الحجاب
الحجاب العصري والنظرة إليه
بينما تنتشر في عموم المسلمين من خلال الدعوة الى الحجاب انتشر ما يشبه الحجاب ولكن لا في شيء يشبهه إنه فقط خليط بين العصرنة التي لا يمكن أن نلصقها بالحجاب باعتباره شيء لا محيد عنه لأنه اللب والجوهر وما دونه يعتبر فقط دخيلا وبالتالي الحكم عليه بكونه زائف ولا يجب الأخذ به .
تحول «الحجاب العصري» إلى ظاهرة يقابلها البعض بالتفكه، والبعض الآخر بالانتقاد الشديد. ولا تكاد تخلو معظم البلدان العربية والإسلامية من هذه الظاهرة، التي فتحت لها هامشا للتناول، خاصة في المواقع والمنتديات الإلكترونية، وعلى صفحات الجرائد والمجلات، حيث تتم الاستعانة بالرسومات الكاريكاتورية، لتحليل وانتقاد الظاهرة. وغالبا ما ينتهي المتتبع إلى خلاصة نقاش ترى أن بعض «المحجبات» يتشددن في وضع غطاء الرأس ويتسامحن في بقية الملابس التي تغطي بقية الجسد. وذهب حس الفكاهة الذي يميز الشباب المغربي والعربي إلى حد استحداث عبارات جديدة لوصف هذا النوع من الحجاب، مثل «الحجاب العصري»، أو «الـ«فوق» أفغاني والـ«تحت» أميركاني»، لوصف لباس من يزاوج ويجمع بين غطاء الرأس، رمز المحافظة والتقليد، والجينز والتنورة، رموز الحداثة والانفتاح. وبمثل هذا الوصف، الذي جمع أفغانستان وأميركا في عبارة واحدة، يتوجه بعض الشباب، في مراكش، وغيرها من المدن المغربية، إلى الفتيات المحسوبات على فريق «الحجاب العصري». وتتفاوت طريقة تعامل هؤلاء الفتيات مع تحرشات هؤلاء الشباب، فمنهن من تتابعن طريقها غير مكترثات لما سمعته من كلام، في وقت تختار فيه أخريات جرأة الرد، بكلام تحاولن أن تثبتن من خلاله أن كل واحدة حرة في طريقة لباسها، وأن ما تقوم به يبقى اختيارا شخصيا لا دخل لأحد فيه. «الشرق الأوسط» حاولت أن تأخذ رأي أحد الشباب، الذي صادف أن كان بصدد التحرش على فتاة اختارت «الحجاب العصري» لباسا. بدا الشاب مقتنعا بالسلوك الذي قام به، قائلا «إنهن يجمعن المتناقضات، حين يضعن غطاء رأس، وقميصا وتنورة، أو جينزا ضيقا. إنه لباس يثير الضحك. لو كانت هذه الفتاة تلبس الجينز من دون غطاء رأس ما لفتت انتباهي، وكذلك سيكون الحال لو أنها اختارت أن تلبس الحجاب وفق طقوسه، لكن ما لا أتفق معه هو أن تضع على وجهها ألوانا تكفي لرسم لوحة، وعطرا نفاذا يثير الغرائز». وعلى شاكلة الشاب المراكشي، يضع البعض مقارنات بين «الحجاب العصري»، الذي يقولون عنه إنه صار «يزاحم» و«يشوش» على الحجاب «التقليدي» بعدما تحول اللباس، الذي يرافق غطاء الرأس، من لباس فضفاض له ألوان قاتمة إلى زي شفاف، يتوسل كل الألوان، أو ضيق يلتصق بالأجساد، كما يتميز غطاء الرأس بألوانه الفاتحة وأشكاله وأحجامه المختلفة، مع تفاوت في الطريقة التي تنسق بها بعض «المحجبات العصريات» طريقة لباسهن.
من جهتهن، لا تجد «بطلات» الجمع بين غطاء الرأس والجينز والتنورات حرجا في التأكيد على أن لهن كامل الحق في مسايرة الموضة. تقول سعاد، وهي موظفة في إحدى الوكالات البنكية بمراكش، إن «الحجاب العصري يقدمني بمظهر جيد ولا يخفي جمالي»، قبل أن تستدرك «المهم أني مستورة أكثر من أخريات». لكن يبقى الرأي العام منقسما بشأن «الحجاب العصري»، إلى شطرين. أحدهما يعترف بهذا النوع ويتقبله، والآخر يرفضه أو يتعامل معه بتحفظ، معتبراً أن «كل غلو في إظهار الزينة هو مظهر من مظاهر الفتنة والتبرج، يتناقض والأهداف التي يتوخاها الشرع من الحجاب، حتى وإن كانت صاحبته تضع غطاء رأس». ولا يخفي حميد، وهو أستاذ جامعي، امتعاضه ممن يلبسن «الحجاب العصري»، ويقول «من المثير أنك إذا صادف ونظرت إلى إحداهن تحسب نفسك كما لو أنك في إيطاليا أو فرنسا، وحين ترفع رأسك، قليلا، يفاجئك غطاء الرأس، الذي تعلن من خلاله تحجبها، وكأن المشكلة في الشعر والرأس، إن غطته جاز لها أن تكشف ما دون ذلك. ونظرا للإثارة التي ترتبط بالمحجبات العصريات صرت أفضل أن تكشف الفتاة عن شعرها وأن تلبس الجلباب التقليدي، مثلا. فهذا أفضل من أن تغطي الرأس وتكشف عن الباقي». وذهب الدكتور حسن المجاهيد، متخصص في علم الاجتماع وأستاذ بجامعة «القاضي عياض» بمراكش، إلى أن المنظور السوسيولوجي يتحدد، في كل تناول للظاهرة الاجتماعية، من خلال مجموعة من الوظائف، وهو أمر ينطبق على ظاهرة الحجاب، بامتياز. ورأى المجاهيد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الوظائف المرتبطة بظاهرة الحجاب، تتحدد في الوظيفة الاجتماعية، والوظيفة الثقافية، والوظيفة الاقتصادية، والوظيفة السيكولوجية، حيث «تطرح الاجتماعية سؤال الانسجام مع المجتمع، الذي يمثل المرأة وفق منظور محدد سلفاً»، فيما «تقوم الاقتصادية، على الاعتناء بالمظهر، الشئ الذي يتطلب مصاريف كبيرة، وحين نستحضر ضعف القدرة الشرائية عند أغلبية المغاربة يمكن القول إن المرأة تجد في الحجاب فرصة للتخفيف أو التخلص من متطلبات الموضة وإكراه الاعتناء بالشعر، مثلا، ولذلك فالموظفة، مثلا، التي سيكون عليها أن تقف كل صباح أمام المرآة لتصفيف شعرها، ستكتفي بوضع غطاء على شعرها». أما الوظيفة السيكولوجية، فتعني أن «أي إنسان يسعى نحو خلق نوع من التوازن في شخصيته، وهو، في بحثه عن الانسجام مع المجتمع، يخلق له إطارا للتوازن الشخصي». فيما يبرز، من خلال الوظيفة الثقافية، أن «الحضارة العربية والإسلامية تتميز عن بقية الحضارات والثقافات الأخرى بمجموعة مقومات، بينها أننا، في العالم الإسلامي، نجعل من الحجاب رمزا دينيا وعنوانا لهويتنا الثقافية أيضا». وتوسع المجاهيد في تناوله للظاهرة، فقال إن «استعمالات الحجاب أخذت أشكالا كثيرة، منها ما تحركه ضرورات الموضة والتجارة وتوجهات المؤسسات الاقتصادية الكبرى، حيث صرنا إلى اجتهاد غير مسبوق في إبراز أشكال اللباس»، مشددا على أن «المظاهر لا تعبر بالضرورة عن المضامين». وبخصوص الجمع بين الرموز، من قبيل الحجاب، كرمز للهوية الإسلامية، والجينز، كرمز للحداثة والتفتح، رأى المجاهيد أن «كل ذلك يمثل بحثا عن نوع من التوازن في شخصية الفرد. فنحن ليس لدينا نموذج ثقافي موحد، بل لدينا مجموعة ثقافات تتعايش مجتمعة، وهي ثقافات تجمع بين التقليد والحداثة، وهذا واقع ينسحب على كل مناحي الحياة، وهو ما نجده في طريقة تدبيرنا، ومن ذلك طريقة تأثيثنا للمنازل ودور السكن، حيث يكون لدينا، في المنزل نفسه ، صالون عصري وآخر تقليدي. ولأن مجتمعنا لم يفرض نموذجه الخاص به، سنظل نعيش على إيقاع مثل هذه الظواهر التي تتتابع، فيما تبني لمضمونها وظائف خاصة تؤطرها».