إن الحمد، لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، خلق الله الحياة، خلق الكون كله لغاية، وحكمة بالغة لا عبث في ذلك: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى)، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)، وذكر من دعاء المؤمنين قولهم: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار)، جعل هذا المخلوق أشرف الكائنات وأفضلها، خلقه في أحسن صورة، وجمله بأحسن هيئة، ومنحه العقل، الذي يدرك به بتوفيق الله له الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والحسن من القبيح، والنافع من الضار: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا).
أيها المسلم، من مظاهر هذا التفضيل أن الله خلق أبانا آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، واستخلفه في الأرض: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، وسخر الكون كله لأجله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ).
أيها المسلم، وجعل من هذا البشر الأنبياء والرسل، الذين بعثوا لهداية الخلق وإسعادهم في دنياهم وآخرتهم، ولقد اعتنى الإسلام بالإنسان أيما اعتماد، تلكم العناية العظيمة؛ فشرائع الله جاءت لتزكية العبد، وإسعاده في دنياه وآخرته؛ فما العبادات إلا تهذيب للنفس، وتزكية لها، وتربية لها على الأخلاق والمثل العليا؛ فهذه الصلوات الخمس تنهى عن الفحشاء والمنكر: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر)، وهي الصلة بين العبد وبين ربه، وهي تكفر الخطايا والسيئات بتوفيق من الله، يقول -صلى الله عليه وسلم-:"أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات أيبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يا رسول الله، قال: "فكذلك الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا والسيئات".
أيها المسلم، وما صيام رمضان إلا وصية للتقوى، وحث على الصبر، وشعور بالمسؤولية، وما الزكاة إلا تذكية لنفس المزكي، وتنمية لماله، ومواساة لإخوانه المحتاجين، ومن الحج إلا مؤتمر عظيم إسلامي، يشهد الحج فيه منافعهم، وتزداد الأخوة والألفة بين الأمة الإسلامية.
أيها المسلم، لقد خاطب القرآن الإنسان، آمر له بالتفكر في خلق الله: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)، وخاطبه ليبين له مآله ومصيره، وأن إلى الله مرده: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ).
أيها المسلم، ومن عناية الإسلام بالإنسان أن منحه حقوقاً تفضلاً من الله عليه.
أيها المسلم، فأعظم نعمة من الله عليه أن الإسلام حرر الإنسان من رق الشرك وذله وهوانه؛ فإن الشرك كما قال الله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، والشرك رقٌ، إذ المشرك العابد لغير الله قد تذلل لغير الله، وخضع لغير الله، والإسلام جاء ليدعو البشرية إلى عبادة الله، وإخلاص الدين لله، وأن تتعلق القلوب بالله محبة وخوفاً ورجاء، إن الشرك يذل الإنسان ويسترقه، وإن دعاة الوثنية، الذين يدعون الناس لعبادة غير الله قد تحكموا في أمورهم، وحجبوهم عن ربهم وعادوا بينهم وبين ربهم، إن الله جل وعلا أمرنا أن يكون ذلنا لله، وخضوعنا لله، أن يكون ذلنا وخضوعنا لله، وأنه لا واسطة بيننا وبين ربنا في الدعاء والرجاء: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، إن دعاة الوثنية حجبوا الناس عن ربهم، ودعوهم إلى التعلق بروائح الأموات، والغائبين، ومن لا يسمعون سؤاله، ولا يردون جوابه، وأرباب الطرق الضالة حجبوا العباد عن ربهم، وادعوا أنه لا طريق لهم إلى الله، إلا من طريق أولئك الضالين دعاة السوء، ومن عناية الإسلام للإنسان أنه لا يحمله ذنب غيره، وأخطاء غيره ما لم يكن سبباً فيها؛ فالله يقول: (لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، ومن عناية الإسلام بالإنسان أيضا أن الناس أمام شرع الله في حقوق العامة هم سواسية، أخوان في الإنسانية عموماً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، ويتفاوت الناس بالإيمان؛ فخير الناس المؤمنون، وأظلهم الكافرون، ويتفاوت أهل الإيمان بالتقوى قوة وضعفا: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، ومن عناية الإسلام بالإنسان أنه حرم التعدي عليه؛ فأقر حقه في الحياة، وأن هذه الحياة حق له، لا يسلبها إلا الذي منحه إياها، وهو القادر على كل شيء؛ فحرم الاعتداء على دم الإنسان، وقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وقال: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)، وقال: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ)، وفي الحديث: " إن دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام"، وفيه: "لا يزال العبد في رفعة من دينه ما لم يصب دماً حراما"، وفيه "كل ذنب عسى أن يغفره الله، إلا رجل مات مشركاً أو قتل مؤمنا بغير حق"، وفيه أيضا: "لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل مسلم بغير حق؛ لأكبهم الله بالنار على وجوههم".
أيها المسلم، ومن عناية الإسلام بالإنسان أنه كرم هذه المرأة، واعتنى بها، وخلصها من طرفي الغلو والتفريط، من الظالمين لها، سواء من سلبوها حقوقها، أو من حاولوا سلبها دينها ومروءتها وأخلاقها؛ فجاءت شريعة الإسلام بالتعامل مع المرأة بالمعاملة العاجلة، حفظت لها حقوقها، وحمت عرضها، وصانت كرامتها؛ فاحترمتها، أمُاً وزوجةً وبنتاً وأختاً، ورحمت جسدها من نظر أجنبي إليها، وأوجبت لها المحرم في سببها، وحرمت عليه الخلوة بأجنبي عنها، والاختلاط بمن ليس من جنسها، حماية لعرضها، وصيانة لكرامتها، لتضع اللبنة الأولى في تربية المجتمع وإسعاده، أقرت حقها في الميراث، وأقرت حقها في التعليم، وأقرت حقها في الاستئذان للزواج؛ فمنحتها الحرية أن تقبل خاطباً أو ترده، كل ذلك من عناية الإسلام بها، لا أولئك الذين ينادون بفساد أخلاقها، وتدمير كيانها، وسلبها كل كرامتها، وجعلها متعة في أيدي الرجال، يلعبون ما يشاءون، لا يراعون كرامة ولا دينا ولا مروءة، ومن عناية الإسلام بالإنسان أن حفظ حقوق الأسرة؛ فأعطى للأبوين حقهما، وللزوجة حقها، وللزوج حقه، وللأولاد حقوقهم، واعتنى بالجيران، واعتنى بالأصحاب والأقارب، وأوصانا بالرحم، تأكد صلة الرحم، وربط المجتمع برابطة الإيمان:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يكذبه، ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه".
أيها المسلم، هذه حقوق الإنسان بالإسلام، هذه الحقوق الحقة، لا أولئك الذين غلوا في حقوق الإنسان؛ فجاروا على الإنسان باسم حقوق الإنسان؛ لأن الإسلام حفظ الإنسان، روحياً وعقلياً وجسدياً ونفسياً وغريزة، لا أولئك الذين ينادون بحقوقه وهم ظالمون كاذبون.
أيها المسلم، إن حقوق الإنسان في الإسلام نابعة من العقيدة الصحيحة، التي جاءت بالحق والعدل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْـزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
أيها المسلم، حقوق ليس في منة البشر، بل هي من فضل الله، حقوق عامة في الإسلام يحق للإنسان سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، حقوق ثابتة لا تتغير؛ لأنها نابعة من هذه الشريعة الإسلامية.
فيا أيها المسلم، لا تصغي لأولئك الذي يدعون لحقوق الإنسان، وقد ظلموا الإنسان وأساءوا إليه، ورحموا المجرمين، وتغاضوا عن الإجرام باسم حقوق الإنسان؛ فأقروا الظلم والعدوان باسم حقوق الإنسان، إن حقوق الإنسان حقا احتوت عليها شريعة الإسلام، الشريعة العادلة التي هي ختام الشرائع كلها: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.