والمحرمات من الطعام في كتاب الله تعالى محصورة في عشرة أشياء منصوص عليها في قوله سبحانه : ( 1 ) " حرمت عليكم الميتة ( 2 ) والدم ( 3 ) ولحم الخنزير ( 4 ) وما أهل لغير ( 5 ) الله به والمنخنقة ( 6 ) والموقوذة ( 7 ) والمتردية ( 8 ) والنطيحة ( 9 ) وما أكل السبع ( 10 ) إلا ما ذكيتم وما ذبح على
( 1 ) سورة المائدة آية رقم 3 . ( 2 ) " الميتة " ما مات حتف أنفه . وإنما حرم الله الميتة لضررها إذ أنها لم تمت إلا بسبب الامراض التي لحقتها . ( 3 ) " والدم " أي الدم المسفوح . وحرم الدم لضرره وهو أصلح بيئة لنمو الميكروبات . ( 4 ) " ولحم الخنزير " كما قال في المنار : لانه قذر وأشهى غذاء له القاذورات والنجاسات . وهو ضار في جميع الاقاليم ولا سيما الحارة كما ثبت بالتجربة . وأكل لحمه من أسباب الدودة القتالة : ويقال إن له تأثيرا سيئا في العفة . ( 5 ) " وما أهل لغير الله به " أي ذكر غير اسم الله عند ذبحه . وهذا تحريم ديني من أجل المحافظة على التوحيد . ( 6 ) " والمنخنقة " أي التي تخنق فتموت . ( 7 ) " والموقوذة " أي التي ضربت بعصى فقتلت . ( 8 ) " والمتردية " هي التى تتردى من مكان عال فتموت . ( 9 ) النطيحة " هي التي تنطحها أخرى فتقتلها . ( 10 ) " وما أكل السبع إلا ما ذكيتم " أي وما جرحه الحيوان المفترس إلا إذا أدركتموه وفيه حياة فذبحتموه فإنه يحل حينئذ .
النصب ( 1 ) وأن تستقسموا بالازلام ذلكم فسق " . وهذا تفصيل للاجمال المذكور في قوله سبحانه : " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به " ( 2 ) . فإنه ذكر هنا أربعة أشياء مجملة ، وذكر في الاية السابقة تفصيلها فلا تنافي بين الايتين .
ما قطع من الحي : ويلحق بهذه المحرمات ما قطع من الحي . لحديث أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة " . رواه أبو داود والترمذي وحسنه ، قال : والعمل على هذا عند أهل العلم . ويستثنى من ذلك : ( أ ) : ميتة السمك والجراد فإنها طاهرة لحديث ابن
( 1 ) " وما ذبح على النصب " أي ما ذبح وقصد به تعظيم الطاغوت . والطاغوت : كل ما عبد من دون الله .
عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أحل لنا ميتتان ودمان . أما الميتتان فالحوت ( 1 ) والجراد ، واما الدمان : فالكبد والطحال " . رواه أحمد والشافعي وابن ماجه والبيهقي والدار قطني . والحديث ضعيف ، لكن الامام أحمد صحح وقفه ، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم ، ومثل هذا له حكم الرفع ، لان قول الصحابي : أحل لنا كذا وحرم علينا كذا ، مثل قوله : أمرنا ونهينا - وقد تقدم ما يؤكد هذا الحديث . وإذا كانت الميتة محرمة فالمقصود بالتحريم أكل اللحم ، أما ما عداه فهو طاهر يحل الانتفاع به . ( ب ) : فعظم الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها وجلده وكل ما هو من جنس ذلك طاهر . لان الاصل في هذه كلها الطهارة ، ولا دليل على النجاسة . قال الزهري في عظام الموتى ، نحو الفيل وغيره : " أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها ، لا يرون به بأسا " . رواه البخاري . وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : " تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا : إنها ميتة ، فقال : " إنما حرم أكلها " . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ، قال فيه عن ميمونة . وليس في البخاري ولا النسائي ذكر الدباغ . وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أنه قرأ هذه الاية : " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما " وقال : " إنما حرم ما يؤكل منها وهو اللحم ، فأما الجلد والقد ( 1 ) والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال " . رواه ابن المنذر وابن حاتم . وكذلك إنفحة الميتة وليتها طاهر لان الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس وهو يعمل بالانفحة مع أن ذبائحهم تعتبر كالميتة . وقد ثبت عن سلمان الفارسي ، رضي الله عنه ، أنه سئل عن شئ من الجبن والسمن والفراء ، فقال : الحلال ما أحله الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما
( هامش ) ( 1 ) القد : بكسر القاف الاناء من الجلد .
سكت عنه فهو مما عفا عنه ، ومن المعلوم أن السؤال كان عن جبن المجوس حينما كان سلمان نائب عمر بن الخطاب عن المدائن . ( ج ) : والدم : يعفى عن اليسير منه ، فعن ابن جريج في قوله تعالى : " أو دما مسفوحا " قال : المسفوح الذي يهراق . ولا بأس بما كان في العروق منها . أخرجه ابن المنذر . وعن أبي مجلز في الدم يكون في مذبح الشاة أو الدم يكون في أعلى القدر قال : لا بأس ، إنما نهى عن الدم المسفوح . أخرجه ابن حميد وأبو الشيخ . وعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر .