عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما [ت: 65] قال: «قال رسول الله (ص): أي الخلق أعجب إليكم إيمانًا؟ قالوا: الملائكة. قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ قالوا: فالنبيون. قال: وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن. قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ألا إن أعجب الخلق إليَّ إيمانًا لقوم يكونون من بعدكم؛ يجدون صحفًا فيها كتاب يؤمنون بما فيها» 1.
ألا ما أجمل هذا الحديث، وأثلج نزوله على قلوب المؤمنين، وهم يسمعون مديح الرسول (ص) لهم، وتثبيته لقلوبهم التي تهب عليها زوابع الشك العاتية صباح مساء، إنها اللمسة الحانية التي تمسح التعب عن الأجساد والأرواح، وشهادة التقدير التي تزيل الهموم والألم، وهل مُدح هؤلاء إلا بسبب يقينهم؟! وهل فاق إعجاب رسول الله بهم إعجابه بالملائكة والنبيين والصحابة إلا من أجل إيمانهم بالغيب وتصديقهم؟!
إن منزلة اليقين عالية، سامية غالية؛ ولذا كانت أول صفة مُدح بها المؤمنون في القرآن: "ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ" [البقرة: 3]، بل هي أصل الإيمان كما قال ابن القيم [ت: 751]:
«فالإيمان قلب الإسلام ولبه، واليقين قلب الإيمان ولبه، وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول، وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول» 2.