
8- قال الطوفي : ( سمعته يقول من سألني مستفيدا حققت له ومن سألني متعنتا ناقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفى مؤنته )
7- قال تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي رحمة الله واما فتاويه ونصوصه واجوبته على الملل فهي اكثر من ان تحصى لكن دُوِن منها بمصر على ابواب الفقه سبعة عشرة مجلدًا وهذا ظاهر مشهور. وقل ان وقعت واقعة وسئل عنها الا واجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر وصار ذلك الجواب كالمصنف الذي يحتاج فيه غيره الى زمن طويل ومطالعة كتب على السؤال الواحد مجلدًا. واما جواب يكتب فيه خمسين ورقة وستين فكثير جدًا. وقال عنه ايضًا مبينًا لمنهجه في الفتوى: ففي بعض الاحكام يفتي بما ادى اليه اجتهاده من مواقفه ائمة المذاهب الاربعة. وفي بعضها قد يفتى بخلافهم او بخلاف المشهور في مذاهبهم. انتهى.
8- الشيخ محمد بهجة البيطار (: اشتهر ابن تيميه بمسائل اثرت عنه وظن وكثير من الناس انه انفرد بها عن غيره. بل ظنوا انه خالف في بعضها الاجماع وهي امور اجتهادية يقع في مثلها الخلاف بين العلماء ومن المفروغ منه ان ابن تيميه قد بلغ رتبة الاجتهاد في الاحكام الشرعية. وانه كان يفتي الناس بما ادى اليه اجتهاده , وانه موافق في فتاواه بعض الصحابة او التابعين او احد الائمة الاربعة او غيرهم ممن عاصرهم او جاء قبلهم او بعدهم. )
9- قال العلامة برهان الدين بن الامام محمد المعروف بابن القيم الجوزية: ( لا نعرف مسالة خرق فيها الاجماع, ومن ادعى ذلك فهو اما جاهل واما كاذب )
المصدر شبكة المنهاج الاسلامية