الحمد لله و الصّلاة و السّلام على رسول الله و آله و صحبه و من والاه ,وبعد فمن المعلوم عند أمة الإسلام أن أكبر مصاب أصيبت به ,هو موت رسول الله صلى الله عليه و سلم ,فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب " أخرجه الإمام الألباني في "صحيح الجامع "
و كان أكثر من فُجع بموته صلى الله عليه و سلم الصحابة رضوان الله عليهم ,و منهم شاعر الرّسول صلى الله عليه و سلم حسّان بن ثابت الأنصاري ,الذي كان يجاهد في سبيل الله بلسانه ,فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أمِّنا عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنهما :
" أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهجو قريشا فإنه أشدّ عليهم من رشقٍ بالنبل ,فأرسل إلى ابن رواحة فقال اهجهم فهجاهم فلم يرض ,فأرسل إلى كعب بن مالك ,ثم أرسل إلى حسان بن ثابت ,فلما دخل عليه قال حسان :قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه ,ثم أَدْلَعَ لسانه فجعل يحرّكه فقال :والذي بعثك بالحق لأَفريَنّهم بلساني فَرْيَ الأديم ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يلخّص لك نسبي ,فأتاه حسان ثم رجع فقال :يا رسول الله قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلَّنَّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين .
قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان إن روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله ,وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هجاهم حسان فشفى واشتفى ,قال حسان
هجوتَ محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاءُ
هجوت محمدا برا تقيّا ... رسولُ الله شيمته الوفاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي ... لِعرضِ محمد منكم وِقاءُ
ثكلتُ بنيّتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداءُ
يُبارين الأعِنَّة مُصعِداتٍ ... على أكتافها الأُسُل الظّماءُ
تّظّلّ جيادنا متمطِّراتٍ ... تُلَطِّمُهن بالخُمُر النّساءُ
فإن أعرضتمو عنّا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاءُ
وإلا فاصبروا لضِراب يوم ... يُعزُّ الله فيه من يشاءُ
وقال الله قد أرسلتُ عبدا ... يقول الحقّ ليس به خَفاء
وقال الله قد يسّرتُ جندا ... هم الأنصار عُرضتها اللّقاءُ
لنا في كل يوم من معدٍّ ... سِباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كِفاء "
انتهى حديث مسلم