قال تعالى:
(لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَڪُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضً۬اۚ )[النور: 63].
وفي الآية ثلاثة أقوال:
الأول:
نهى الله المؤمنين أن يتعرضوا لدعاء الرسول عليهم وقال لهم : اتقوا دعاءه عليكم بأن تفعلوا ما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا، فلا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس. قال ابن عباس في تفسيرها: «احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم لا كدعاء غيره».
وقد دعا النبي على نفر من أمته، فقد لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، ولعن السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده، ولعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها، ولعن الراشي والمرتشي، ولعن الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن من عقَّ والديه.
وكل هذا دعاء منه على هؤلاء بالطرد من رحمة الله، ومن منا يطيق أن يدخل تحت مظلة هذه اللعنة؟! أو يتعرَّض لدعاء نبيه عليه؟! وهو دعاء ليس كأي دعاء، دعاء مجاب لا محالة، فالله لا يتأخَّر عن إجابة حبيبه، فكيف إذا كان أحب الخلق إليه؟! وهو دعاء يُلقي بالرعب في قلوب الطائعين فكيف بالمخالفين؟!
الثاني:
نهى الله المؤمنين أن ينادوا النبي كما ينادي بعضهم بعضا، فلا يقولوا: يا محمد .. يا عبد الله، بل يشرِّفوه ويعظِّموه ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة كما خاطبه ربه فيقولوا: يا نبي الله .. يا رسول الله.
ليس هذا فحسب بل وفوق ذلك، فقد أمر بغض الصوت عنده، كما نهى عن رفع الأصوات بحضرته، فأنزل الله تعالى :
(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٲتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَ?ُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ )[الحجرات:3]، وليس ذلك في حياته فحسب بل بعد موته كذلك.
سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صوت رجلين في مسجد النبي قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال : أتدريان أين أنتما؟ ثم قال : من أين أنتما؟ قالا : من أهل الطائف فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. وذلك لأنه محترم في حياته وفي قبره دائما.
الثالث:
لا تجعلوا دعوة الرسول لكم للحضور بين يديه على سبيل التخيير في الاستجابة لها من عدمها كما يفعل بعضكم مع بعض، وفيه كذلك نهي لهم عن الإبطاء عنه ﷺ إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم.
قال البيضاوي: «لا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا في جواز الإعراض والتساهل في الإجابة والرجوع بغير إذنه، فإن المبادرة إلى إجابته عليه الصلاة والسلام واجبة، والرجوع بغير إذنه محرم».
وعجيب أمر من أحب أمرأة أو شخصا؛ لا يتأخر عنه في أي طلب وكأنها أوامر، ولو علم أن هناك ما يسعده لبذل قصارى جهده لبلوغه، وأعدَّ له من «المفاجآت» ما يبهره، فكيف بمن كان سبب نجاتك؟! ودليلك إلى الجنة .. منقذك من النار؟! وسر سعادتك في الدارين؟!
ا