ولاية أبي طالب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم
كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، وكان عبد المطلب – فيما يزعمون – يوصي به عمه أبا طالب ، وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم ، أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم . قال ابن هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم .
ولاية أبي طالب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق : وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده ، فكان إليه ومعه .
نبوءة رجل من لهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، أن أباه حدثه : أن رجلا من لهب – قال ابن هشام : ولهب : من أزد شنوءة – كان عائفا فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم ، قال : فأتى به أبو طالب – وهو غلام ، مع من يأتيه ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم شغله عنه شئ ، فلما فرغ قال : الغلام على به ، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه ، فجعل يقول : ويلكم ، ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا ، فوالله ليكونن له شأن ، قال : فانطلق أبو طالب.
قصة بحيرى
نزول أبي طالب ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحيرى
قال ابن اسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل ، واجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما يزعمون – فرق له ، ( أبو طالب) وقال : والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا ، او كما قال ، فخرج به معه ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبهما راهب يقال له بحيرى في صومعه له ، وكان إليه علم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعه منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون ، يتوارثونه كابرا عن كابر ، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى ، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم ، حتى كان ذلك العام ، فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك فما يزعمون – عن شئ رآه وهو في صومعته ، يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين اقبلوا وغمامة تظله من بين القوم ، قال : ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر الي الغمامة حين أطلت الشجرة وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها ، فلما راى ذالك بحيرى نزل من صومعته ، ثم ارسل إليهم ، فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحركم ، فقال له رجل منهم : والله يا بحيرى ، إن لك لشأنا اليوم فما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرى ، صدقت ، قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن اكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم ، فاجتمعوا إليه ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثه سنة في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرى في القوم ولم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده قال : يا معشر قريش ، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ، قالوا له : يا بحيرى ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأيتك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم ، فقال : لا تفعلوا ، أدعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، قال : فقال رجل قريش من القوم ، واللات والعزى أن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه ، وأجلسه مع القوم فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده ، وقد كان يجدها عنده من صفته ، حتى أذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، ففال ( له ) يا غلام ، أسالك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرى ذلك ، لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( له ) : (( لا تسألني باللات والعزى شيئا ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما )) فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، فقال له : (( سلني عما بدا لك )) فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه ، وهيئته ، وأموره ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوه بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده .
قال ابن هشام : وكان مثل أثر المحجم .
قال ابن اسحاق : فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب ، فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني ، قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما يبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ، قال : فإنه ابن اخي ، قال : فما فعل ابوه ؟ قال مات وأمه حبلى به ، قال : صدقت فارجع بابن اخيك الي بلده ، واحذر عليه يهود ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن لاببن أخيك هذا شأن عظيم فاسرع به الي بلاده .
رجوع ابي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان من زرير وصاحبيه
فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدامه مكه حين فرغ من تجارته بالشام. فزعموا فيما روى الناس: أن زريرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رآه بحيرى ، في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه ابي طالب ، فأرادوه ، فردهم عنه بحيرى ، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ، وأنهم إن اجمعوا لما ارادوا به لم يخلصوا إليه ، ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال : فتركوه وانصرفوا عنه : فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة ، واحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة ، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما ، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة .
حديثه صلى الله عليه وسلم عن عصمة الله له في طفولته
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما ذكر لي – يحدث عما كان الله يحفظه به في صغرة وأمر جاهلية ، أنه قال :
(( لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان ، كلنا قد تعرى وأخذه إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة : فإني معهم كذلك ,وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه ، لكمة وجيعه ، ثم قال : شد عليك إزارك ، قال : فأخذته وشددته علي ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي ، وإزاري علي من بين اصحابي)) .
حرب الفجار
سببها
قال ابن هشام : فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أربع عشرة سنة ، أو خمس عشرة سنة ، فيما حدثني أبوي عبيدة النحوي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة ، وبين قيس عيلان ، وكان الذيب هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، أجار لطيمة للنعمان ابن المنذر ، فقال له البراض بن قيس ، أحد بني ضمره بن بكر بن عبد مناة بن كنانة :
اتجيرها على كنانة ؟ قال : نعم وعلى الخلق ( كله) فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته ، حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروه ، فوثب عليه البراض ، فقتله في الشهر الحرام ، فلذلك سمي الفجار ، وقال البراض في ذلك :
وداهية تهم الناس قبلي
هدمت بها بيوت بني كلاب
رفعت له بذي طلال كفى
شددت لها بني بكر ضلوعي
وأرضعت الحوالي بالفروع
فخر يميد كالجذع الصريع
وقال لبيد بن ربيعه بن مالك بن جعفر بن كلاب:
أبلغ إن عرضت بني كلاب
وبلغ إن عرضت بني نمير
بأن الوافد الرحال أمسى
وعامر والخطوب لها موالي
وأخوال القتيل بني هلال
مقيما عند تيمن ذي طلال
وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام .
نشوب الحرب بين قريش وهوازن
قال ابن هشام : قأتي آت قريشا فقال: إن البراض قد قتل عروة ، وهم في الشهر الحرام ب عكاظ فارتحلوا وهوازن لا تشعر ( بهم ) ثم بلغت الخبر، فأتبعوهم ، فأدركوهم قبل أن بدخلوا الحرم ، فاقتتلوا حتى جاء الليل ، ودخلوا الحرم ، فأمسكت عنهم هوازن ، ثم ألتقوا بعد هذا اليوم أياما والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم ، وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم .
حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير فيها وعمره
وشهد رسول الله بعض أيامهم ، أخرجه أعمامة معهم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كنت أنبل على أعمامي )) أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
سبب تسميتها بذلك :
قال ابن اسحاق : هاجت حرب الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة ، وإنما سمى يوم الفجار ، بما استحل هذان الحيان كنانة وقيس عيلان فيه من المحارم بينهم .
قواد قريش وهوازن فيها ونتيجتها
وكان قائد قريش وكنانة خرب ( بن ) أمية بن عبد شمس ، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة ، حتى إذا كان وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس .
قال ابن هشام : وحديث الفجار أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائة قطعة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.