الملـح
الملح هو مركب بسيط مؤلف من عنصرين فقط هما الصوديوم والكلور. ولكن إذا كان الملح بسيطا بالنسبة إلى الكيميائيين، فهو معقد ومثير للجدل بالنسبة إلى الأطباء وعلماء التغذية.
الملح هو مكون حيوي في كل سوائل الجسم، بما فيها الدم. وهو حيوي - في الحقيقة - لدرجة أن الجسم يحتوي على سلسلة مفصلة ودقيقة من آليات التنظيم التي تعمل على بقاء تركيز الملح في الدم ضمن النسب الصحيحة.
وعندما يهدد ملح الجسم بالانخفاض، فإن الكليتين تستطيعان أن تأسرا كل الملح الموجود في البول. وعندما تدعو الحاجة، فإن غدد إفراز العرق في الجسم تستطيع أيضا أن تحفظ الملح على نحو كامل تقريبا. وبالرغم من أن ذلك قد يبدو متناقضا، فإن الجسم البشري لاعتماده على الملح طور أجهزة تسمح له بالعمل على نحو رائع حتى إذا لم يحصل إلا على كميات قليلة من الملح في الوجبات الغذائية.
*الملح وضغط الدم والصحة
ليس ملح الطعام السبب الوحيد لارتفاع ضغط الدم، فالبدانة وإساءة استخدام الكحول، والاستهلاك الزائد للدسم الحيواني ارتبطت كلها أيضا بهذا الضغط العالي، شأنها شأن الاستهلاك الناقص من البوتاسيوم والكالسيوم.
فأين يأتي الملح بين هذه الأسباب المؤدية إلى ارتفاع ضغط الدم، والتي يمكن الوقاية منها كلها؟
تضع بعض الهيئات ملح الطعام المستعمل بكميات فائضة في مقدمة هذه الأسباب، بينما تقلل هيئات أخرى من أهمية تأثيره. وفي الحقيقة، فإن الكثير من الناس الأصحاء يبدون ممعنين في تناول كميات كبيرة جدا من الملح دون أن يصابوا بارتفاع ضغط الدم، كما أن بعض المصابين بارتفاع ضغط الدم لا يستفيدون كثيرا من إقلال ما يتناولونه من هذا الملح.
*فلماذا هذا التناقض؟
أثبتت الدراسات التي قارنت العادات غير الغربية بالعادات الغربية أن الوجبات الغذائية الغربية تحتوي على كميات من الملح أكبر بكثير من الوجبات غير الغربية، وأن سكان الغرب يصابون بنسب أكبر من حالات ارتفاع ضغط الدم، وبالتالي بنسب أكبر بكثير من حالات المرض الوعائي.
وهناك ثلاثة أبحاث نشرت في العام 1991 في "المجلة الطبية البريطانية" يمكن أن تساعد في نهاية المطاف في حل النقاش الدائر حول الملح. ففي هذه الأبحاث، قيّم الأطباء فروست وويلد دراسات الوجبات الغذائية وضغط الدم في 24 دولة في أماكن مختلفة من العالم. وقد بلغ العدد الإجمالي للناس الذين خضعوا لهذه الدراسات 47 ألف إنسان. وكان الاستنتاج هو "أن العلاقة بين ضغط الدم وكمية الملح التي يأخذها الجسم هي مبالغ بها أكثر من حجمها الطبيعي، ولكنها تزداد فعلا مع التقدم في العمر وبالنسبة إلى من كانوا مصابين أصلا بارتفاع في هذا الضغط".
وإن هذه الاكتشافات هي من الأهمية بما يكفي لإلقاء نظرة أكثر دقة إلى هذا الموضوع. فقد وجد الدكتور فروست أن كل ستة غرامات من الملح المستعمل في الوجبات الغذائية (وهي تعادل 2400 ملغم من الصوديوم في الوجبات الغذائية) تزيد ضغط الدم بمعدل 10 نقاط. ويكون لهذا الملح المستعمل في الوجبات نفس التأثير في الدول النامية وفي الدول الصناعية. وفضلا عن ذلك، فإن الملح يزيد ضغط الدم بنسبة أكبر بكثير لدى الناس المصابين بارتفاع الضغط، ولدى المعمرين. وبتعبير آخر، فإن الملح يمارس أقصى ضرر على الناس الذين يُحتمل جدا أن يعانوا الأذى الناجم عن ارتفاع ضغط الدم.
وفي دراسة متزامنة مع الدراسات المذكورة، توصل العلماء البريطانيون إلى قدرة الحد من استعمال الملح في خفض ضغط الدم. وكانت النتائج مشجعة، فقد أمكن التخفيض المعتدل في ملح الوجبات الغذائية إلى خفض ضغط الدم على نحو ملموس، وخلال فترة لم تتجاوز خمسة أسابيع.
*الملح في وجباتك الغذائية
خلافا للمعادن الأخرى، فإنه لا يوجد حاجة يومية دنيا إلى الملح. فالناس يستطيعون أن يعيشوا على نحو جيد تماما على وجبات غذائية خالية تقريبا من الملح.
ويجب على الناس المصابين بارتفاع ضغط الدم، أو بمرض القلب، أو ببعض أنواع أمراض الكلية والكبد أن يحدوا على نحو صارم من تناول الملح. أما الناس الأصحاء الذين يكون ضغط الدم لديهم طبيعيا، فيستطيعون تحمل كميات أكبر من الصوديوم. ولكن حتى الشبان الأصحاء لا يحتاجون إلى الملح الذي يضاف عادة إلى الطعام، وذلك لمنع ارتفاع ضغط الدم مع التقدم في العمر.
وعموما، فإن تقليل ملح الوجبات الغذائية لا يشكل تلك التضحية التي قد تبدو كبيرة للوهلة الأولى. وهكذا، فإن نسبة 10 في المائة فقط من ملح الوجبات الغذائية تأتي من الملح الطبيعي الموجود في المواد الغذائية، و15 في المائة تأتي من الملح المضاف إلى الطعام سواء في أثناء الطبخ أو على المائدة، بينما نحصل على 75 في المائة من الطعام المعالج أو المعلب. وبالإضافة إلى الملح، فإن الأطعمة المعلبة (لمطبوخة أو المحضرة سابقا) تحتوي غالبا على دسم مشبع وكمية فائضة من السعرات الحرارية بينما تفتقر إلى الفيتامينات والألياف.