إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
عباد الله أيها المسلمون سورة البقرة يا عباد الله أطول سورة في كتاب الله عز وجل اشتملت علي الأحكام والحكم العظيمة من أمور الدين والدنيا هذه السورة العظيمة لها فضائل ، ومن ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر ( أن من قرأ سورة البقرة في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام ) ثلاثة أيام لا يقربه الشيطان , وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول ( اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه , اقرؤا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما , اقرؤا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ) هذا قول النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم :اقرؤا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران - الزهراوين- لأنهما منيرتان في الدنيا وفي الآخرة , يأتيان يوم القيامة سورة البقرة وسورة آل عمران تأتي يوم القيامة هاتان السورتان العظيمتان لصاحبها لمن كان يحفظها, ولذلك يقول الصحابى- عبدالله بن عمر- كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران أشير إليه بالبنان . لأنه يكون من أهل العلم , من حفظ البقرة حفظا جيدا مع معرفة المعاني والفقه والأحكام ,هذا شئ عظيم , من كان كذلك فإن البقرة وآل عمران تأتي يوم القيامة غمامتان أو غيايتان- الغمامة - معروفة : السحابة وكذلك تطلق الغمامة علي كل ما يظلك ومثلها الغياية أيضا , ما أظلك من سحاب أو من غيرة , ما أظلك فهو غياية ، أو تأتيان فرقان من طير صواف -الطير الصواف- المحلقة في الجو , تأتي البقرة وتأتي آل عمران كأنها فرقان أي كأنها فرقتان من طيور صفت في الجو , فهي كالغياية أو كالغمامة تظلك, تظلك يا من تحفظ سورة البقرة وسورة آل عمران, تحاجان عن أصحابهما , تشفع لك , تحاج لك عند الله سبحانه وتعالي , ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم سورة البقرة بمزيد فضل, فقال: اقرؤا سورة البقرة - يعني احفظوها وداوموا علي تلاوتها ومراجعتها- فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة , أخذها بركة علي صاحبها وتركها كذلك حسرة لأنه قد ترك خيرا كثيرا , (ولا تستطيعها البطلة) فسر الراوي للحديث البطلة بالسحرة , الساحر قال العلماء لا يستطيع أبداً أن يحفظ سورة البقرة لأن السحر يمنعه , ما يستطيع إلا إذا تاب وتخلي عن السحر والشعوذة , أما إذا كان ساحراً فإنه لايقوي أبدا ولا يستطيع أن يحفظها , وقالوا أيضا: من كان حافظا لسورة البقرة مواظبا علي تلاوتها لا يستطيع الساحر أن ينفذ إليه وكذلك السحر أيضاً لا يصل إليه بإذن الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستطيعها البطلة ) البطلة ما تقوي أبداً مع هذه السورة العظيمة. عباد الله أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أما بعد عباد الله :-
سميت سورة البقرة بهذا الأسم لقصة البقرة المذكورة في كتاب الله عز وجل وهذه قصة كانت بين موسي عليه السلام وبين قومه من بني إسرائيل وذلك أن رجل كما يذكر أهل التفسير من السلف الصالح كان غنيا من بني إسرائيل كان ثريا وعنده مال وليس له وارث إلا ابن أخيه وهذا الابن أراد أن يستعجل أخذ المال والتركة فقتل هذا الثري- قتل عمه- , والأقوال مختلفة والقصص ولكنها تتفق علي هذا أن قريبا قتل قريبا له من أجل المال ثم ادعي علي قوم آخرين أنهم قتلوه فاختصموا وكاد أن يقع بينهم شر عظيم ثم ذهبوا إلي موسي عليه الصلاة والسلام يتحاكمون إليه - يعني فيمن قتل هذا الرجل - فربنا سبحانه وتعالي أوحي إلي موسي أن يذبحوا بقرة , قال لهم موسي إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة , الآن القضية المعروضة علي نبي الله موسي قضية هذا القتيل من الذي قتله وموسي يوحي إليه فهو يعلم الغيب بتعليم الله إياه ، فلما قال لهم اذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا - يعني نحن الآن جئناك بقضية عظيمة وخطيرة وهذه القضية كادت أن تفضي بنا إلي فتنة وإلي قتال وشر عظيم وتقول اذبحوا بقرة أتتخذنا هزواً- قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين -يعني أنا أستهزأ بهذه القضية وأستخف بها هذا لا يفعله إلا رجل جاهل وأعوذ بالله أن أكون كذلك - قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ثم اليهود بدأوا يتعنتوا علي طبيعتهم وعادتهم ، لو أخذوا بقرة وذبحوها لانتهت القضية ولكن أخذوا يتعنتون, قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي , مع أنه في البداية قال بقرة هم الذين شددوا , قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك - يعني متوسطة في عمرها - فافعلوا ما تؤمرون, لو أخذوا بقرة كذلك لانتهت القضية , قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها - لون فاقع يعني صافي نقي - تسر الناظرين , من نظر إليه أعجبته , والصفات كلما كثرت كلما قل الموصوف , قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهى إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون , قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ؛ انظروا إلي التضييق الشديد , أوصاف عظيمة ، إنها بقرة لا ذلول - يعني ليست عامل ما تعمل لم يذللها العمل , قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض - لأن الذلول هي التي تعمل في الحرث تثير الأرض وتسقي الحرث - مسلمة يعني ليست فيها عيوب - لا شية فيه - ليس فيها لون آخر إلا لونها , قالوا الآن جئت بالحق , الله أكبر وهذا يدلك علي جهل اليهود وعلي سخافتهم وضعف علمهم وقلة دينهم لأنه قد جاء بالحق في أول مرة , قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها يقول الله عز وجل فذبحوها وما كادوا يفعلون , طيب لماذا ما كادوا يفعلون ,لكثرة سؤالهم وتعنتهم ,ادع ربك يبين لنا...يبين لنا...يبين لنا هذا الإلحاح وهذا السؤال من جملة الأسباب التي جعلت هؤلاء اليهود هم المغضوب عليهم إلي يوم الدين , فذبحوها وما كادوا يفعلون , لماذا هذه البقرة ؟ يقول أهل التفسير بالنسبة لهؤلاء اليهود إنهم بحثوا عن هذه البقرة الموصوفة بهذه الأوصاف لم يجدوها إلا عند رجل واحد ويقال عند عجوز ما هي هذه البقرة إلا هذه البقرة الموجودة ما علي وجه الأرض إلا هذه واشتروا هذه البقرة بوزنها ذهبا ,يقول الصحابة من أهل التفسير إن اليهود لما شددوا شدد الله عليهم ولو ذبحوا بقرة مباشرة لانتهت القضية , لماذا هذه البقرة ؟ لأن الله سبحانه وتعالي أمر موسي وأمر اليهود أن يضربوا ببعض أعضائها هذا الميت , يقول الله تبارك وتعالي بعد ذلك ( وإذ قتلتم نفسا فادارئتم فيها- تدافعتم وتخاصمتم فيها - والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها - يعني اضربوا هذا القتيل ببعض أعضاء البقرة - كذلك يحي الله الموتي ويريكم آياته لعلكم تعقلون, قال العلماء إنهم أخذوا عضوا من هذه البقرة وضربوا به هذا الميت القتيل فأحياه الله وقام يتكلم وانتفخت أوداجه بالدم وقال له موسي من قتلك قال قتلني هذا وأشار إلي ابن أخيه ثم عاد ميتاً فأخذوا هذا الابن وقتلوه . هل استفاد اليهود ؟ يقول الله سبحانه وتعالي بعد ما أراهم هذه الآية العظيمة ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك - مع أنكم رأيتم الآية بأنفسكم - فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) اللهم رقق قلوبنا يارب العالمين وأصلح أحوالنا واغفر ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين , اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم اغفر لجميع موتي المسلمين يا أرحم الراحمين ويارب العالمين والحمد لله رب العالمين.