عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري [ت: 70] عن رسول الله (ص) أنه كان يقول في دعائه:
«اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب» 1.
قال في تحفة الأحوذي:
«قوله: «اللهم ارزقني حبك» أي لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بإن يكون الله أحب إليه مما سواه، «اللهم ما رزقتني مما أحب» أي الذي أعطيتني من الأشياء التي أحبها من صحة البدن وقوته وأمتعة الدنيا من المال والجاه والأولاد والفراغ، «فاجعله قوة لي» أي عدة لي، «فيما تحب» أي بأن أصرفه فيما تحبه وترضاه من الطاعة والعبادة.
«اللهم وما زويت»: من الزوي بمعنى القبض والجمع، أي وما قبضته ونحيته عني أي بأن منعتني ولم تعطني مما أحب أي مما أشتهيه من المال والجاه والأولاد وأمثال ذلك، «فاجعله فراغًا لي» أي سبب فراغ خاطري فيما تحب أي من الذكر والفكر والطاعة والعبادة.
قال القاضي:
«يعني ما صرفت عني من محابي فنحِّه عن قلبي، واجعله سببًا لفراغي لطاعتك، ولا تشغل به قلبي فيشغل عن عبادتك، وقال الطيبي: أي اجعل ما نحَّيته عني من محابي عونًا لي على شغلي بمحابك، وذلك أن الفراغ خلاف الشغل، فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ بمحاب ربه كان ذلك الفراغ عونًا له على الاشتغال بطاعة الله» 2.
إنه دواء على هيئة دعاء، فإلى كل متطلع إلى ما في يد غيره، ودائم الشكوى من أحواله، وكثير التأفف من سوء حظه وتعرض الأقدار له بالسوء، إلى هذا المعذَّب بيده لا بيد عدوه، والجاني الذي يرتدي ثوب الضحية، نقول له: هاك ما دعا به حبيبك من قبل، أقبل على هذا الدعاء المضمَّخ بعبق الكرامة النبوية، وواظب عليه، وردِّده صباح مساء كمن يتناول سر سعادته وأمل نجاته كل يوم، لترث الرضا عن الله في جميع أحوالك، وتملأ القلب سرورًا وإن ظنك الناس محرومًا.