زوَّجتُه نفسي على الإنترنت فهل أصبحتُ زوجَتَه بالفعل؟
لم تدرك الفتاة التي لم تتجاوز العشرين عاماً، أن ما فعلته على شبكة الإنترنت، على سبيل اللهو سوف يتحول إلى أزمة تدفعها للذهاب إلى لجنة الفتوى في الأزهر تطلب رأياً، فقد تعرفت على شاب من خلال غرف المحادثة، وقالت له: «زوجتك نفسي على سُنَّة اللهِ ورسولِه»، وحدثت بينهما علاقة من خلال كاميرا الإنترنت، ثم ندمت على ما فعلت، خصوصاً عندما تقدم لها عريس محترم. فالشاب الذي عرفته من الإنترنت أكد لها أنها زوجته ولا يحق لها الزواج بآخر إلا بعد أن يطلقها، مؤكداً أنه كان معه شهود عندما زوجته نفسها من خلال «التشات». وهكذا عاشت الفتاة ندماً وحيرة وأصبحت مأساتها درساً لكثيرات ممن قد يقعن في الورطة نفسه. فبماذا أفتاها رئيس لجنة الفتوى؟ وما هي آراء رجال الدين في زواج الإنترنت؟
تم عبر الإنترنت خطأ وحرام شرعاً
في البداية نعرض لرد الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، على تلك المأساة. يقول: «ما تم عبر الإنترنت خطأ وحرام شرعاً، إلا أنه ليس زواجاً شرعياً صحيحاً، لأنه يشترط لصحة الزواج عند جمهور الفقهاء، وجود ولي المرأة، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا نِكاحَ إلاَّ بوليٍّ وشَاهِديْ عَدلٍ»، وقوله، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيُمَا امرأةٍ نُكِحَت بغير إذن ولِيِّها فنكَاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ».
وبالتالي فإن ما تم عبر الإنترنت ليس زواجاً صحيحاً مكتمل الشروط والأركان، لعدم وجود الولي والشهود أو المهر والإشهار، وما يقوله هذا الشاب من وجود شاهدين لا يعتد بشهادتيهما شرعاً لأنهما ليسا شاهدي عدل، وإنما هما عابثان اجتمعا مع ذئب عابث لا يحترم شرع الله، وغرر بالفتاة وخدعها. ولهذا أحذر الفتيات من الوقوع فريسة للذئاب البشرية التي لا تحترم الأعراض، وتعتدي على عفة البنات باسم زواج الإنترنت، وما هو بزواج، ولهذا يجوز لتلك الفتاة الموافقة على من تقدم للزواج بها من خلال أسرتها».
عبث
وتؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد الدكتورة عبلة الكحلاوي، أن «ما يحدث بين الشباب والفتيات، من خلال الإنترنت من محادثة وتعارف، قد يصل إلى الاتفاق على الزواج وإتمامه، عن طريق إحضار شهود على الزواج في غيبة وليِّ الأمر. وهذا لا يجوز شرعاً لأن عقد الزواج لا بد أن يتم في مجلس العقد، أي بوجود أسرة الطرفين، والشهود العدول، والمأذون الشرعي الذي يعقد العقد لضمان حقوق الطرفين وواجباتهما، وضمان حقوق ثمرة هذا الزواج، أما زواج الإنترنت فلا يترتب عليه أي حقوق شرعية لأي طرف من الطرفين، وإنما هو عبث حرمه الشرع، وما بُني على باطل فهو باطل».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن «غرف الدردشة تأخذ حكم الخلوة المحرمة شرعاً، لقول النَّبيِّ، صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم: «لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ، إلاَّ كانَ ثالثَهُما الشَّيطانُ». ومن يتأمل العلاقات التي تنشأ عبر الإنترنت، يدرك أنها تستهدف إشباع الغريزة فقط، حتى لو تطورت إلى زواج لن تتحقق فيه ضوابط الزواج المستقر الذي يعرف طرفاه ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ولهذا فهو مرفوض شرعاً لقول رسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». وبالتالي على هذه الفتاة التوبة الصادقة إلى الله، والندم على ما فعلت، لأنها فرطت بعفتها وكرامتها، ووقعت ضحية ذئب لا يرحم».
فتقد الإشهار
أوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبد الله النجار، أن «الزواج سُنَّةُ الأنبياء والمرسلين، وهو، كما وصفه الله سبحانه وتعالى، «سكن»، لأنه قرار مصيري بل هو من أهم القرارات في حياة المسلم والمسلمة، ولما كان الزواج بهذه الأهمية لا بد، قبل الإقدام عليه، من أخذ كل وسائل الاحتياط والحذر، والاستعداد النفسي والبدني، وكل هذا غير متوافر في زواج الإنترنت الذي غالباً ما يكون طرفاه يجهل أحدهما الآخر».
وبرهن النجار على بطلان زواج الإنترنت بعدم «توافر الأركان والشروط التي شرعها الإسلام، ومن أهم أركانه اشتراط وجود الولي للزوجة، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «لا نِكاحَ إلاَّ بوليٍّ وشَاهِديْ عَدلٍ». ومن يتأمل سلوك الرجل والمرأة عبر الإنترنت، نجد كل أقوالهما وسلوكياتهما مرفوضة شرعاً، ومرتبطة بالإثارة الجنسية، ويتم ذلك في الخفاء بعيداً عن أعين الناس.، وقد نسيا أن الله مطلع عليهما، وهو سبحانه القائل «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر. كما أمرنا النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بإعلان الزواج حتى يكون صحيحاً فقال: «أعلنوا النكاح». وجعل هذا الإعلان علامة تميز النكاح الحلال من الحرام، فقال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ». وهذه الضوابط لم تتم في زواج الإنترنت، وبالتالي لا قيمة له شرعاً، ويجوز لتلك الفتاة أن تتزوج زواجاً صحيحاً، وأن تندم على ما فعلت، وتتعلم من هذه التجربة المريرة.