رأي الفقهاء في المسجد الذي ينعقد فيه الاعتكاف : اختلف الفقهاء في المسجد يصح الاعتكاف فيه فذهب أبو حنيفة واحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنه يصح في كل مسجد يصلى فيها الصلوات الخمس وتقام فيه الجماعة ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح " رواه الدارقطني . وهذا حديث مرسل ضعيف لا يحتج به . وذهب مالك والشافعي وداود ، إلى أنه يصح في كل مسجد لانه لم يصح في تخصيص بعض المساجد شئ صريح . وقالت الشافعية الافضل أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع ، لان الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد الجامع ، ولان الجماعة في في صلواته اكتر ، ولا يعتكف في غيره إذا تخلل وقت الاعتكاف صلاة جمعة حتى لا تفوته . وللمعتكف أن يؤذن في المئذنة إن كان بابها في المسجد أو في صحنه . ويصعد على ظهر المسجد لان كل ذلك من المسجد ، فإن كان باب المئدنة خارج المسجد بطل اعتكافه إن تعمد ذلك ، ورحبة المسجد منه عند الحنفية والشافعية ، ورواية عن أحمد . وعن مالك ورواية عن أحمد ، أنها ليست منه ، فليس للمعتكف أن يخرج إليها . وجمهور العلماء على أن المرأة لا يصح لها أن تعتكف في مسجد بيتها ، لان مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد ، ولا خلاف في جواز بيعه ، وقد صح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد لنبوي . صوم المعتكف المعتكف إن صام فحسن ، وإن لم يصم فلا شئ عليه . روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام . فقال : " أوف بنذرك " ففي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالوفاء بالنذر دليل على ان الصوم ليس شرطا في صحة الاعتكاف ، إذ أنه لا يصح الصيام في الليل . وروى سعيد بن منصور عن أبي سهل . قال ، كان على امرأة من أهلي اعتكاف . فسألت عمر بن عبد العزيز ، فقال ليس عليها صيام ، إلا أن تجعله على نفسها . فقال الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم . فقال له عمر : عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فعن أبي بكر ؟ قال : لا . قال : فعن عمر ؟ قال : لا . قال : واظنه قال عن عثمان ؟ قال : لا . فخرجت من عنده فلقيت عطاء وطاووسا فسألتهما ؟ فقال طاووس : كان فلان لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها . وقال عطاء : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها . قال الخطابي ، وقد اختلف الناس في هذا ، فقال الحسن البصري : إن اعتكف من غير صيام أجزأه ، وإليه ذهب الشافعي . وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا : إن شاء صام وإن شاء أفطر . وقال الاوزاعي ومالك : لا اعتكاف إلا بصوم ، وهو مذهب أهل الرأي وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ، وهو قول سعيد ابن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وقت دخول المعتكف والخروج منه تقدم أن الاعتكاف المندوب ليس له وقت محدد . فمتى دخل المعتكف المسجد ونوى التقرب إلى الله بالمكث فيه صار متعكفا حتى يخرج ، فإن نوى اعتكاف العشر الاواخر من رمضان ، فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس . فعند البخاري عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الاواخر " . والعشر اسم لعدد الليالي ، أول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين أو ليلة العشرين . وما روي أنه صلى الله عليه وسلم : كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه . فمعناه أنه كان يدخل المكان الذي أعده للاعتكاف في المسجد . أما وقت دخول المسجد للاعتكاف فقد كان أول الليل . ومن اعتكف العشر الاواخر من رمضان فإنه يخرج بعد غروب الشمس آخر يوم من الشهر عند أبي حنيفة والشافعي . وقال مالك وأحمد : إن خرج بعد غروب الشمس أجزأه ، والمستحب عندهما أن يبقى في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد . وروى الاثرم بإسناده عن أبي أيوب عن أبي قلابة : أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر ، ثم يغدو كما هو إلى العيد ، وكان - يعنى في اعتكافه - لا يلقى له حصير ولا مصلى يجلس عليه ، كان يجلس كأنه بعض القوم ، قال : فأتيته في يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ، ما ظننتها إلا بعض بناته ، فإذا هي أمة له ، فأعتقها ، وغدا كما هو إلى العيد . وقال إبراهيم . كانوا يحبون لمن اعتكف الشعر الاواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد ، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة ، أو أراد ذلك تطوعا فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس سواء أكان ذلك في رمضان أم في غيره ، ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليال مسماة ، أو أراد تطوعا ، فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر . قال ابن حزم : لان مبدأ الليل إثر غروب الشمس ، وتمامه بطلوع الفجر ، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر ، واتمامه بغروب الشمس ، وليس على أحد إلا ما التزم أو نوى . فإن نذر اعتكاف شهر أو أراده تطوعا بدأ الشهر من أول ليلة منه . فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر سواء رمضان وغيره . ما يستحب للمعتكف وما يكره له يستحب للمعتكف أن يكثر من نوافل العبادات ، ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على النبي صلوات الله وسلامه عليه والدعاء ، ونحو ذلك من الطاعات التي تقرب إلى الله تعالى وتصل المرء بخالقه جل ذكره . ومما يدخل في هذا الباب دراسة العلم واستذكار كتب التفسير والحديث ، وقراءة سير الانبياء والصالحين وغيرها من كتب الفقه والدين ، ويستحب له أن يتخذ خباء في صحن المسجد انتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم . ويكره له أن يشغل نفسه بما لا يعنيه من قول أو عمل ، لما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي بسرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ويكره له الامساك عن الكلام ظنا منه أن ذلك مما يقرب إلى الله عزوجل ، فقد روى البخاري وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذا هو برجل قائم فسأل عنه ؟ فقالوا : أبو اسرائيل . نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ويصوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه . " وروى أبو داود عن على رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتم بعد احتلام ، ولا صمات يوم إلى