علامة
قبول الطاعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مقادير الآجال ومواقيت الأعمال، ثم تنقضي سريعا وتمضي جميعا والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل وأودعها باق لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم ليسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، لما انقضت الأشهر الحرم الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام، وآخر شهر الصيام أقبلت الأشهر الثلاثة أشهر الحج إلى بيت الله الحرام، فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه، فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف، ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف،
المحب لا يمل من التقرب بالنوافل إلى مولاه، ولا يأمل إلا قربه ورضاه.
ما للمحب سوى إرادة حبه **** إن المحب بكل أمر يضرعكل وقت يخيله العبد من طاعة مولاه فقد خسره، وكل ساعةيغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة ترة، فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعته، وواحسرتاه على قلب بات في غير خدمته.
من فاته أن يراك يوما **** فكل أوقاته فوات
وحيثما كنت من بلاد **** فلا إلى وجهك التفات
إليكم هجرتي وقصدي **** وأنتم الموت والحياة
أمنت أن توحشوا فؤادي **** فآنسوا مقتلي ولات
من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسن منها بعد الحسنة تتلوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها، ذنب واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها، النكسة أصعب من الضعفة وربما أهلكت ! ، سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوذوا به من تقلب القلوب، ومن الحور بعد الكور، وما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة، وأوحش منه فقر الطمع بعد غنى القناعة، ارحموا عزيز قوم بالمعاصي ذل، وغني قوم بالذنوب افتقر.
ترى الحي الأولى بانوا **** على العهد كما كانوا
أم الدهر بهم خانوا **** ودهر المرء خوان
إذا عز بغير الله يومـــــــــــــــــا معشــــــــــر هانــــــــــــــوا
يا شبان التوبة لاترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام !! ، فالرضاع إنما يصلح للأطفال لا للرجال !، ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب، من ترك شيئا لله لم يجد فقده عوضه الله خيرا منه: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) (1) وفي الحديث: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه من خوف الله أعطاه إيمانا يجد حلاوته في قلبه) خرجه الإمام أحمد (2). وهذا الخطاب للشباب، فأما الشيخ إذا عاود المعاصي بعد انقضاء رمضان فهو أقبح وأقبح، لأن الشباب يؤمل معاودة التوبة في آخر عمره، وهو مخاطر، فإن الموت قد يعاجله وقد يطرقه بغتة، وأما الشيخ فقد شارف مركبه على ساحل بحر المنون فماذا يؤمل؟!.
نعى لك ظل الشباب المشيب **** ونادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدا لداعي الفناء **** فكل الذي هوآت قريب
ألسنا نرى شهوات النفوس **** تفنى وتبقى علينا الذنوب
يخاف على نفسه من يتوب **** فكيف يكون الذي لا يتوب "
انتهى كلامه الماتع رحمه الله تعالى من كتاب "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف "نسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى طاعته بعد رمضان ، ونعوذ به -جل وعلا- من الهوى والخسران
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قبول وواحسرتاه