حديث : ( أدِّبه سبعا ) لا أصل له في كتب السنة
السؤال : ذكر أحدهم على مسامعي حديثا يقول : قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : إن هناك ثلاث مراحل لتربية الأطفال : 1- من بداية الولادة وحتى سن السابعة يجب ألا تعنفهم أو ترفض شيئا لهم . 2- من الثامنة وحتى الرابعة عشرة يجب أن تعمل جاهدا لتغرس فيهم أحكام الإسلام وتدربهم عليها. 3- من الخامسة وحتى الحادية والعشرين يجب أن تصادقهم . 4- وبعد أن يتخطوا الحادية والعشرين يمكنك أن تتركهم وشأنهم بصفتهم راشدين . فهل هناك حديث بهذا المعنى ؟ وهل هو صحيح ؟ وهل لديكم المراجع ؟ وما هي الدروس المستفادة منه تفصيلا ؟ وأعتذر عن عدم اقتباس الحديث كما هو .
الجواب :
الحمد لله
لعل مقصود السائل هو ما يتناقله الناس على أنه حديث – وهو ليس كذلك – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (داعِب ولدك سبعًا ، وأدِّبه سبعًا ، وعلِّمه سبعًا ، ثم اترك حبله على غاربه)
فإن كان كذلك فهذا ليس بحديث ، ولا أصل له في كتب أهل العلم ، وإنما تنقله بعض كتب الأدب من كلام عبد الملك بن مروان .
وقد سئل عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال :
"ليس له أصل ، وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع)" انتهى .
نقلا عن محاضرة سماحة الشيخ بعنوان : " الغزو الفكري " ، مفرغة في موقع الشبكة الإسلامية ، على هذا الرابط :
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=113692وفي موقعنا مجموعة من الفتاوى التي تتحدث عن تربية الأبناء ، وتشرح بعض الأفكار المهمة في هذا الموضوع ، انتقينا لكم هذه المجموعة : (103526) ، (10016) ، (50731) ، (8858) ، (20872) .
وينبغي هنا التنبيه على أن قوله : (ثم اترك حبله على غاربه) يمكن فهمه على محمل حسن ، وهو منح الأبناء استقلالية في قرارات حياتهم الاجتماعية والعلمية والعملية ، وعدم التسلط عليهم كي لا يعود ذلك بالفساد إليهم ، وليس معنى ذلك إهمال الأبناء وعدم توجيه النصح لهم .
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
"الناس يظنون أن وصايا الوالدين حجة على أن للوالدين أن يعبثا باستقلال الولد ما شاء هواهما ، وأنه ليس للولد أن يخالف رأي والديه ولا هواهما ، وإن كان هو عالما وهما جاهلين بمصالحه وبمصالح الأمة والملة ، وهذا الجهل الشائع مما يزيد الآباء والأمهات إغراء بالاستبداد في سياستهم للأولاد ، فيحسبون أن مقام الوالدية يقتضي بذاته أن يكون رأي الولد وعقله وفهمه دون رأي والديه وعقلهما وفهمهما ، كما يحسب الملوك والأمراء المستبدون أنهم أعلى من جميع أفراد رعاياهم عقلا وفهما ورأيا .
إذا طال الأمد على هذا الجهل الفاشي في أمتنا فإن الأمم التي تربي أولادها على الاستقلال الشخصي تستعبد من بقي من شعوبنا خارجا عن محيط سلطتها قبل أن ينقضي هذا الجهل .
يجب أن نفهم أن الإحسان بالوالدين الذي أمرنا به في دين الفطرة هو أن نكون في غاية الأدب مع الوالدين في القول والعمل بحسب العرف حتى يكونا مغبوطين بنا ، وأن نكفيهما أمر ما يحتاجان إليه من الأمور المشروعة المعروفة بحسب استطاعتنا ، ولا يدخل في ذلك شيء من سلب حريتنا واستقلالنا في شئوننا الشخصية والمنزلية ، ولا في أعمالنا لأنفسنا ولملتنا ولدولتنا، فإذا أراد أحدهما أو كلاهما الاستبداد في تصرفنا فليس من البر ولا من الإحسان شرعا أن نترك ما نرى فيه الخير العام أو الخاص ، أو نعمل ما نرى فيه الضر العام أو الخاص ، عملا برأيهما واتباعا لهواهما .
من سافر لطلب العلم الذي يرى أنه واجب عليه لتكميل نفسه ، أو خدمة دينه أو دولته ، أو سافر لأجل عمل نافع له أو لأمته ، ووالداه أو أحدهما غير راض ; لأنه لا يعرف قيمة ذلك العمل ، فإنه لا يكون عاقا ولا مسيئا شرعا ولا عقلا ، هذا ما ينبغي أن يعرفه الوالدون والأولاد : البر والإحسان لا يقتضيان سلب الحرية والاستقلال .
أرأيت لو كانت أمهات سلفنا الأماجد كأمهاتنا أكانوا فتحوا الممالك ، وفعلوا هاتيك العظائم ؟ كلا ، بل كانت الرقيقة القلب منهن كتماضر الخنساء رضي الله عنها تدفع بنيها الأربعة إلى القتال في سبيل الله وترغبهم فيه بعبارات تشجع الجبان ، بل تحرك الجماد .
أفترى هذه الأمة تعتبر اليوم بسيرة سلفها ، وهي لم تعتبر بما بين يديها ، وأمام عينيها ، وما يتلى كل يوم عليها من أحوال الأمم التي كانت دونها في العلم والقوة ، والعزة والثروة ، فأصبحت منها في موقع النجم ، تشرف عليها من سماء العظمة بالأمر والنهي ، ومنشأ ذلك كله الاستقلال الشخصي في الإرادة والعقل ، فإن الآباء والأمهات متفقون فيها على تربية أولادهم على استقلال العقل والفهم في العلم ، واستقلال الإدارة في العمل ، فَقُرَّةُ أعينهم أن يعمل أولادهم بإرادة أنفسهم واختيارهم ما يعتقدون أنه هو الخير لهم ولقومهم .
وإنما قرة أعين أكثر آبائنا وأمهاتنا أن ندرك بعقولهم لا بعقولنا ، ونحب ونبغض بقلوبهم لا بقلوبنا ، ونعمل أعمالنا بإرادتهم لا بإرادتنا ، ومعنى ذلك ألا يكون لنا وجود مستقل في خاصة أنفسنا ، فهل تخرج هذه التربية الاستبدادية الجائرة أمة عزيزة عادلة ، مستقلة في أعمالها ، وفي سياستها وأحكامها ، أم البيوت هي التي تغرس فيها شجرة الاستبداد الخبيثة للملوك والأمراء الظالمين ، فيجنون ثمراتها الدانية ناعمين آمنين ؟
فعليكم يا علماء الدين والأدب أن تبينوا لأمتكم في المدارس والمجالس حقوق الوالدين على الأولاد ، وحقوق الأولاد على الوالدين ، وحقوق الأمة على الفريقين ، ولا تنسوا قاعدتي الحرية والاستقلال ، فهما الأساس الذي قام عليه بناء الإسلام ، وإن علماء الشعوب الشمالية التي سادت في هذا العصر علينا ، يعترفون بأنهم أخذوا هاتين المزيتين - استقلال الفكر والإرادة - عنا ، وأقاموا بناء مدنيتهم عليهما ، ولله در القائل منا : "لاعب ولدك سبعا ، وأدبه سبعا ، وصاحبه سبعا ، ثم اجعل حبله على غاربه" انتهى باختصار.
"تفسير المنار" (5/72-75) .
والله أعلم .