أنــا حـُــر !
عبارة لعلكم سمعتموها يوما من الأيام عندما يُـنكر على صاحب مُنكر أو على والغ في معصية ، أو على مسرف على نفسه ، أو على مقصّر في طاعة ربِّه
إذا ما ذُكّر بالله تَعالى ... تعاظم في نفسه ، وردّ بكبرياء ، وقال بملء فمِـه : أنـا حـُــرّ !
بدلا من أن يتّصف بصفات المؤمنين الذين إذا ذُكِّروا تذكّروا ، والذين تنفعهم الذكرى
( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )
وتُردّد عليه ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ )
ثم تُخاطبه بقول الله ( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى )
فيرد عليك مرة أخرى ممتلئاً غيظاً : أنـا حـُــرّ !
فهل هو مُـحِـقّ ؟؟؟
هل هـو فعـلاً حُـرّ ؟؟؟
ليس الأمر كذلك
فهو عبد رغم أنفـه ... شاء أم أبى ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )
والعبودية عبوديتان :
عبودية خاصة لأهل الإيمان والإسلام
وعبودية عامة لكل الخـلـق
إما عبودية شرف وفخـر وعِـزّ
وإما عبودية ذلّ وقـهـر وخنوع
إما عبودية عز وفخر وشرف وتكريم ، وهي العبودية لله عز وجل التي قيل فيها :
وممـا زادني شَرَفاً وفخـراً = وكِدتُ بأخمُصـي أطـأُ الثّريا
دخولي تحت قولِك يا عبادي = وأن صَيّرتَ أحمـدَ لي نبيّـاً
وإما عبودية ذل ومهانة لغير الله .
وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم من تعلّق بشيء من متاع الدنيا وشهواتها وملذّاتها سماه عبداً لها
قال صلى الله عليه وسلم : تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ، إن أعطي رضى ، وإن لم يُعط لم يرض . رواه البخاري .
وفي رواية له : تَـعِـسَ عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة . إن أُعطي رضي ، وإن لم يُعط سخط . تعس وانتكس ، وإذا شِيك فلا انتقش .
وهذا دعاء على عبد الدنيا ... عبد الزخرف والبهرج ( عبد الدينار والدرهم )
دعاء على عبد الدنيا ... عبد المتاع والمظاهر ( عبد الخميصة والخميلة والقطيفة )
دعــاء عليه من سيد ولد آدم – صلى الله عليه على آله وسلم – بالتّعاسة وعدم السعادة
دعــاء عليه أن تنتكس عليه أموره وتتقلّب عليه ، فلا يدري لها وجها
دعــاء عليه أن لا يوفق حتى لإخراج شوكة إن أصابته
لـمــاذا ؟؟؟
لأنه أصبح والدنيا أكبر همِّــه
يوالي عليها ( إن أُعطي رضي )
ويُعادي عليها ( وإن لم يُعط سخِط )
يرضى لوجود الدينار والدرهم
ويسخط لفقدهما
وليس معنى ( عبد الدينار والدرهم ) أنه يركع ويسجد للدينار والدرهم ، وإنما تعلق قلبه بهذه المظاهر الدنيوية الزائفة الزائلة .
فأصبح وأمسى وهي همّـه .
ونام وقام وهي في قلبـه .
وما ذُكر في الحديث لا يُراد به الحصر ، وإنما هذه أمثلة لما يتعلق به الإنسان فيُصبح عبدا له .
فهذا تعلق بالدنانير والدراهم
وذاك تعلّق بالبيوت والفُرش والأثاث والمتاع
وثالث تعلّق ببغي من بغايا بني ألأصفر ( الروم ) !
ورابع تعلق بسيجارة
وخامس تعلق بحقنة
وسادس أو سادسة تعلقوا بالمغني الفلاني ، فعلى صوته ينامون ، وعلى صوته يستيقظون
فصوته ومعازفه أذكار صباحهم ومساهم !!!
والجامع المشترك بينهم أنهم لا يصبرون عنها ، ولا يرضون بفراقها ، وإن غابت سخطوا .
فأي ذلّ ومهانة أشد من تعلق الإنسان بالهمم البهيمية ؟؟؟
أرأيتم كيف أن الذي زعم أنه ( حُـرّ ) أنه عبد ذليل مُهان مُحتقـر ؟؟؟
لماذا ؟؟؟
لأنه صار عبداً لكل فُلانة وفلانِ
قال العالم الرباني ابن القيم – رحمه الله – :
نزّه سماعك إن أردت سماع ذيّـ = ـاك الغِنا عن هذه الألحان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ = ـرم ذا وذا ياذلة الحرمان
إن اختيارك للسماع النازل الـ = أدنى على الأعلى من النقصان
والله إن سماعهم في القلب والـ = إيمان مثل السم في الأبدان
والله ما انفك الذي هو دأبه = أبدا من الإشراك بالرحمن
فالقلب بيت الرب جل جلاله = حُبا وإخلاصا مع الإحسان
فإذا تعلق بالسماع أصاره = عبدا لكل فلانة وفــلان
نـعـم :
فإذا تعلق بالسماع أصاره *** عبدا لكل فلانة وفلان
فاللهم أرنا الحق حقـاً وارزقنا اتباعه
واجعلنا من الذين إذا نُصحوا انتصحوا ، وإذا ذُكّروا تذكروا ، وإذا أذنبوا استغفروا .
واجعلنا عبيداً لك وحدك لا لغيرك .
وسبحانك اللهم وبحمدك . أشهد أن لا إله إلا أنت . أستغفرك وأتوب إليك .