منتدي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي

منتدي تعليمي، ترفيهي، اجتماعي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الجديدالجديد  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 رمضان و التغيير في حياتنا

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
نور الدين
نائب المدير

نائب المدير
نور الدين


عدد المساهمات : 5431
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 26/04/2010

رمضان و التغيير في حياتنا Empty
مُساهمةموضوع: رمضان و التغيير في حياتنا   رمضان و التغيير في حياتنا Icon_minitimeالخميس 12 أغسطس 2010, 3:42 am




بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان و التغيير في حياتنا
الشيخ إبراهيم بن عبد الله الدويش

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وعد الصائمين المتقين أجراً كبيراً، وأعد لهم خيراً كثيراً، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً،
أما بعد،
إخوتي بالايمان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان هذا اللقاء "رمضان والتغيير في حياتنا".
نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم أجمعين، وأن يغفر لنا التقصير والخلل، وأن يغفر لنا ضعفنا، إنه على كل شيء قدير.
معاشر الإخوة والأخوات، رمضان سلوة النفوس، وأنس القلوب، وروضة العقول، وبلسم للهموم، وعزاء لمن تلطخ بأوحال المعاصي، فأيامه البيض تمحو صفحاتها السود، إنه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر مبارك، وحسنات تضاعف، وذنوب تغفر، ونفوس تسابق على الخيرات، وحرص على العبادات، واجتماع ومودة، إنها بشائر فأبشروا، أبشروا أخوة الايمان، وتفائلوا وأقبلوا على الله.
بشاراتي يفيض بها. ..
لكم يا قوم إحساسي...
بشاراتي زهورٌ أينعت...
في قفر أتعاسي...
بشاراتي ندى أملٍ...
يبللُ حرقة الآسي. ..
بشاراتي أعاصيرٌ. ..
تحطم صخرة اليأسِ. ..
نعم أبشروا فنحن أحوج ما نكون اليوم لتحطيم اليأس، وطرد آثار الحرب النفسية التي يشنها أعداءنا ليحطموا الخير في نفوس أمتنا، وليبثوا العجز والكسل، والفتور ينخر في قلوب رجالنا ونساءنا وشبابنا، لكن هيهات، هيهات، فالإسلام دين سماوي عظيم، لو تأملنا في أركانه الخمسة فقط لوجدنا أنها تبعث في النفوس الأمل، وتملؤها بالعز والفخر والأمل، ابتداءً من كلمة التوحيد وإفراد الخالق في العبودية دون المخلوقين، والصلوات المفروضة التي تغسل أدران العبد كل يوم خمس مرات، ودفع الزكاة لتطهير النفس من الجشع والبخل وحب الذات، والحج مؤتمر المسلمين العالمي المليء بالدروس والأسرار ووحدة الصف، وشهر رمضان الذي يقلب الكيان ويهز النفس والوجدان.
فأنّا لأعداء الإسلام أن يحطموا نفساً قامت على هذه الأركان ورضيت بالإسلام؟ ولذا فلا نعجب يوم تتحول المعركة بكل وسائلها من حرب على المسلمين أنفسهم الى حرب على دينهم وثوابتهم وعقيدتهم، ولعلكم لاحظتم هذا في هذه الحرب التي تشن على المسلمين، نعم تحولت بكل وسائلها من حرب على المسلمين أنفسهم الى حرب على دينهم وثوابتهم، فقد تبين لهم أن المسلم نفسه يخطىء ويعصي وينغمس بالكبائر، لكن اذا هبت رياح الايمان، وأمطرت سحائب الأركان، تنبه الغفلان، وأفاق السكران، وإذا الصلاة نور، والصدقة برهان، والحج والصيام مكفرات للآثام، فهنيئاً لكم بني الإسلام، هنيئاً لكم يا بني الإسلام، وموتوا بغيظكم يا أعداء الملة والايمان، وهكذا لم يجدوا بداً من الحرب على الإسلام نفسه، ومبادئه، وأصوله لإثارة الشبهات والشكوك والأقاويل، ولكن كما قال عليه الصلاة والسلام: "ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر"[1]. فأبشروا وتفاءلوا وأملوا واملؤوا قلوبكم بحب الدين ونفوسكم بالثقة واليقين، فهيا نتقدم، هيا نتقدم للأمام، ونسعى للأفضل، ولا نرضى بالدون والهوان، ولنستعذ بالله من العجز والكسل على الدوام خاصة وأننا في شهر رمضان، شهر رمضان فرصة عظيمة، ومناسبة جميلة للتغيير للأفضل، خاصة في رمضاننا هذا، فنحن في زمن المتغيرات وعلى كافة المستويات، والجميع متفقون أن التغيير للأحسن أمر محمود، بل مطلوب ما دام منضبطاً بالمبادىء والثوابت، فلا يصح أن يتقدم العالم كله من حولنا ونحن جامدون لا نتحرك، بل ربما البعض يتراجع ويتأخر، وأنا لا أشك أن الكثير من المسلمين، من الناس، إن لم يكن الجميع، يرغب أن يغير للأفضل وضعه النفسي أو السلوكي أو المادي أو الإجتماعي أو العملي أو العلمي أو الأسري أو غير ذلك، والتغيير للأحسن مطلب شرعي كما قالى عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد:11)، ويقول الحق: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الانفال:53)، إذاً معاشر الأخوة والأخوات، كلماتي هذه نداء لكل مسلم ومسلمة للإفادة من هذا الشهر المبارك، أن يقف بكل صراحة مع نفسه فيعرف خيرها وشرها، ويسعى لتطويرها وتهذيبها، فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأرشده وهداه النجدين، ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، يقول الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه، والله تعالى يقول: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}(الانسان:2)، فمن توجهت همته الى العلا يناله، وكذلك من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فسيلحقه بقدر دنو همته من الذل والمهانة والتبعية: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس:7-10)، فالمسببات مرتبطة بالأسباب، والمقدمات منوطة بالنتائج، فمن قام بالسبب وحقق النتائج فسيصل الى النتيجة بمشيئة الله.

أيها الإخوة والأخوات، التردد والانحطاط والتخلف الذي يعيشه الكثير من المسلمين بكافة الجوانب ليس إعتباطاً بل هو نتيجة إغفال، إهمال طويل، وبعد عن أسباب العزة، وعدم الأخذ بأسباب القوة التي أمرنا بها ربنا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}(الانفال:60)، ولا مخرج مما نحن فيه من الواقع البئيس إلا إذا غيرنا ما بأنفسنا ورجعنا إلى منبع عزتنا ومصدر كرامتنا "ديننا" الذي أنقذنا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات الى النور: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور}(البقرة:257)، فعلينا أن نغير الكسل بالجد والخمود والتبعية بالتحرك والأخذ بزمام المبادرة وتربية النفس المسلمة على ضوء تعاليم الإسلام، ومن ثم صياغة الفرد، بل المجتمع، بالتذكير والتطورات والقيم والموازين على منهج القرآن، وخصائص ومميزات رمضان فرصة لا تعوض للجادين والراغبين حقاً بالتغيير.

ومن أهم هذه الخصائص:
أولاً: أن رمضان ثلاثون يوماً، وأنت كل يوم تمسك في الصباح الى المغرب فلا تشرب ولا تأكل ولا تجامع ولا تسب ولا تفسق، وهذا تدريب مستمر له أثر كبير على برمجة النفس وعلاج قصورها ومشاكلها، وعلماء النفس يرون أن التغيير الحقيقي يجب أن يكرر على التوالي من ست إلى واحد وعشرون مرة ليحدث تغييراً ناجحاً في حياتك، وهكذا أخي في كل مشكلة اعتدت عليها كالتدخين أو الغيبة أو الغضب أو النظر المحرمة أو غيرها، فأول خطوة هي برمجة العقل الباطن بأن تتخيل في نفسك ترك تلك العادة، وكرر هذه التخيلات مرات إلى أن يصبح النجاح في الخيال أمراً عادياً، فالتغيير يبدأ من الداخل، وعندها يمكن البدء بخطوات عملية صغيرة، ثم كرر ذلك، كرر هذا النجاح في محاولات أكثر وأكبر الى أن تتغلب على المشكلة باذن الله.

ثانياً: وجوب تبييت نية الصيام في رمضان من الليل دون تردد أو ضعف رأي بل بقرار واضح بيت بليل كما يقال، والتردد أو الضعف في اتخاذ القرار مشكلة من أكبر المشاكل التي تواجه الكثير من المسلمين على جميع المستويات وبالأخص مع النفس، والمسلم قوي صاحب قرار، فأمره كله خير متى فعل الأسباب واتخذ التدابير، أما التردد فلا يربي نفوساً ضعيفة فحسب بل يأتي بأمراض نفسية وجسمانية وقلق وحيرة كما نلاحظ عند الكثير من شباب المسلمين، فالتردد يبدأ بسيطاً في اتخاذ قرارات صغيرة ثم يكبر ويكبر فيصبح عادة للانسان فيصبح ضعيفاً غير قادر على اتخاذ أي قرار بسهولة، ولذا فقد جاءت كلمات دعاء الاستخارة قوية قاطعة مليئة بالثقة واليقين.
تأمل أخي الحبيب: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسالك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان هذا الأمر (ثم يسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كان هذا الأمر (ثم يسمي حاجته) شر لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به"[2]. كلمات مليئة بالثقة واليقين، كلمات قوية.

وهكذا رمضان يربي المسلم داخلياً بمجرد تبييت النية على الصيام، ثم إمساك ثم إفطار وهكذا يتكرر بدقة متناهية يتخذ المسلم قرارات متتالية كل يوم خلال هذا الشهر المبارك لكن متى يتنبه المسلم لهذا التربية الايمانية العجيبة؟ نعم معاشر الإخوة متى نتنبه إلى محاسن شريعتنا ومقاصدها؟ ومن تأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"اللهم إني أسالك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد"[3]، علم عظمة هذا الدين وتربيته للمؤمن
إذا كنت ذا رأي فكـن ذا عزيمـة فإن فسـاد الـرأي أن تتـرددَ
ذلك من خصائص هذا الشهر، وكونه فرصة للتغيير، خروج الإنسان عن المألوف المعتاد سواءً في مواعيد طعامه أو في صلاته أو في نومه أو في وظيفته أو غير ذلك، فالطعام مثلاً في غير رمضان يكون ثلاث وجبات، أما في رمضان فهما وجبتان في وقتين لا يمكن أن يخطر لك على بال أن تأكل فيهما في غير رمضان، بل ربما إذا قام أحد في غير رمضان ليأكل في ساعات الليل الأخيرة لاستنكر ذلك عليه –سبحان الله- أما في رمضان فتتغير الأحوال ويخرج المرء عن المألوف ويجدد الروتين المعتاد، والإبداع كما يقولون خروج عن المألوف، وما أحوجنا اليوم إلى الإبداع والتجديد، بل إن التغيير والخروج عن العادة من أهم أسباب التغلب على القلق وضغوط الحياة.
وتأملوا تنوع مواسم الطاعات والحوافز فيها، فما إن ينتهي رمضان حتى يأتي العيد، ثم الحج بأشهره الحرم وبعده العيد، ثم عاشوراء، وهكذا كل عام، فلا تمل النفوس، وإن فترت عادت وانطلقت من جديد للتجديد، بل من حرص على تغيير الدعاء في السجود مثلاً أو الركوع أو بقية أفعال الصلاة بحسب تنوع الأدعية المسنونة الثابتة وجد أثر هذا على نفسه وخشوعه وحضور قلبه، ومثل هذا في الشرع كثير أنه خاتم الأديان دين الإسلام، ديننا عظيم حتى جهله كثير من أبنائه للأسف.

ثالثاً: تنظيم الوقت. فتأملوا حالنا في رمضان: ساعة محددة للإمساك، وساعة محددة للإفطار، وثالثة لصلاة التراويح، وهكذا. دقة وإلتزام وتنظيم، بل إنك لتعجب أشد العجب أن الجميع من المسلمين في مدينتك يفطرون في لحظة واحدة، وفي دقيقة واحدة –سبحان الله- ما أعظم هذا الدين الذي يربي في المسلم مثل هذا التنظيم ومثل هذه الدقة العجيبة! ولهذا اثر كبير على النفس، أما من لا يعطي أهمية للوقت والتنظيم فلن يكون لحياته أهمية لأن الوقت هو الحياة.

رابعاً: البيئة من حولك. تأمل الناس من حولك أخي. تأمل المسلمين من حولك. بيئة إيجابية مشجعة، فجميع المسلمين من حولك صائمون، وكلهم على الخير مقبلون، يتصدقون، يصلون، يتنافسون، الجوائز والحوافز في رمضان كثيرة؛ مضاعفة الحسنات، تكفير السيئات، فتح أبواب الجنان، إغلاق أبواب النيران، الشيطان مصفدة، إذاً فلم يبق إلا نفسك التي بين جنبيك. نعم أخي. لم يبق إلا نفسك التي بين جنبيك، فجاهدها وحاسبها وطورها، فالظروف مواتية والأسباب مهيأة، فاستعن بالله ولا تعجز: "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"[4]، فلا تهلكها أخي بالتسويف والمماطلة وخداع النفس، فالأيام تمضي والعمر يجري وأنت لا تدري، وها نحن في آخر رمضان، -سبحان الله- مر كأن لم يكن، ولكنه مر من أعمارنا، وهو لنا أو علينا، فيا أيها الحبيب ما فعلت؟ هل تغيرت؟ هل حاولت؟ هل جاهدت نفسك وبذلت؟ ماذا قدمت؟ فأنت في آخر رمضان، فكيف أنت الآن؟ أسئلة كثيرة يجب أن تسألها لنفسك الآن، فموسم الحصاد قريب، ويوم الجوائز بعد أيام، يوم العيد أخي، لن أسالك عن التراويح والقيام وقراءة القرآن والصيام والصدقة وصلة الأرحام، فإني أرجو أن تكون قد فزت بالأجر من الكريم المنان، لكني أسالك عن ثمرة الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تتقون}(البقرة:183)، فكم بلغت عندك نسبة التقوى؟ هل زاد معيار الإيمان؟ فشهر رمضان كما أسلفت يقلب الكيان ويهز النفس والوجدان. لقد رأيتهم وأنفسهم تتهتك، وجلست معهم وقلوبهم تتخرق، وسامرتهم ودموعهم تتدفق، إنهم بعض من استجابوا لنداء التغيير، بعض من أنعم الله عليهم فادركوا أنفسهم في رمضان هذا العام؛ فكان مبتلى بالتدخين فجاهد نفسه فنجح، ومفتون بالزنى عرف طعم المحبة لله فنجا، وتارك للصلاة استيقظ فرجع، دون مبالغة –والله- فقد كنت أجمع شتاتي وأتصيد أوقاتي لأجلس وأسمع للمنتصرين على أنفسهم وهم يتحدثون عن نشوة الإنتصار وحياة الأحرار بعد رق دام أعوام، إنها معركة التحرير من أجل التغيير، وهم بفضل الله كثير، فخلال هذه الأسابيع من رمضان، أحدهم استطاع أن يتدبر الكثير من القرآن، والآخر تخلص من السهر، والثالث بدأ عبادة، لأول مرة يعبد الله فيها، فقد ارتحل ليعتكف بالمسجد النبوي وقد عزم على الكثير، أسال الله عز وجل لنا ولهم التوفيق والثبات حتى الممات. إنها صور سريعة لمن جد ووجد ولمن زرع حصد: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(يونس:58)، وجدير بكل عاقل الآن، وما بقي على رمضان إلا أيام، أن يسأل نفسه عن نسبة ما حصله من ثمرة الصيام: {لعلكم تتقون}(البقرة:183)، التي هي أصل التغيير، فالبعض منا إذا سمع لفظ التقوى ظن أننا نطالبه بأن يكون تقياً ورعاً ولياً من الأولياء، يترك الكثير من الحلال مخافة الوقوع بالحرام، أو ظن أننا نطالبه أن يترك الشبهات مخافة الوقوع بالمحرمات، إننا نتمنى أن نكون على هذا القدر رغم وجود ثلة مؤمنة، ولكن {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}(يوسف:103)، نشكو إلى الله حالنا وضعفنا، فواقعنا مر علقم، فُرض علينا أن نطالب بأقل درجات التقوى ومراقبة الله وهي أن يكون لدينا شيء من الإيمان يحفظنا من الوقوع في الحرام وألا ننغمس في المعاصي والآثام جل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى،
واصنـع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحـقـرن صـغيرة إن الجبـال من الحـصى
أخوة الإيمان، إن عبداً تُعرض عليه التقوى كزاد ثلاثين يوماً، بل كل ساعة من هذه الأيام، بالليل والنهار، ففي النهار صيام، وبالليل قيام، ثم لا يتزود بالتقوى ولو بالقليل القليل فهو عبد فاسق صاحب نفس خبيثة: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}(النور:40)، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}(النور:40).
عجباً لله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار ثم لم يعتق ولا ليلة -أعوذ بالله- لم يعتق رغم كل تلك الخصائص ورغم تلك الحوافز و الجوائز ورغم أن كل شيء من حوله محفز ومشجع ثم لم يفز برمضان: {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(الحج:11).
أعرفت الآن أيها المسكين؟ أعرفت معنى قول المصطفى -أفضل السلام وأزكى التسليم-: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف"، قالوا: "من يا رسول الله"؟فقال صلى الله عليه وسلم: "من أدرك رمضان فلم يغفر له"[5]، إنه أنف مهان، أرغم في التراب تحقيراً له يوم أضاع شهراً فيه كل أسباب الغفران ثم لم يغفر له وليس له عذر ولا حجة، فماذا سيقول لربه؟ بأي وجه سيقابل ربه؟ يا ليت شعري، يا ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنّى، يا خيبة المردود من تولى عنه بغير قبول.
أرغم الله أنفه بخزي شديد، رب قائم حظه من قيامه السهر وصائم حظه من صيامه الجوع وعطش، إذ هي ليست ركعات وإمساكاً فحسب، بل هي حياة للقلب، نعم والله إنها حياة للقلب بالتقوى، فهو مع الله والله معه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}(النور:52)، نعم الفائزون برمضان هم من واصلوا بناء مشروع السد المنيع بينهم وبين الوقوع بالحرام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183)، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}(الطلاق:5).

معاشر الإخوة والأخوات!
إن أناساً تعرفونهم دخلوا رمضان وأوشكوا على الخروج ولم يتغيروا، بل لم يتحركوا، بل ما زادهم رمضان إلا سهراً وغفلة وإغراقاً بالشهوات والمعاكسات والفضائيات حتى ليصدق فيهم قول القائل: وكنت امرءً من جند إبليس فارتقى حتى أصبح إبليس من جندي، فلو مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق ليس يحسنها بعدي، فالحمد لله أن هدانا الله، الحمد لله أن هدانا الله وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله. اللهم لولاك ما اهتدينا ولا تصدقنا لا صلينا، فانزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا.
من لا يغفر له في رمضان فمتى؟ نعم أيها الإخوة، من لا يغفر له في رمضان فمتى؟
متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟ نعم أخي قل لي متى؟ أيها المسكين قل لي متى؟
فلم يبق إلا نفسك التي بين جنبيك لكنها نفس خبيثة فلا تجاملها حتى وإن كانت نفسك، بل أصدق معها وحاسبها، بل والله أدبها وعاتبها، فنفس تفوت كل هذه الفرص كَبـِّر عليها أربع وصَلِّ عليها صلاة الجنازة، فذهابها والله خير من بقائها، فكل ما لا يثمر من الأشجار في أوان الثمار فإنه يقطع ثم يوقد في النار، النار التي تذيب كل قاتل إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل، يسحبون في الحميم، ثم في النار يسجرون، لكن هؤلاء تذكر الجنة والنار ولا يتأثرون، حتى الأمراض والمصائب منها لا يخافون، يوعظون فيعرضون قلوبهم كالحجارة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(البقرة:74)، وقلوب هؤلاء أقسى من الحجر.
اللهم أَجِر القلوب من جور النفوس.
نعوذ بالله من الغفلة والقسوة والأعراض: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ}(النساء:135)، فهو العليم بك، نعم أخي، إنه العليم بك، الخبير بحيلك، فلا تعجبك نفسك، -سبحان الله- معجب بشبابك، معجب بجمالك، معجب بمالك، أخي، لا تتفلت، ولا تتلفت، فأنا أعنيك أنت، نعم، أنت، فداوي أخي قلبك، فالله يريد صلاح القلوب. عجباً لك أخي! حتى في رمضان أنت في غفلة وهوان؟ حتى في رمضان أنت في إعراض وخسران؟ فهل سألت نفسك لماذا كل هذا الإعراض؟ أجب. لماذا كل هذا الإعراض؟ أجب وتعال لآخذ بيدك، فاني أحبك وأحب الخير لك. أكل هذا العناد من أجل الشهوات؟ إنما هي لذات للحظات ثم تعقبها حسرات. أم هو من أجل الجلساء والأصحاب؟ فستعلم حقيقتهم يوم تعض على يديك، يوم تقول: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}(الفرقان:29)، أم هو الشيطان؟ فعشرات الآيات في القرآن تحذرك منه وأنه العدو الأول للإنسان، وقد صفد في رمضان.
إذًا كن صادقاً وواجه نفسك ولو لمرة. إنها نفسك الأمارة، فقل لها لقد ضللتي طريق الهدى، فقفي واسألي، تدبري أمرك وتأملي قبل ألا تمهلي.
يا عجباً! أريد حياة نفسي ونفسي تريد مقتلي؟
أين أنت من أقوام يتسابقون هذه الأيام على الخيرات؟
بماذا تجيبك نفسك الأمارة وأنت تقول لها أما ترين الميعاد وقد ملؤوا الحرم والساحات وهم في دعوات ودمعات وأنت تلاحقين الشهوات؟ يا ثقيلة النوم. أما ينبهك القرآن؟ أما توقظك لذعة الجوع والحرمان؟ ألا تخافين؟ ألا تنزجرين يا نفس؟ رفقاً بي فقد استحييت من كثرة العاتبين الناصحين.
أخي! لعلها تقول لك ما زلت في زمن الشباب وأمامك رمضانات، فلو إنك قلت لها هيهات، هيهات، فمن يمسك هادم اللذات؟ ومن يوقف مفرق الأصحاب والجماعات؟ اليوم صاحبي فلان، وغداً يقال عني مات! يا نفس! لقد فصلت ثوب العيد فهل سألبسه أم الكفن الذي منه أحيط؟ لكن بدلاً أن تقول لها هذا، أراك أخي استسلمت لها، وأصبحت أسيرها وذليلها حتى في مواسم الخيرات: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}(الحديد:14).
يـا رب عفـوك لا تأخـذ بزلتنـا وارحم يا ربنـا ذنباً جنينـاه
كـم نطلب مـن الله بضر يحـل بنـا فإن تولت بلايـانا نسـيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سـفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطىء عصيناه
ونـركب الجو في أمن وفي دعة فما سـقطنا لأن الحـافظ هـو الله

فيا كل غافل، وكلنا غافلون، ويا كل مسوف، وكلنا مسوفون، ويا كل غريق، وكلنا غارقون، استعذ بالله من شر نفسك، تلك التي لم تنتصر ولم تفلح هذا الشهر رغم كل هذه الفرص، واستعن بالله عليها، فلا معين لك إلا الله، الجأ اليه وانطرح بين يديه وقل أشكو إليك نفسي، نعم أشكو إليك نفسي، نفسي التي يقول عنها يحيى بن معاذ: "من سعادة المرء أن يكون خصمه فهماً وخصمي لا فهم له {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}(طه:82)."، قيل له: "ومن خصمك"؟ قال: "نفسي تبيع الجنة بما فيها من نعيم مقيم بشهوة ساعة". فقل أخي، قل: يا رب أشكو إليك نفسي، فإن لم تعني عليها فمن لي؟ ليس لنا أخي إلا الله. أي والله ليس لنا إلا الله، خاصة في مثل هذا الزمن، زمن الشهوات والشبهات، وزمن المتغيرات، ليس لنا أخي إلا الله، هو الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، فاقبل عليه يقبل عليك، واسمع لقوله يفتح عليك:
املأ قلبك بحب الله، وتزود من تقوى الله خير زاد على الدوام وخاصة في رمضان، وأكثر من الإستغفار، ففي الحديث: "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة"[6] كما عند أبي داود والترمذي والبزار في مسنده، وحسنه ابن كثير في تفسيره. جعلني الله واياكم من المتقين الأبرار اللابسين لباس التقوى بالليل والنهار، إنه سميع مجيب عزيز غفار.
ولعلك أخي تسأل أين الطريق؟ ماذا أعمل؟ كيف يكون التغيير؟
فأقول رغم كثرة الأحلام والآمال وعريض الأماني، فإن العمل يبدأه "سوف" و"لعل" و"عندما" وتضيع الآمال وتنتهي الأحلام في زحمة الحياة، فلا يكاد يتحقق شيء. وها هو أخي رمضان يكاد ينصرف وقد مر عليك قبله رمضانات كثيرة، فعل أنت راض عن نفسك؟ وهل أنت راض عن تلك الرمضانات التي مرت؟ وهل هي حجة لك عند الله أم عليك؟ كم عاهدت فنقضت؟ كم واعدت فأخلفت؟ وها هو الله الحليم الرحيم يمد في عمرك ويمهلك وينعم عليك بفرصة أخرى ما بقي فيها إلا القليل، فماذا فعلت أخي؟ قد تخرج من رمضان بصيام وقيام وقراءة قرآن وخيرات حسان لكنك لم تخرج بالتغيير المنشود،لم تخرج بجديد تضيفه إلى شخصيتك وخصالك، وإلى دينك وأمتك، لم تستمتع برمضان حقيقة الإستمتاع،لم تستفد من المتغيرات الرمضانية من حولك، فإن عزمت على التغيير للأفضل وأردت أن يكون رمضان نقطة البداية في آخره، فتوكل على الله، وهاك خطوات عملية للتغيير علها أن تكون عوناً لك. اخرج ورقة وقلماً وسجل وكرر النظر إليها لعلها أن تنفعك:

أولاً: وضوح الهدف ودقة تحديده مع إمكانية الوصول إليه: كشاب طموح يريد أن يحفظ القرآن، أو آخر يريد أن يقلع عن عادة سيئة خلال هذا الشهر، فحدد الهدف ووضحه بدقة.

ثانياً: حدد الوسائل المعينة للوصول للهدف: كطبيب أو صديق أو قراءة أو تدريب، واحذر الطموحات البراقة، ولكن على قدر امكاناتك، فتنبه، فقد تكون قدراتك أكبر مما تقوم به الآن، فلا ترضى بالدون، ولكن أيضاً ضع نفسك في مكانها الحقيقي دون تكبر أو خسران.

ثالثاً: ضع برنامجاً عملياً لك مكتوباً محدد الأوقات لتحقيق تلك الوسائل الآنفة الذكر كأن تحاول أن تتخلص كل أسبوع من عادة سيئة واحدة أو اكثر، وتذكر القاعدة التي تقول: "إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل"، وكرر النظر والقراءة لخطة العمل وتذكر دائماً أن شهر رمضان شهر عمل لا شهر كسل.

رابعاً: ابدأ التنفيذ وتذكر أن الفشل طريقك إلى النجاح، فإذا فشلت مرة فتأكد أنك على الطريق الصحيح، واعلم أن الذي لا يخطىء هو الذي لا يعمل، وتعلم من أخطائك واجعلها وقودك إلى النجاح المهم، لا تقل فشلت ولو كررت مرات.

خامساً: اكسر حاجز الخوف ولا تتخوف من التغيير كما يفعل الكثير، فكثيرا ما نخاف من اي جديد، تذكر ان مبادرة واحدة افضل من مئة كلمة، وان الافعال هي الطريق الى النجاح، وان اشعال شمعة واحدة خير من ان تتذمر من الظلام الف مرة، ومن يتهيب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر.

سادساً: استشر الآخرين حول خطواتك القادمة، استشر خاصة الناجحين ويريدون الخير لك، ومن تثق برأيهم، ولا تستشر ضعاف الهمم، أو الحساد أو المجاملين لك.

سابعاً: افرح بنجاحك، وكافىء نفسك على النجاح مهما كان النجاح جزئياً: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(يونس:58)، ففرحك بالتغيير للأفضل ولو كان يسيراً سيقفز بك إلى الأمام.
وأخيراً: احرص على التقييم والمراجعة والمصارحة واحذر من الإستسلام للفشل أو العجز أو التسويف ثم اعلم أخي أن للتغيير الناجح شروطاً لا بد من توفرها:
أولاً: الإرادة والرغبة الأكيدة والجادة في التغيير.
ثانياً: المعرفة للطرق الصحيحة للتغيير المطلوب.
ثالثاً: التطبيق الصحيح.
رابعاً: البدء من الداخل.
خامساً: الإستمرار والعزيمة حتى تحقق ما تريد، فأنت تقوم بمشروع بناء، والبناء لا يمكن أن ينهض في يوم وليلة، نعم بناء نفسك، بناء شخصيتك، بل لا بد من حفر الأساس في أعماق نفسك، ثم البدء خطوة بخطوة حتى يتم بناء شخصية عظيمة تؤثر، ولا أقول في محيطك فقط بل والله في العالم كله وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.



معاشر الصائمين والصائمات!
تلك خصائص ومميزات وشروط وخطوات لمن كان جاداً في محاسبة نفسه، حريصاً على نجاتها وتربيتها.
فتعالوا أخوة الإيمان لنستمتع برمضان ولنحذر من العادة فإنها تحول الأشياء التي نستمتع بها إلى ضرورات يومية ربما تبعث على الكآبة والروتين الممل، والدليل على ذلك رمضان، فرغم أن له طعماً خاصاً وله تميزه وخصائصه كثيرة كما تقدم، ورغم عظم الأجر فيه، ورغم التغيير فيه والخروج عن المألوف في حياة الإنسان، إلا أن العادة جعلته عند الكثير من الناس مجرد شهر يمسك فيه عن الطعام والشراب بل هو شهر ثقيل على البعض، فجعلوا الليل للهو واللعب والنهار للنوم والكسل، فالهم عندهم متى ينتهي رمضان.

فهيا معاشر الأخوة والأخوات!
هيا لنستشعر ما في رمضان من جمال وتغيير وخصائص وفضائل، بل أن نحاول أن نستثمر هذا الشهر المبارك لنخرج بأكبر قدر ممكن من الفوائد الحسنات، فهو كما قال صلى الله عليه وسلم: "شهر بركة يغشاكم الله فيه برحمته ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ينظر الله الى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فاروا الله من انفسكم خيرا فان الشقي من حرم رحمة الله"[7]، نعوذ بالله من الشقاء والحرمان، فرمضان مدرسة لتجديد الايمان وتهذيب الخلق وتقوية الروح، رمضان هو الفترة الروحية التي تجد فيها الجماهير والأفراد فرصة لإصلاح تاريخها ومراجعة حساباتها، رمضان محطة لتعبئة القوة النفسية والروحية والخلقية التي تحتاجها كل أمة في الحياة ويحتاجها كل فرد في المجتمع، مدرسة الصوم، أيها الأخوة، تخرّج رجالاً أقوياء في الروح والجسد، فرمضان فرصة لا تعوض للتعليم والتغيير والتخلق بأخلاق جميلة، والتخلي عن كل أفعال قبيحة، ولن ينجح في الحياة ولن يثمر ولن يحقق أهدافه إلا الرجل الجاد فيها، المنتصر على نفسه وشهواته، ولعلي أخي أذكرك بأصول المنهج الذي تربى عليه سلفنا فانتصروا على أنفسهم؛ يقول ابن القيم -رحمه الله-: "القلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية، وتصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة...".

فاحذر أخي من ظلمة النفس فالله عز وجل يقول: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس:10)، والخيبة هي الخسارة في الدنيا والآخرة. ومن مظاهر هذه الخيبة في الدنيا: الضعف والتردد والذل والجبن وانعدام الحياء والمجادلة بغير علم ونسيان سوء الخاتمة، فإن أردت أخي الصلاح والفلاح فتأمل منهج السابقين:

وأول الأسس الرئيسية التي كان يعتمد عليها السلف في تربية النفس هو العلم بأن الله غني عن عباده: نعم غني عن عباده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ}(فاطر:15)، ويقول جل من قائل: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}(العنكبوت:6)، {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(النمل:40)، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}(يونس:108)، {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}(فاطر:18).
إذاً أخي، إن الله غني عنا، غني عنا، غني عنك وعن صلاحك وعبادتك، فأنت الفقير إليه وأنت المحتاج إليه، كل طرفة عين وكل زفرة نفس وكل لحظة وهمسة لا غنى لك عنه بحال، ومن لم يكن الله معه فمن معه؟ ومن تخلى الله عنه فمن له؟

ثانياً من الأسس الرئيسة لتربية النفس في حياة السلفالخوف: فهو الذي دفعه لنهي النفس عن الهوى، وهو الذي دفعه لخوض في معارك مستمرة معها لتذليلها وتحويلها من نفس أمارة بالسوء إلى نفس مطمئنة ولوامة، الخوف من ابتلاع الحق الدائم عليهم بكل لفظة ولحظة وخطوة، وخاطر الخوف من اللحظة الأخيرة هل تكون خاتمة خير أو شر، الخوف من عدم قبول الأعمال: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}(المؤمنون:60)، الخوف من الرياء والعجب ونحوهما، الخوف من عذاب القبر، الخوف من الحساب يوم القيامة.
هل تعلم أخي ما معنى الخوف؟ أعني الخوف الإيجابي الدافع للعمل وليس الخوف السلبي المحزن المثبط المقلق فقط: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعات:40-41). أسال الله الكريم من فضله.
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- لأصحابه: "أنتم في زمان يقود الحق الهوى وسيأتي زمان يقود الهوى الحق". فنعوذ بالله من ذلك الزمان.
والخوف من الله هو الحاجز الصلب والسد المنيع أمام دفعات الهوى العنيفة في مثل هذا الزمن، وقلما يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى.

ثالثاً من الأسس الرئيسة لتربية النفس في حياة السلف والتي يجب أن يتربى عليها الأجيال اليوم تصبير النفس: نعم تصبير النفس:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(الكهف:28)، فالنفس أمارة بالسوء، ومن طبعها التفلت وعدم الإلتزام، فاحتاجت إلى التربية وحبسها عما ترغب من الهوى، ومما يحكى عن بشر الحافي المحدث الزاهد أنه سار ومعه رجل في الطريق فعطش صاحبه فقال له: "نشرب من هذه البئر".
فقال بشر: "اصبر إلى البئر الأخرى". فلما وصلا اليها قال: "إلى البئر الأخرى"، ثم ما زال يعلله ثم التفت إليه فقال: "هكذا تقطع الدنيا". يقول ابن الجوزي معلقاً على هذه الحادثة: "ومن فهم هذا الأصل علل النفس وتلطف بها ووعدها بالجميل لتصبر على ما قد حملت". كما كان يقول بعض السلف لنفسه والله ما أريد من منعك هذا الذي تحبين إلا لإشفاق عليك.
وتذكر أخي من استطال الطريق ضعف مشيه فإياك وطول الأمل.

رابعاً مجاهدة النفس ومكابدتها: "فقد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"[8] كما في صحيح مسلم، وفي رواية البخاري الحجب –أي حجبت الجنة بالمكاره- فلا بد إذاً من اختراق هذه الحجب للوصول الى الجنة.
يقول الإمام الأوزاعي: "عالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي".
ويقول التابعي الجليل مودق عجلي: "أمر أنا في طلبه من عشرين سنة لم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدا". فقالوا:"وما هو يا ابا المعتمر"؟ قال:"الصمت عما لا يعنيني".
ومحمد بن المنكدر يقول: "كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت".
ويقول ابن المبارك: "إن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي أن نكرهها".

خامساً الوقاية من الشح: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(التغابن:16).
ويروي أبو الهياج الأسدي يقول: رأيت رجلاً في الطواف يدعو "اللهم قني شح نفسي"، لا يزيد على ذلك شيئاً. فقلت له فقال إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل السوء. فاذا الرجل عبد الرحمن بن عوف.

سادساً التوكل على الله بصدق: كن كحاتم الأصم لما سأله رجل: "علام بنيت أمرك هذا في التوكل".
قال: "على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمئنت به نفسي"، وصدق –رحمه الله- {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين}(هود:6).
يقول: "وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مسؤول به" –وصدق حين قال عز وجل-: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(النجم:39).
يقول: "وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره"، -وهذا من فقهه رحمه الله-: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}(الجمعة:8)،إذاً فالحل ملاقاته قبل أن يلقانا وذلك بالإستعداد بالعمل الصالح.
يقول: "وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه". انتهى كلامه.
ومن حقق هذه الأربع توكل على الله حق توكله.

سابعاً محاسبة النفس واتهامها لا للومها وتعنيفها بل لزيادة العمل: يقول أبو بكر بن عبد الله المزني: "إذا رأيت من هو أكبر منك فقل هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت منه أصغر منك فقل سبقته بالذنوب والمعاصي فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل هذا فضل أخذوا به، وإذا رأيت منهم تقصيراً فقل هذا بذنب أحدثته".
سبحان الله محاصرة للنفس عجيبة. لا يترك لها متنفس للسوء. ولا فرصة تصطاده فيها أو يصطاد فيها شياطين الإنس، بل يقظة لمداخل النفس وخبثها، ووقفة لإتهام النفس ومحاسبتها، ومع ذلك كانوا يحرصون -رحمهم الله- على مداراة النفس والرفق بها فيرخون لجامها ما دامت على الجادة، فاذا مالت ردت بلطف، فإن أبت وتمنعت فهنا يشتد عليها ويعنفها، وهذه المداراة مداراة النفس فمن لا يوفق إليه إلا القليل فتعلم المداراة مع النفس.

ثامناً الإكثار من النوافل والطاعات:ويكفي شهادة الحق لهم:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}(الذاريات:17).

تاسعاً حفظ النفس من الجوارح: وكان أحمد بن عاصم يقول: "إذا أردت صلاح قلبك فاستعن عليه بحفظ جوارحك".
وكان التابعي الجليل الأحنف بن قيس يقول: "جنب مجالسنا ذكر النساء والطعام إن أبغض الرجل يكون وصافاً لفرجه وبطنه".
واعلم أخي أن للجوارح شروراً فاستعذ بالله من شر سمعك وشر بصرك وشر لسانك وشرور جوارح كلها.

عاشراً ربط الدنيا بالآخرة: نعم كانوا يربطون الدنيا بالآخرة. يقول حاتم الأصم: "من صرف أربعاً إلى أربع وجد الجنة: النوم إلى القبر، والفقر إلى الميزان، والراحة إلى الصراط، والشهوة إلى الجنة".
حادي عشر تحقيق معنى الأخوة في الله. فقد كان ابن المسعود -رضي الله عنه- إذا خرج لأصحابه قال: "أنتم جلاء حزني". وإذا إلتقى طلحة بن مصرف بمالك بن مغول قال: "للقياك أحب إلي من العسل". كانت أخوتهم تناصح وتعاون وتواصي بالحق والصبر.

أخيراً الخوف الدائم من سوء الخاتمة:
فلحظات الخاتمة هي التي أيقظت مضاجع القوم فحرمتهم النوم الهانىء والعيش الهادىء ولم يغتروا بعبادتهم مع كثرتها ولا بصلواتهم مع خشوعها ولا كثرة ما أهلكوا أموالهم في سبيل الله ولا كثرة صيامهم وقيامهم بالثلث الأخير من الليل وهم يسمعون قول نبيهم -صلى الله عليه وسلم-: "وإنما الأعمال بخواتيمها"[9]، فيزيدهم ذلك خوفاً من الله واقبال على العمل الصالح، عجيب، إذاً الخوف من سوء الخاتمة أمر عجيب، حرك تلك النفوس! فهل يحرك نفوسنا؟


أخوة الإيمان!
هذه أبرز الأسس في مناهج تربية السلف لأنفسهم، من أخذها أخذ بحظ وافر. وها قد مضى رمضان ولم يبق إلا أيام. فهل سنستفيد منها؟ فاليوم عمل وغداً أمل، فاعمل ولا تمل، واسبقوا الخيرات واحسنوا وانفقوا في سبيل الله، وتزودوا واتقوا، وبعهد الله أوفوا، وليكن التغيير في حياتنا، فرمضان فرصة عظيمة ومناسبة للتغيير.

"اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار واسكنا معهم في دار القرار، ولا تجعلنا مع المخالفين الفجار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اجعلنا ممن صام الشهر، وأدرك ليلة القدر، وفاز الثواب الجزيل.
اللهم اجعلنا من السابقين الى الخيرات.
اللهم انصر المسلمين المستضعفين، وكن عونا لهم يا رب العالمين، وانتقم لهم من الظالمين.
اللهم انصر جندك.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين في كل مكان.
اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وفك أسر المأسورين من المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء والأموات".
آميـــــــــــن آميـــــــــــــن آميـــــــــــــن

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://telbana.alafdal.net
admin
المدير العام

المدير العام
admin


عدد المساهمات : 1578
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 27/06/2008

رمضان و التغيير في حياتنا Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان و التغيير في حياتنا   رمضان و التغيير في حياتنا Icon_minitimeالإثنين 16 أغسطس 2010, 3:37 pm

جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://telbana.alafdal.net
تلبانه _تلبانه
V I P
V I P
avatar


عدد المساهمات : 7224
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 08/06/2010

رمضان و التغيير في حياتنا Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان و التغيير في حياتنا   رمضان و التغيير في حياتنا Icon_minitimeالسبت 18 سبتمبر 2010, 2:03 am

مشكور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رمضان و التغيير في حياتنا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التغيير يبدأ من النفس
» حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة د. منقذ بن محمود السقار
» حياتنا في هالقصة أنا افتش عن الدين......هل معك الدين؟ فقال الأب لا لقد تركته على بعد مسافة قليلة فدعنى أرجع وآتى به فقال له الرجل انك لن تستطيع فعل هذا فالرحلة انتهت والرجوع مستحيل فقال الاب ولكننى معى في السيارة المال والسلطة والمنصب والزوجة و
» ما هو رمضان
» شهر رمضان الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي  :: المنتديات الإسلامية :: المنتدي اللغوي والإسلامي-
انتقل الى: