بينما أصبح الاختلاط (وليس الخلوة) بين الشباب والفتيات في العمل في العالم الإسلامي أمراً يفرضه الواقع في مجالات كثيرة. يؤكد العلماء أن التعليم أيضاً من المجالات التي يتحقق فيها هذا الاختلاط، طالما أنه لا يوجد به أي محاذير شرعية، خاصة أن هناك فرقاً كبيراً بين الاختلاط الذي يُشجع على التعلم والتنافس الايجابي بين الجنسين، وهو هدف وجود الشباب والفتيات معاً في الجامعة، وبين الخلوة التي تقع في إطار المحاذير الشرعية، فماذا يقول رجال الدين عن ذلك؟
[img][/img]
اللقاء بين الشباب والفتيات في ذاته ليس محرماً
في البداية يرى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أن اللقاء بين الشباب والفتيات في ذاته ليس محرماً، بل هو جائز وأحياناً يكون مطلوباً إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل من علم نافع أو عمل صالح أو جهاد في حرب أو غير ذلك مما يتطلب تعاوناً أو وجوداً في مكان واحد، مثل الجامعة المنضبطة بالضوابط الشرعية في وجود الطلبة والطالبات معاً في المدرجات المفتوحة.
وأوضح طنطاوي أن «ذلك لا يعني ذوبان الحدود ونسيان الضوابط الشرعية بين الطرفين، والواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير والتعاون على البر والتقوى.
وليس هناك أسمى من التعليم، طالما كان هناك التزام بغض البصر من الفريقين، مع تأكيد الالتزام من جانب الطالبات باللباس الشرعي المحتشم الذي يُغطي البدن ما عدا الوجه والكفين ولا يشف ولا يصف، تطبيقاً لقوله تعالى: «ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن» (آية ٣١ سورة النور). وأن يكون الكلام بعيداً عما حرم الله القائل: «فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً» (آية ٣٢ سورة الأحزاب).
وأن يكون مشيها مثل التي امتدحها الله بقوله:«فجاءته إحداهما تمشي على استحياء» (آية ٢٥ سورة القصص). وألا تكون ممن ذمهن الله بقوله: «ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن» (آية ٣٠ سورة النور).
وينهى شيخ الأزهر كلامه قائلاً: «علينا أن نُحسن الظن ونحترم العقول التي جاءت لتستفيد وتفيد. وأؤكد أن الاختلاط المنضبط حلال إذا تم سد أبواب الفتنة والخلوة المحرمة التي قد تؤدي إلى الفاحشة، لأن الإسلام يهتم بسد أبواب الفتنة قبل وقوعها، فقال تعالى: «ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً» (آية 36 سورة الإسراء) وأليست الجامعة بالمواصفات السابقة أفضل مليون مرة من ابتعاث الطلاب والطالبات للخارج في بيئة بعيدة عن الدين؟».
إستشهادات قوية
تستشهد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة سعاد صالح على جواز الاختلاط المنضبط بأحكام الشرع، بأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يصلين خلف صفوف الرجال، وكن يحضرن مع الرجال دروس العلم، وعندما ازدادت أعدادهن قلن للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا يوماً، فخصص لهن النبي يوماً ليعظهن فيه.
وكانت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يشاركن في المعارك، وكل المجالات المباحة في الحياة، وكان هذا التطبيق العملي لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال».
وتقول صالح: «من الأدلة العملية على ذلك، التجارة التي كانت تديرها أم المؤمنين السيدة خديجة، وكذلك قيام الشفاء بنت عبدالله بالإشراف على الأسواق في عهد الفاروق عمر، وهي من فضليات النساء وأوائل الذين آمنوا بالإسلام. ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر بن الخطاب في المسجد في قضية «المهور» ورجوعه إلى رأيها أمام الناس جميعاً، وقوله الشهير «أصابت المرأة وأخطأ عمر».
ووصية الرسول الدائمة للرجال بأن يتقوا الله في النساء في نصيحته الخالدة «استوصوا الله في النساء» أي لا تظلموهن بأي شكل من أشكال الظلم. ولا شك أن من الظلم الفادح لهن حرمانهن من التعليم بحجة أن الاختلاط حرام. ولا بد أن نتفهم الحاجات الجديدة للمرأة في التعلم مع تطور المجتمعات. وقد كانت النساء يشهدن الجماعة والجمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن يحضرن صلاة العيدين، وفي الحشد الإسلامي الكبير الذي يضم الرجال والنساء، وكن يحضرن دروس العلم مع الرجال عند النبي، ويسألن عن أمر دينهن، مما قد تستحي منه الكثيرات اليوم، حتى امتدحت أم المؤمنين عائشة نساء الأنصار بأنهن لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين».
ودعت صالح الطلاب والطالبات لأن يكونوا ممن وصفهم القرآن الكريم بأن اختلاطهم في طاعته فقط مثل طلب العلم، وكل وجوه الخير، حيث قال تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (آية 71 سورة التوبة). وأن يعملوا على سد كل أبواب الشيطان لقول الرسول: «ما اختلى رجل مع امرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما».ومعنى الخلوة المحرمة وجود الرجل مع المرأة التي لا تحل له في مكان مغلق ولا ثالث معهما، بعيداً عن أعين الناس وينتفي معنى الخلوة في مجتمع مفتوح، وقد ذكر الفقهاء من الأمور المبيحة للنظر العفيف بين الرجال والنساء والاختلاط التعليم، طالما أنه ليس فيه ما يُغضب الله.
View Pictures