الإمام محمد بن نصر المروزي
اسمه، ونسبه، وكنيته:
هو أبو عبدالله، محمد بن نصر بن الحجاج المروزي. والمروزي: نسبة إلى (مرو)؛ وهي أشهر مدن خراسان، وأكبرها.
* ولادته ونشأته:
ولد الإمام محمد بن نصر المروزي في بغداد، سنة (202 هـ)، ونشأ بنيسابور، وسكن سمرقند.
قال أبو العباس -محمد بن عثمان- السمرقندي: سمعت أبا عبدالله
-محمد بن نصر- المروزي يقول: «ولدت سنة اثنتين ومئتين، وتوفي الشافعي سنة أربع ومئتين، وأنا ابن سنتين، وكان أبي مروزيًّا، وولدت أنا ببغداد، ونشأت بنيسابور، وأنا اليوم بسمرقند، ولا أدري ما يقضي الله فيَّ».
قلت: ولم يخالف في ذكر ولادة المصنف -رحمه الله- إلا ابن حبان؛ فإنه ذكر في كتابه «الثقات» أن ابن نصر ولد سنة مئتين (200 هـ)!
ولا شك أن المصنف -رحمه الله- أدرى بنفسه من غيره.
ونظرًا لما يتمتع به المصنف -رحمه الله- من فرط ذكاء وفطنة، وهمة عالية في طلب العلم، وشهرة شيوخه، وعلو كعبه؛ فقد أصبح من كبار أهل العلم المشهورين المعروفين بخراسان؛ لذا كان يُرْحَل إليه ويُقْصَد بالفتيا دون غيره.
وقد ساعده في ذلك: تلقيه العلم من كبار أهل العلم الراسخين؛ مثل: إسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى التميمي، وعلي بن حجر، وعمرو بن زرارة، وغيرهم.
قال أبو ذر -محمد بن يوسف- القاضي: «كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون: رجال خراسان أربعة: ابن المبارك، وابن راهويه، ويحيى بن يحيى، ومحمد ابن نصر».
* صفاته الخَلْقِيَّة والخُلُقية:
قال محمد بن يعقوب الأخرم واصفًا الإمام المروزي: «كان من أحسن الناس خَلْقًا، كأنما فقئ في وجهه حبُّ الرمان، وعلى خديه كالورد، ولحيته بيضاء».
وقال الإمام الذهبي: «وكان مليح الصورة».
وقال الإسنوي: «وكان من أحسن الناس صورة، ذا لحية بيضاء».
أما صفاته الخُلُقية؛ فحدث عنها ولا حرج، فإنه نهل من أدب وسمت النبي × الشيء الكثير؛ فقد كان صاحب سنة واتباع شديد لهدي النبي ×، وكان شديدًا على أهل البدع، ذا سمت حسن، عابدًا، زاهدًا، صاحب عقل كبير.
قال أبو بكر بن إسحاق الصبغي: «لم نر بعد يحيى بن يحيى من فقهاء خراسان إمامًا أعقل من محمد بن نصر».
وقيل لأبي بكر بن إسحاق: «ألا تنظر إلى تمكن أبي علي الثقفي في عقله؟ فقال: ذاك عقل الصحابة والتابعين من أهل المدينة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: إن مالكًا -يعني: ابن أنس- كان من أعقل أهل زمانه، وكان يقال: صار إليه عقل الذين جالسهم من التابعين، فجالسه يحيى بن يحيى النيسابوري، فأخذ من عقله وسمته، ثم جالس يحيى بن يحيى محمد بن نصر سنين، حتى أخذ من سمته وعقله، فلم ير بعد يحيى من فقهاء خراسان أعقل من ابن نصر، ثم إن أبا علي الثقفي النيسابوري جالسه أربع سنين، فلم يكن بعده أعقل من أبي علي».
وقال السبكي: «أحد أعلام الأمة وعقلائها وعبادها».
* أسرته وأولاده:
لم تذكر المصادر والمراجع عن أسرة هذا الإمام -على جلالة قدره- إلا الشيء اليسير، ومما ذكروه بهذا الصدد:
- أنه تزوج بأخت القاضي يحيى بن أكثم، واسمها (خَنَة).
- أنه -رحمه الله- كانت له جارية.
قال الإمام المروزي: «خرجت من مصر ومعي جارية لي، فركبت البحر أريد مكة، قال: فغرقت وذهب مني ألفا جزء، وسرت إلى جزيرة أنا وجاريتي، فما رأينا فيها أحدًا، وأخذني العطش، فلم أقدر على الماء، قال: فأجهدت، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلمًا للموت، فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز، فقال لي: هاه، فأخذت وشربت، وسقيت الجارية، ثم مضى، فما أدري من أين جاء، ولا من أين ذهب».
- أنه -رحمه الله- كان له ولد اسمه: إسماعيل، ورزقه الله إياه في كبر سنه.
قال أبو الفضل بن محمود: «كان أبو عبدالله يتمنى على كبر سِنّه أن يولد له ابن، فكنا عنده يومًا من الأيام، فتقدم إليه رجل من أصحابه فسارّه في أذنه بشيء، فرفع أبو عبدالله يديه، وقال: {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إسْمَاعِيلَ} [إبراهيم: 39]، ثم مسح وجهه بباطن كفه! ورجع إلى ما كان فيه.
قال: فرأينا أنه استعمل في تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن: تسمية الولد، وحمد الله على الموهبة، وتسميته إسماعيل؛ لأنه ولد له على كبر سِنّه، وقال الله -عز وجل-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} [الأنعام: 90]».
قال السبكي -عقبه-: «فنستفيد من هذا أنه يستحب لمن ولد له ابن على الكبر أن يسميه إسماعيل، وهذه مسألة حسنة!».
قلت: استحباب ذلك وجعله من السنن والأمور الحسنة مما لا أصل له في شرعنا الحنيف؛ وهو غير لازم، فهذا نبينا محمد × رزق إبراهيم -عليه السلام- على كبر سنه، وفي أواخر حياته، وهذا زكريا -عليه السلام- رزق يحيى -عليه السلام- على كبر سنه، ومع ذلك لم يسمياه باسم إسماعيل!
لا سيما وأن التحسين والتقبيح إن كانا موجودين؛ فلا يثبتان بالعقل بل بالشرع، ولا دليل من الشرع على استحباب ذلك واستحسانه، ولا فعله السلف الأوائل، ولا استحبه أحد من أهل العلم السابقين.
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
-أما بالنسبة لكنية المؤلف- رحمه الله-؛ فلا أدري إن كان له ولد يسمى (عبدالله)، أم هي كنيتة فحسب، والله أعلم.
وابنه إسماعيل -المذكور آنفًا- لم يكن حسن السيرة، بل كان على النقيض من حال والده:
قال أبو محمد -عبدالله بن محمد- الثقفي: «سمعت جدي يقول: جالست أبا عبدالله المروزي أربع سنين، فلم أسمعه في طول تلك المدة يتكلم في غير العلم؛ إلا أني حضرته يومًا وقيل له عن ابنه إسماعيل وما كان يتعاطاه؛ لو وعظته -أو زبرته-؟ فرفع رأسه، ثم قال: أنا لا أفسد مروءتي بصلاحه».
* الحالة الاقتصادية للمؤلف:
قال أبو عبدالله الأخرم: «انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية سنة ستين ومئتين، فاستوطن نيسابور، فلم تزل تجارته بنيسابور، أقام مع شريك له مضارب، وهو يشتغل بالعلم والعبادة».
وقال محمد بن عبدالوهاب الثقفي: كان إسماعيل بن أحمد -والي خراسان- يصل محمد بن نصر في العام بأربعة آلاف درهم، ويصله أخوه -إسحاق- بمثلها، ويصله أهل سمرقند بمثلها، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، من غير أن يكون له عيال، فقيل له: لو ادخرت لنائبةٍ؟ فقال: سبحان الله! أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنة، قوتي وثيابي وكاغَدي وحبري وجميع ما أنفقه علىنفسي في السنة عشرون درهمًا، فترى إن ذهب ذا لا يبقى ذاك؟!».