فجرت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح جدلاً واسعاً، بفتوى مثيرة أكدت فيها حق المتزوجة «مسياراً» المطالبة بحقوقها كاملة حتى التي تنازلت عنها بإرادتها، وأن الزوج والقاضي إذا رفضا الموافقة على طلبها فهما مشتركان في الإثم لرفضهما رفع الظلم عنها، وقد انقسم العلماء حول هذه الفتوى ما بين مؤيد ومعارض فماذا قالوا؟
في البداية أوضحت صالح الأدلة الشرعية التي استندت إليها في فتواها قائلةً: «زواج «المسيار» صحيح من الناحية الشرعية رغم ما فيه من تنازلات، لأنه مكتمل الشروط والأركان وانتفاء الموانع الشرعية وإذا قبلت الزوجة بهذا الزواج مسقطة بعض حقوقها من المبيت أو النفقة أو القسمة، راغبة في أن تكون في عصمة رجل يحافظ عليها ويراعي ظروفها أو أنها ترغب في الإنجاب قبل أن يفوتها قطار الزواج، فليس عليهما حرج من هذا الزواج طالما أنه يحقق مصلحة شرعية لهما».
وأشارت إلى أن الشروط التي تضمنها عقد الزواج من تنازلها عن حقوقها الشرعية التي حددها الله لها تعد من قبيل الشروط الفاسدة التي تخالف عقد الزواج، الذي تترتب عليه حقوق وواجبات لكل من الزوجين تجاه الآخر، ولهذا فإن المطالبة باسترداد هذه الحقوق هو الأصل الشرعي والتنازل عنها هو الاستثناء، وبالتالي يجوز ترك الاستثناء بالاتفاق البشري والرجوع إلى الأصل الإلهي بالمطالبة باسترداد الحقوق كاملة، والتي على أساس بعضها كان للرجل القوامة على المرأة، حيث يقول تعالى:«الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» (آية ٣٤ سورة النساء) . وقوله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم» (آية ٢٢٨ سورة البقرة). وهذه الدرجة هي القوامة ولا يمكن أن تقوم أسرة مستقرة بدون زواج تتحقق فيه الصفات التي وضعها الله في الزواج بقوله: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (آية ٢١ سورة الروم) . فهل في زواج «المسيار» هذه الخصائص؟
وأوضحت صالح أن الزوج مطالب شرعاً بإعطاء زوجته حقوقها التي أعطاها الله لها، وألا يتم الالتزام بالشروط التي تنازلت بموجبها عن حقوقها، لأن هذه الشروط تسمى شرعاً «شروطاً فاسدة» لا تؤثر على صحة الزواج، ولا يجب شرعاً الالتزام بها، وعلى الزوج تلبية رغبتها في استرداد حقوقها فإن رفض يكون آثماً شرعاً، وفي هذه الحالة رفع أمرها إلى القضاء الذي عليه أن ينصفها ويرفع الظلم عنها، ويحكم لها باسترداد حقوقها الشرعية كاملة، فإن اتفق الزوج والقاضي على استمرار الظلم للمرأة فهما مشتركان في الإثم، وينطبق عليهما قوله تعالى: «الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون» (آية ٢٧ سورة البقرة).
وأنهت الدكتورة سعاد كلامها محذرةً: «أحذر النساء من الدخول في تجربة «المسيار» لأنهن سيدفعن الضريبة غالية من كرامتهن وكرامة أولادهن، ولهذا فقد عارضت كبار علماء الأمة الذين أفتوا بصحة زواج «المسيار»، حيث أفتيت بكراهته لأنه لا يحقق المقاصد السامية للزواج، بل إنه أقرب لزواج المتعة الذي تمتهن فيه المرأة، وبالتالي لا مانع شرعاً من تمردها على هذا الظلم الذي تنازلت بمقتضاه عن حقوقها، وأن تطالب باسترداد ما أعطاها الله من حقوق شرعية تكفل لها الكرامة والعفة والقاعدة الشرعية «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، كما أن الأضرار الناتجة عن «المسيار» بلا حدود وتخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
العودة الى الحقوق الأصلية
يتفق معها في الرأي - وكيل الأزهر الأسبق الشيخ محمود عاشور الذي يؤكد أن تنازل الزوجة عن حقوقها في النفقة أو المبيت أو غيرها هو تنازل في غير محله، ومن حقها التراجع عما سبق أن تنازلت عنه من حقوق أوجبها الله لها ممن يتزوجها زواجاً شرعياً سليماً، حيث يشترط فيه أن يُنفق على زوجته لارتباط القوامة بالإنفاق وفقاً للنصوص الشرعية. ولهذا أفتى بعض الفقهاء أن الزوج الذي لا ينفق على زوجته تسقط قوامته، وإذا سقطت قوامته فمن حقها مطالبته بالإنفاق عليها والمبيت عندها بالقسمة العادلة بينها وبين زوجاته إذا كان متزوجاً من غيرها.
وطالب الشيخ عاشور الأزواج في «المسيار» والقضاة بالاستجابة للمتزوجات «مسيار» لاسترداد حقوقهن التي سبق أن تنازلن عنها تحت ضغوط معينة، لأن الأزواج إن فعلوا ذلك حصلوا على الثواب من الله وإن قصّروا أثموا والوضع نفسه بالنسبة للقاضي الذي عليه أن يرد الحقوق الشرعية لأصحابها، وبالتالي فهو يُثاب إن أنصف المظلوم وأقام الحقوق التي حددها الله والعكس صحيح إن قصر.
كن كريماً
وترى رئيسة قسم علوم القرآن في كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة مهجة غالب أن العلاقة الزوجية من أسمى العلاقات الإنسانية، ولهذا وصفها الله بقوله: «وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً»، وجعل طرفيها يثابان على كل معروف أو خدمة يقدمها كل منهما للآخر حتى العلاقة الشرعية بينهما يُثاب كل منهما لأنه ساعد على عفة شريك حياته، فقال صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة». قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر»؟ قالوا: نعم. قال: «كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر». بل اللقمة التي يطعمها الزوج لزوجته وأولاده له بها ثواب كما خدمة المرأة لزوجها، حتى إنه ورد في السنة النبوية النساء سألن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهن: «إن الرجال ذهبوا بالأجر كله يجاهدون في سبيل الله ونحن لا نجاهد»، فقال لهن صلى الله عليه وسلم: «إن حسن تبعة المرأة لزوجها يعدل ذلك كله». وقد جعل الإسلام كل منهما مسؤولاً عن رعاية الآخر فقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته».
من هنا فإننا ننصح الزوج بأن يكون كريماً ويحتسب عند الله إعطاء زوجته حقوقها كاملة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ولو بشكل جزئي إن لم تسمح ظروفه بإعطائها حقوقها كاملة لظروف قهرية فكما يقال: «ما لا يُدرك كله لا يُترك كله».