إن من حكم الله البالغة أن أخفى عن عباده موقد قيام الساعة فلم يطلع عليه أحداً من الخلق لا من الملائكة المقربين ولا من النبيين والمرسلين قال تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (187) سورة الأعراف وقال تعالى {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63) سورة الأحزاب
وسأل جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) فهذان خير الملائكة وخير البشر لا يعلمان مت ى تقوم فما الظن بغيرهما من الخلق.
وبهذا يعلم بطلان ما يدعيه المدعون ممن يسمون بعلماء الفلك وعلم الأرض بأن الذي بقي من عمر الدنيا كذا وكذا من السنين فكل هذا قول بلا علم وتخرص بلا دليل.
ومن رحمة الله تعالى أن جعل للساعة علامات تدل على اقترابها ودنو ميعادها حتى يستعد الناس للقاء الله بالإيمان الصحيح والعمل الصالح فذلك هو زاد الآخرة لا زاد غيره. قال تعالى (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) ولم يقل أخفيتها فإنه أخفى وقت مجيئها وأظهر اقتراب موعدها بما جعل لها من العلامات. وقال تعالى {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} (18) سورة محمد
فأول علامات الساعة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا و والساعة كهاتين وقرن بين السبابة والوسطى) رواه البخاري. فقرب بعثته من الساعة كقرب السبابة من الوسطى فكما أنه لا إصبع بينهما فكذلك ليس بينه وبين الساعة نبي يبعث هو خاتم الرسل والنبيين صلى الله عليه وسلم.
ومن علامات الساعة انشقاق القمر في زمانه صلى الله عليه وسلم قال تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) وكان سبب انشقاقه أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آية تدل على صدق نبوته فشق الله لهم القمر فقالوا سحرنا محمد، في صحيح مسلم عن أنس بن مالك: « أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر » . وعن ابن مسعود قال « بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين ، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا ».
ولا يكذب بانشاق القمر إلا الملاحدة ومن تشبه بهم من أهل البدع والأهواء. وبعض الناس لا يزال مرتاباً في انشقاقه حتى يقال له إن عالم الفضاء فلان أقر بانشقاق القمر أو أنه رأى مثل هيئة الأخدود على سطح القمر فإذا سمع مثل هذه الأخبار صدق وإلا بقي متردداً والعياذ بالله فيكف يقبل المسلم خبر كافر جاهل بالله ولا يصدق بخبر القرآن الكريم و لا بخبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يتحايل عليهما بالتأويلات الفاسدة وكيف لا يصدق المسلم بأخبار أصحابه وهم الثقات العدول وقد جاءت عنهم بأصح الأسانيد وأوثقها.
ومن علامات الساعة ظهور عبادة الأوثان في كثير من الأمة وارتدادهم على أعقابهم قال البخاري في صحيحه (باب تغيير الزمان حتى يعبدوا الأوثان) ثم أخرج حديث أبي هريرة رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذى الخلصة » . قال وذو الخلصة طاغية دوس التى كانوا يعبدون فى الجاهلية. وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى يعبدوا الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي » رواه أبو داود والترمذي وصححه.
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فزين الشيطان لكثير من الناس عبادة القبور والأضرحة والأولياء والصالحين وغيرهم باسم التوسل وباسم محبة الصالحين وباسم تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره فتجد من الناس من يستغيث بعلي والحسين وعبد القادر وزينب ونفيسة والعيدروس ويذبحون لهم الذبائح وينذرون لهم النذور ويدعونهم سراً وجهراً ويستعينون بهم وهذا مومجود إلى ساعتنا هذه.
إن دعاة الشرك والخرافة قد نشطوا في هذا الزمان نشاطاً عظيماً وتمنكوا من التسلل إلى بيوت كثير من أهل السنة عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى وهم يبدؤون شيئاً فشيئاً حتى إذا تمكنوا كشروا عن أنيابهم وكشفوا الأقنعة التي كانوا يتسترون بها.
يوجد اليوم في بلادنا من يطالب بإحياء الآثار والبناء على القبور والاحتفال بالموالد ويعتبر التحذير من القبورية والخرافة تكفيراً للمسلمين بغير حق ونحو ذلك من الدعاوى الباطلة التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لمحاربتها والقضاء عليها.
ولا يقاوم الباطل بمثل بيان الحق بالقلم واللسان وردعه وإسكاته بقوة السلطان نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين لبيان الحق وأن يوفق حكامهم لنصرته بما أوتوا من أسباب القوة.
ومن علامات الساعة ظهور مدعي النبوة فقد ثبت في الصحيح أنه لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى يبعث دجالون أي يظهر ويخرج على الناس لا أنهم يبعثون من عند الله تعالى وهذا ظاهر إن شاء الله.
وقد ظهر جمع ممن يدعي النبوية ولعله سيخرج مستقبلاً من يزعم أنه نبي فتكون من الآيات التي ظهر بعض أفرادها وبقي بعضها. وممن خرج قديماً مسيلمة الكذاب والأسود العنسي فهذان خرجا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقضى الله على فتنتهم بأيدي جنود الحق وأنصاره والحمد لله.
والواجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين كما قال تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وقال صلى الله عليه وسلم (وختم بي النبيون) وقال صلى الله عليه وسلم (لا نبي بعدي) وهذا لا ينافي نزول عيسى بن مريم فإنه ينزل آخر الزمان حاكما بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي بشريعة جديدة.
ومن علامات الساعة ظهور التبرج والسفور في النساء مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم عن أحد الصنفين اللذين لم يرهما في حياته ( ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) خرجه مسلم.
إن من صور الكاسيات العاريات من تلبس ما يكشف عن أجزاء من بدنها أو الشفاف الذي يشف عما تحته أو الضيق الذي يبين تقاطيع الجسد.
وقد عظمت الفتنة في هذا الزمان بهذا الصنف من النساء حتى صار الذهاب إلى الأسواق والمستشفيات والمطارات والمتنزهات من الأمور العسيرة على من يهمه أمر دينه والله المستعان.
إن من أسباب هذا التفلت من الحجاب الشرعي التشبه بعادات المجتمعات المتحللة التي لا تحكمها قيودُ شريعةٍ صحيحة ولا عقولٌ رجيحة ولافطرٌ سليمة . ومنها السفر إلى تلك البلاد والاختلاط بأهلها. ومنها مشاهدة الأفلام وما جرى مجراها. ومنها تقصير أولياء الأمور فيما أوجب الله عليهم من تربية النساء على تعاليم الشريعة والأخذ على يد من تفرط في حجابها وحشمتها, وإن مما يدعو للأسف أن يغفل الأب عن بناته أو الزوج عن زوجته حتى تصل إلى مدى بعيد في التبرج والسفور ولكن الأسف يعظم أكثر حين ترى الرجل العاقل ومعه نساؤه على هيئة غير مرضية بمرأى منه ومسمع فما الذي غير هذا الصنف من الرجال ولعلهم كانوا قبل سنين معدودة من أشد الناس مقتاً لهذه المظاهر. نعوذ بالله من الفتن التي تعصف بالقلوب والإيمان.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.