الشيخ محمد الغزالي
الربا محرم في الأديان كلها، وقد استباحه اليهود وحدهم في معاملة الأجناس الأخرى مضياً في أنانيتهم المفرطة! فهم يذهبون بأنفسهم وينهبون
غيرهم ويقولون (ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الكذب وهم يعلمون) [آل عمران:75].
وكانت الكنيسة في تاريخها القديم والوسيط لا تتعامل به، فلما جاء عصر الإحياء وشرعت أوروبا تقيم لنفسها نهضة بشرية مجردة تخلصت من
شتى القيود الدينية، ولم تجد الكنيسة بداً من الانقياد لأساليب الحياة الجديدة! ومن هنا استقرت المعاملات الربوية، ثم انساحت إلى العالم كله مع
هيمنة الاستعمار العالمي على شؤون الناس في المشارق والمغارب ..
وصحا المسلمون والمعاملات الربوية يعترف بها القانون الدخيل، وتسود جوانب النشاط الاقتصادي، لا يكاد ينجو منها جانب..
ومع الصحوة الإسلامية في نصف القرن الأخير استطاع أصحاب الغيرة الدينية أن يواجهوا الغزو
الربوي بإنشاء المصارف الإسلامية، وبإنشاء شركات توظيف الأموال ..
والحق أن الإسلاميين أحرزوا نجاحاً واضحاً في الميدان الاقتصادي، حتى كاد ما يسمّى بالبنوك الربوية
يتعطل، وهنا تدخلت السلطة لاستبقاء البنوك تؤدي أعمالها الكثيرة.
والقضية – في نظري – ليست قضية الربا وحده! إن الشريعة الإسلامية غائبة أو مستبعدة من آفاق شتى، ولا تزال أوروبا تفرض علينا حرية
شرب الخمر، واقتراف الزنا، ولعب الميسر، وارتكاب أعمال تحظرها الشريعة! كما أن القصاص وأنواع الحدود أميت العمل بها.
فإذا أريدت العودة إلى الشريعة فلن تتحقق هذه العودة بفتوى تحل المعاملات السائدة في البنوك! فأين بقايا الدين المطاردة هنا وهناك.
إن في المعاملات (البنكية) ما هو مباح بيقين، وما هو محرم بيقين، وما هو خليط يتداخل فيه الخبيث والطيب، وقد صرّح رئيس الدولة بأن
اقتراض أربعة مليارات تمّ سداده بأكثر من عشرين ملياراً، أي أن النظام الربوي العالمي يتم على طريقة الأضعاف المضاعفة، والبنوك في العالم
الإسلامي جزء من هذا النظام العام، تسير وراءه خطوة خطوة ..
وأرى أولاً المحافظة على النهج الإسلامي في المصارف الإسلامية وشركات توظيف الأموال وثانياً النظر في أعمال البنوك التي تسير بالأسلوب
العالمي المعروف على أساس إقرار الحلال وإنكار الحرام، وتفتيت المعاملات المشبوهة بمحو الخطأ وإثبات البديل .. والاستعانة بعلماء يؤدون
واجبهم الديني بعيداً عن تأثير السلطة وبعيداً عن تأثير وسائل الإعلام .. مع ضرورة إلغاء كلمة فائدة، وإزالة كل ما يفيد التبعية للعلمانية الناسية
لأحكام الله والقائمة على إباحة الربا.
وهذه الرسالة الوجيزة جهد مشكور إلى هذه الغاية، ومؤلفها الدكتور يوسف القرضاوي من أئمة المسلمين العاملين لإعادة الإسلام إلى قواعده كلها
بعد ما زحزحه الاستعمار عنها، وأمله وأملنا جميعاً أن نرى ديننا قد عادت له الهيمنة على الميادين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وأن يتمكن
أبناؤه من العيش به.
والله ولي التوفيق
محمد الغزالي