الإمام ابن كثير
هو الإمام الحافظ المؤرخ المفسر
عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن ضوّ بن كثير بن ضوّ بن زرع القيسي القرشي، الدمشقي.
واشتهر بلقب ((ابن كثير)) منسوباً إلى جده.
ولد بـ ((مجدل)) –وهي قرية شرقي بصرى من أعمال دمشق- في سنة (701هـ)، وكان أبوه خطيباً بها، ثم انتقل إلى دمشق سنة (707هـ) مع أخيه كمال الدين عبد الوهاب بعد موت أبيه.
3- طلبه للعلم:
حفظ القرآن، وقرأ بالقراءات، وبرع في التفسير والفقه والنحو، وأقبل على حفظ المتون، ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ، حتى برع في ذلك وهو شاب، وأفتى ودرس وناظر.
4- مناصبه العلمية ومكانته:
تبرز مكانة الإمام ابن كثير -رحمه الله- العلمية من خلال ما وليه من مدارس العلم والمساجد التي كان يدرس بها.
أ- أما المدارس التي وليها:
مدرسة الحديث الأشرفية بعد موت السبكي بمدة يسيرة، والمدرسة الصالحية بعد موت الذهبي، والمدرسة النجيبية، والمدرسة التنكزية، والمدرسة النورية الكبرى.
وكانت هذه المدارس مهوى أفئدة طلاب العلم في المشرق والمغرب، وكان لشيوخها منزلة عظيمة، فلم يتولى التدريس فيها إلا من كان راسخ القدم في العلم.
ب- أما المساجد التي ألقى فيها دروسه:
الجامع الأموي، ومسجد ابن هشام، وجامع تنكز، والجامع الفوقاني، وكان يقوم بالخطابة فيه.
5- ثناء العلماء عليه:
قال الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) (4/1508): ((الفقيه المفتي المحدث... له عناية بالرجال والمتون والتفقه، خرَّج وألف وناظر وصنف وفسر وتقدم )).
وقال في ((المعجم المختص)) (86) –أيضاً-: ((الإمام الفقيه المحدث الأوحد البارع... فقيه متفنن، ومحدث متقن، ومفسر نقاد، وله تصانيف مفيدة، يدري الفقه، ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال، سمع مني، وله حفظ )).
وقال ابن حبيب فيما نقله الإمام ابن حجر في ((إنباء الغمر)) (1/39): ((إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بقوله وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير)).
وقال أبو المحاسن الدمشقي في ((ذيل تذكرة الحفاظ)) (58): ((أفتى ودرس، وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وأمعن النظر في الرجال والعلل )).
وقال الحافظ ابن حجر في ((الدرر الكامنة)) (1/400) و (( إنباء الغمر)) (1/39): ((كان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع الناس بعد وفاته)).
وقال العيني فيما نقله عنه ابن تغري بردى في ((النجوم الزاهرة)) (11/123): ((كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ، وسمع وجمع وصنف ودرس وحدث وألف، وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهى إليه علم التاريخ والحديث والتفسير، وله مصنفات عديدة مفيدة )).
6- عقيدته ومنهجه:
كان -رحمه الله- على عقيدة السلف الصالح ومنهجهم، ويدل على ذلك تفسيره العظيم، ومن ذلك تفسيره عند قوله -تعالى-:
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف:54]
((وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله -تعالى-؛ فإن الله لا يشبهه شيء في خلقه: قال -تعالى-:
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] )).
ولقد كان هذا نتيجة لصحبة شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، فكانت له به خصوصية، وانتفع به، واتبع الكثير الطيب من آرائه، ومن اللطائف التي تذكر: ما ذكر الحافظ ابن حجر في ((الدرر الكامنة)) (1/60): ((أنه وقع بين ابن كثير وبرهان الدين ابن الإمام ابن القيم منازعة في التدريس؛ فقال له ابن كثير: أنت تكرهني؛ لأنني أشعري، فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر؛ ما صدقك الناس في قولك: إنك أشعري؛ وشيخك ابن تيمية )).
وبالجملة؛ فقد كان الحافظ ابن كثير على عقيدة السلف أهل الحديث والأثر معظماً للدليل.
7- أهم شيوخه:
تتلمذ ابن كثير على الشيوخ الكبار المشهورين، وأهمهم:
1- شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، المتوفى سنة (728هـ).
2- الإمام الحافظ محدث الشام أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي، المتوفى سنة (742هـ)، وقد لازمه، وتزوج ابنته زينب.
3- الإمام العلامة الحافظ المحدث مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة (748هـ).
4- أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي النجار المعروف بابن الشحنة، المتوفى سنة (730هـ).
8- تلاميذه:
1- أبو العباس أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد السعدي، المتوفى سنة (816هـ).
2- شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري الدمشقي، المعروف بالسلاوي، المتوفى سنة (765هـ).
3- أبو المحاسن الحسيني محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن حمد الدمشقي، المتوفى سنة (765هـ).
9- مؤلفاته:
لقد أثرى المكتبة الإسلامية بمصنفات عديدة مفيدة منها:
1- ((تفسير القرآن العظيم)).
2- ((البداية والنهاية)).
3- ((جامع المسانيد)).
4- ((اختصار علوم الحديث)).
5- ((فضائل القرآن)).
6- ((تحفة الطالب بمختصر ابن الحاجب)).
7- ((أحاديث التوحيد والرد على أهل الشرك)).
8- ((طبقات الشافعية)).
9- ((الفصول في سيرة الرسول ×)).
10- ((سيرة عمر بن عبد العزيز)).
11- ((مسند الفاروق )).
10- وفاته:
توفي -رحمه الله- في يوم الخميس السادس والعشرين من شهر شعبان سنة (774هـ) في دمشق، وكانت جنازته مشهودة، ودفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام بمقبرة الصوفية خارج باب النصر.
المصدر شبكة المنهاج الاسلامية