الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه، أما بعد:
فهذا ملخص موجز في عقيدة أهل السنة والجماعة ألقيته في خطبة جمعة ثم رأيت نشره في هذه الصفحات سائلاً المولى الكريم أن ينفع به ملفتاً نظر القارئ إلى أني استفدت من العقيدة التي كتبها الشيخ محمد بن عثيمين والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى:
أولاً: الإيمان بالله تعالى وهو الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
أما الإيمان بربوبيته فيعتقدون أن الله عز وجل هو الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور لا شريك له في خلق ولا إحياء ولا إماتة ولا جلب خير ولا دفع ضر. بل ذلك كله إلى الله تعالى كما قال سبحانه (الحمد لله رب العالمين) وكل ما سوى الله عالم والله ربه ومالكه ومدبر أمره.
والإيمان بألوهيته: يعتقدون أن العبادة حق خالص لله تعالى لا يجوز وأن يصرف شيء منها لغيره، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلاً عمن دونهما، وهذا معنى كلمة لا إله الله، فمن عبد غير الله فقد أشرك بالله في ألوهيته، كمن يستغيث بالأولياء، ويدعو الموتى، ويتقرب إلى الأضرحة، ويذبح للجن، ومن مات على هذا مات على الشرك الأكبر الموجب لصاحبه الخلود في النار والعياذ بالله قال الله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) وقال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)
والإيمان بأسماء الله وصفاته: أنهم يعتقدون وجوب الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه وبكل ما سمى به نفسه ووصف به نفسه أو سماه أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم لا ينفون شيئاً منه ولا يحرفونه ولا يمثلون الله بشي من خلقه ولا يخوضون في الكيفية. كما قال سبحانه وتعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فيؤمنون بأن الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه وأنه سميع بصير فعال لما يريد، يتكلم بما شاء متى شاء على الوجه اللائق بجماله وكماله، يؤمنون بأن له عينين وأن له يدين كريمتين، وأن له وجها موصوفاً بالجلال والإكرام، ويؤمنون بأنه على العرش استوى، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، ينادي عباده أن يسألوه ويستغفروه ويدعوه، ويؤمنون بأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة كما يرون القمر ليلة البدر، وكما يرون الشمس لا يضامون في رؤيتها، قال تعالى (وهو القاهر فوق عباده) وقال تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقال تعالى (ذو العرش المجيد فعال لما يريد) وقال تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) وقال تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) وقال تعالى (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) وقال تعالى (ولتصنع على عيني ) وقال تعالى (تجري بأعيننا) وقال صلى الله عليه وسلم (إن ربكم ليس بأعور) وقال صلى الله عليه وسلم (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) متفق عليه. وقال تعالى (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقال تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وهكذا كل ما جاء في هذا الباب يؤمنون به على حقيقته لا يحرفونه ولا يمثلون الله بشيء من خلقه ويسكتون عما سكت الله ورسوله عنه.
ثانياً: الإيمان بالملائكة: فيؤمنون بأنهم كما قال الله عنهم (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) ونؤمن بما جاء في الآيات والأحاديث من أسمائهم وأوصافهم وأعمالهم فمنهم الموكل بالوحي ومنهم الموكل بالقطر ومنهم الموكل بالنفخ في الصور ومنهم الموكل بكتابة أعمال العباد ومنهم الحفظة ومنهم الموكلون بالأرحام ومنهم ملائكة رحمة ومنهم ملائكة عذاب إلى غير ذلك.
ثالثاً: الإيمان بالكتب فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن الله أنزل على رسله كتباً حجة على العالمين، ومحجة للعاملين، قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)
ومن هذه الكتب التوراة والإنجيل، والزبور وصحف إبراهيم وموسى والقرآن العظيم وهم خاتمها وناسخها محفوظ بحفظ الله له من عبث العابثين وزيغ المحرفين (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
رابعاً: الإيمان بالرسل: يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله بعث إلى خلقه رسلاً (مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) وهم بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية شيء أمر الله سيدهم وخيرهم أن يقول (لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله) وأن يقول (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً) فهم عباد لله أكرمهم الله بالوحي واجتباهم بالنوبة والرسالة، وأولوا العزم منهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وخيرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ليس بعده نبي، ولا يعبد الله بعدما بعثه إلا بالشريعة التي أوحاها إليه وهي دين الإسلام فمن زعم أن ديناً من الأديان الموجودة اليوم دين معتبر عند الله كاليهودية أو النصرانية أو غيرها فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً لأنه مكذب لله حيث يقول (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
خامساً: الإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده حين يبعث الله الناس أحياء للبقاء إما في دار النعيم وإما في دار العذاب الأليم.
ومما يكون فيه أن الله يأمر إسرافيل أن فينفخ في الصور النفخة الثانية فيبعث الله من في القبور (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)
فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلاً بلا ختان (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين)
ويعطى الناس صحائف أعمالهم إما باليمين وإما بالشمال من وراء الظهر (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً ويصلى سعيراً )
وتوضع الموازين يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون)
ويأذن الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع الشفاعة العظمى وهي خاصة به من بين أهل الموقف، فيسال ربه أن يقضي بين عباده وأن يريحهم من هول الموقف وكرباته، ويأذن الله لمن يشاء من صالحي عباده أن يشفعوا فيمن دخل النار من المؤمنين أن يخرجوا منها، ويخرج منها أقواماً من المؤمنين بغير شفاعة بل بفضل الله ورحمته.
ولنبينا صلى الله عليه وسلم حوض في عرصات القيامة ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك طوله شهر وعرضه شهر وآنيته كنجوم السماء حسناً وكثرة يرده المؤمنون من أمته الذين لم يحدثوا بعده في الدين، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً
وينصب الصراط على جهنم فيمر الناس على قدر أعمالهم يمر أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر أشد الرجال والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول: (اللهم سلم، سلم) حتى تعجز أعمال العباد فيأتي من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكردس في النار.
ومنتهى الناس إما إلى الجنة وإما إلى النار أما الجنة فهي دار النعيم أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وأما النار فهي دار العذاب أعدها الله للكافرين الظالمين فيها من العذاب والنكال ما لا يخطر على البال (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً) وهما موجودتان الآن وباقيتان أبداً.
ونؤمن بفتنة القبر وهي سؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه فأما المؤمن فيثبته الله فيقول ربي الله وديني الإسلام ويشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله، وأما غير المؤمن فيقول (هاه، هاه لا أدري) قال تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء).
ونؤمن بعذاب القبر ونعيمه فالقبر لصاحبة إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار.
سادساً: الإيمان بالقدر: يؤمن أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته.
وللقدر أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم.
المرتبة الثانية: الكتابة فنؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
المرتبة الثالثة: المشيئة فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السموات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
المرتبة الرابعة: الخلق فنؤمن بأن الله تعالى (خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، له مقاليد السموات والأرض).
هذا: ولا حجة في القدر للعاصي على معصيته، فإن الله تعالى قد أعطى العبد عقلاً يفهم به ما أمر به وما نهي عنه، وأعطاه إرادة واختياراً ولذا هو في حياته يقدم على ما ينفعه ويجتنب ما يضره، وغيب عنه القدر فالعاصي يقدم على المعصية وقد علم أنها معصية وأنه منهي عنها، يفعلها بإرادته واختياره، وهو لا يعلم أن الله قد كتب عليه هذه المعصية فكيف يحتج بما لا علم له به.
ثم هذا العاصي لو اعتدى عليه معتد فلطمه ثم اعتذر المعتدي بالقدر لما قبل منه، فكيف يفعل المعصية ويعتذر بالقدر، إن المقادير إنما يعتذر بها ويلجأ إليها في المصائب لا في المعائب، فاعملوا رحمكم الله بعمل أهل الجنة واثبتوا عليه، وجانبوا عمل أهل النار حتى تلقوا ربكم على الإيمان والعمل الصالح فتكونوا من أهل الجنة بفضل الله ورحمته.
سابعاً: عقيدة أهل السنة في الصحابة: أهل السنة والجماعة يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم، خلفاءه وأزواجه، وسائر أصحابه، يشهدون بعدالتهم ويتولونهم، ويترضون عليهم، ويعتقدون أن أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
وما جرى بين الصحابة من الفتن فقد صدر عن تأويل منهم اجتهدوا فيه فهم بين مصيب له أجران ومخطئ له أجر واحد، وخطؤه مغفور.
ويرى أهل السنة والجماعة أنه يجب الكف عن مساوئهم فلا يذكرون إلا بما يستحقون من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم كما قال الله تعالى (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
ثامناً: عقيدة السلف في الإيمان وقولهم في مرتكب الكبيرة:
يعتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وأن مرتكب الكبيرة كشرب الخمر والزنا، والسرقة وأكل الربا إذا فعل الكبيرة دون استحلال فإنه لا يكفر بكبيرته، ولكن ينقص إيمانه فهو مؤمن ناقص الإيمان.
تاسعاً:
يؤمن أهل السنة والجماعة بكرامات الأولياء وهي ما يجريه الله على أيدي الصالحين من عباده من الأمور الخارقة للعادة الأمور غير المألوفة. والولي هو المؤمن التقي كما قال تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ومن الكرامات الثابتة حمل مريم بعيسى عليه السلام دون زوج، ونوم أهل الكهف مدة ثلاثمائة عام وغيرها مما ثبت في الكتاب والسنة.
ومن الناس من ينكرها كالمعتزلة وأمثالهم، ومنهم من يغلو في إثباتها كالصوفية والقبورية الذين يدجلون على الناس كالدخول في النار وضرب أنفسهم بالسلاح وإمساك الثعابين، وغير ذلك مما يدعون أنه ببركة طريقتهم، ودليل على ولاية شيخهم الذي يعظمونه ويعتقدون فيه.
عاشراً:
يعتقد أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لأولي الأمر في المعروف، ويرون ذلك قربة وديناً وإن جاروا وظلموا واستأثروا بالحظوظ الدنيوية، لا يسبون أولي الأمر، ولا يطعنون فيهم، ولا يغشونهم، ولا يؤلبون عليهم، ولا يخرجون عليهم بقلب ولا لسان ولا سيف بل ينصحون لهم ويتعاونون معهم على البر والتقوى.
ومع هذه الأصول العظيمة فإن أهل السنة يدعون إلى التحلي بمكارم الأخلاق كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصح، والصدق والشجاعة والكرم والسخاء والنصرة لمن يستحقها، وطلاقة الوجه وبر الوالدين، وصلة الرحم وحسن الجوار والعدل مع الموافق والمخالف، ويحذرون من مساوئ الأخلاق كالكذب والجبن والشح والبخل وقطيعة الرحم والفحش والبذاء والفواحش والمنكرات كأكل الربا والزنا وشرب الخمور والتبرج والاختلاط والمكاسب المحرمة وغيرها من المنكرات.
فإن التحلي بمكارم الأخلاق من مكملات العقيدة الصحيحة، ومساوئ الأخلاق مما تحط من درجة العبد عند ربه.
جعلني الله وإياكم من المستمسكين بعقيدة السلف الصالح إلى يوم نلقاه، و أن يجعلنا من الدعاة إليها على علم وبصيرة إنه جواد كريم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.