متى يكون المسلم مرتدا : إن المسلم لا يعتبر خارجا عن الاسلام ، ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر ، واطمأن قلبه به ، ودخل فيه بالفعل ، لقول الله تعالى : " ولكن من شرح بالكفر صدرا " . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " ، ولما كان ما في القلب غيبا من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله ، كان لابد من صدور ما يدل على كفره دلالة قطعية لا تحتمل التأويل ، حتى نسب إلى الامام مالك أنه قال :
( ( 1 ) سورة فاطر الآية : 32
" من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها ، ويحتمل الايمان من وجه ، حمل أمره على الايمان " .
ومن الامثلة الدالة على الكفر : 1 - إنكار ما علم من الدين بالضرورة . مثل إنكار وحدة الله وخلقه للعالم وإنكار وجود الملائكة ، وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن وحي من الله ، وإنكار البعث والجزاء ، وإنكار فرضية الصلاة والزكاة ، والصيام والحج . 2 - استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه ، كاستباحة الخمر ، والزنا ، والربا ، وأكل الخنزير ، واستحلال دماء المعصومين وأموالهم ( 1 ) . 3 - تحريم ما أجمع المسلمون على حله " كتحريم الطيبات " . 4 - سب النبي أو الاستهزاء فيه ، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله . 5 - سب الدين ، والطعن في الكتاب والسنة ، وترك الحكم بهما ، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما . 6 - ادعاء فردمن الافراد أن الوحي ينزل عليه . 7 - إلقاء المصحف في القاذورات ، وكذا كتب الحديث ، استهانة بها واستخفافا بما جاء فيها . 8 - الاستخفاف باسم من أسماء الله ، أو أمر من أوامره ، أو نهي من نواهيه ، أو وعد من وعوده ، إلا أن يكون حديث عهد بالاسلام ، ولا يعرف أحكامه ، ولا يعلم حدوده ، فإنه إن أنكر منها جهلا به لم يكفر . وفيه مسائل أجمع المسلمون عليها ، ولكن لا يعلمها إلا الخاصة ، فإن منكرها لا يكفر ، بل يكون معذورا بجهله بها ، لعدم استفاضة علمها في العامة ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، وأن القاتل عمدا لا يرث ، وأن للجدة السدس ، ونحو ذلك . ولا يدخل في هذا الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها . فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( 1 ) إلا إذا كان ذلك بتأويل - مثل تأويل الخوارج - فإنهم استحلوا دماء الصحابة وأموالهم - ومثل تأويل قدامة بن مظعون شرب الخمر ، ومع ذلك - فجمهور الفقهاء على أنهم غير كافرين
" إن الله عزوجل تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو يتكلم به " وروى مسلم عن أبي هريرة قال : " جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا : انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا : نعم . قال : ذلك صريح الايمان ( 1 ) " . وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال : ( هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله ؟ ) فمن وجد من ذلك شيئا ، فليقل : آمنت بالله " .