بسم الله الرحمن الرحيم يتساءل الكثيرون عن حكم ترك الشعر والظفر في عشر ذي الحجة هل هو واجب أم هو سنة أم أن الأمر على الإباحة وهو واسع؟ روى مسلم في الصحيح كتاب الأضاحي باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئًا. عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يُضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئًا». وفي رواية سعيد بن المسيب عن أم سلمة ترفعه قال: «إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرًا ولا يقلمن ظفرًا». وفي رواية أخرى عن سعيد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره». وفي رواية رابعة عن سعيد قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي». وفي رواية خامسة عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال: كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطَّلى فيه ناس، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا أو ينهى عنه فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له، فقال: هذا حديث قد نُسي وتُرك، حدثتني أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث. والحديث في رواياته كلها يدور على سعيد بن المسيب عن أم سلمة رضي الله عنها. وكان سفيان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك مسلم رحمه الله عز وجل، وقد نقلت رواياته كلها كما جمعها في هذا الباب، والحديث رواه الترمذي في سننه في كتاب الأضاحي باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي وهو آخر أبواب الكتاب عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى هلال ذي الحجة، وأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره» [(ح رقم1443). قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح] وهو قول بعض أهل العلم، وبه كان يقول سعيد بن المسيب، وإلى هذا الحديث ذهب أحمد وإسحاق. ورخص بعض أهل العلم في ذلك فقالوا لا بأس أن يأخذ من شعره وأظفاره، وهو قول الشافعي، واحتج بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالهدي من المدينة فلا يجتنب شيئًا مما يجتنب منه المحرم. اهـ. والحديث رواه أحمد وأصحاب السنن. قال النووي: واختلف العلماء فيمن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي. فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية. وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام. وقال أبو حنيفة: ولا يكره، وعن مالك روايتان. واحتج من حرم بهذه الأحاديث. واحتج الشافعي والآخرون بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أقلد قلائد هدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه». [متفق عليه] ولا أعلم أحدًا من أهل العلم قد نفى هذه السنة، أو زعم أن فاعل ذلك الأمر مبتدعًا، بل كلهم متفقون على استجابة ترك الشعر والظفر حتى تذبح الأضحية، وغاية ما في الأمر أن بعض أهل العلم رأى هذا واجبًا، وحمل النهي عن حلق الرأس وقص الظفر لمن أراد أن يضحي على ظاهره وهو التحريم لأنه لم تثبت لديه قرينة تصرف النهي عن ظاهره وهو التحريم إلى الكراهية بينما وجد الشافعي في حديث عائشة المذكور في كلام الترمذي والنووي وما تضمنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم صارفًا للنهي عن دلالته الظاهرة وهي التحريم إلى الكراهية. ويؤيد هذا قول ابن عمر: ليس حلاق الشعر بواجب على من ضحى، وإن كان هذا القول ينفي مجرد إيجاب الحلق على من ضحى.... ذبح الأضحية، وحديث أم سلمة في نهي من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره، وظفره قبل ذبح الأضحية، فكلام ابن عمر في عدم إيجاب الحلق على من ضحى لا يعارض حديث أم سلمة في النهي عن الحلق قبل التضحية، لأن هذا النهي لا يعني بالضروة وحديث الحلق بعد ذبح الأضحية. والسنة في ترك حلق شعر الرأس وقص الظفر حتى يذبح الأضحية هذا في حق من أراد أن يضحي، ودخل عليه عشر ذي الحجة فلتحقق هذا الحكم شرطان: الأول: إرادة التضحية، سواء كانت الأضحية عنده أم لا، حتى ولو اشتراها بعد ذلك. الثاني: دخول عشر ذي الحجة، ويتحقق برؤية هلال شهر ذي الحجة، أو العلم به. ويشترط بعض الناس أن يكون قد حصل الأضحية وصارت عنده، ولا دليل على ذلك. وفي حلق الشعر وقص الأظفار بعد ذبح الأضحية معنى عظيم، فقد أبقى عليها ليشملهما ثواب العتق من النار، ولهذا قالوا: يبقى كامل الأجزاء ليُعتق كله من النار، ويميط عن نفسه الذنوب والخطايا وفيه معنى التشبه بالمحرم، لا يتحلل إلا بعد ذبح الهدي. والحمد لله رب العالمين.