إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله...
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُون بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد:
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدْي هدي محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار..
أيّها المسلمون؛ عباد الله:
نستقبل في هذا الأسبوع؛ عامًا جديدًا هجريًّا إسلاميًّا؛ هو عام هجريٌّ إسلاميٌّ؛ وهذا التّقويم الهجريُّ الإسلاميُّ؛ الّذي كاد المسلمون أن يتركوه! بل تركوه في الأعمّ الأغلب؛ مع الأسف الشّديد!
وأصحاب النّبيِّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ ما رضوا لأنفسهم أن يكونوا تبعًا لغيرهم من الأمم؛ أو أذنابًا للكفرة؛ حتّى في هذه المسألة! فأسّسوا تقويمًا إسلاميًّا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ حتّى يكونوا مستقلّين حتّى في هذه المسألة! وقد وُضع هذا في زمن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه.
ففي السَّنة السّادسة عشرة ـ يعني بعد خلافته رضي الله تعالى عنه بثلاث سنوات تقريبًا ـ جاءت هذه الفكرة.
والسّبب ـ كما ذكر الحافظ: ابن كثير؛ في: "البداية والنّهاية" عن الواقديّ ـ أنّ صكًّا رُفِعَ لعمر رضي الله عنه؛ وفيه دَين لرجل على رجل، وأنّه يَحِلُّ هذا الدَّين في شعبان؛ فاخْتَلَفَ:
هل هو شعبان في هذه السَّنة؟
أم في السَّنة الّتي قبلها؟
أم الّتي تلي هذه الّتي هم فيها؟
ثمّ جمع الصّحابة وقال: ضعوا للنّاس تاريخًا يعرفون به حلول ديونهم.
فاجتمع أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إلى الخليفة الرّاشد: عمر رضي الله تعالى عنه؛ يتشاورون في وضع هذا التاّريخ، وبحثوا في ثلاث مسائل؛ وكان في المجلس:
عثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الرّحمن بن عوف، وجمَعَ من كبار الأشياخ وأسياد الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين.
بحثوا في المسألة الأولى:
هل يُنشئون تقويمًا مستقلاًّ خاصًّا بهذه الأمّة؟ أم يتْبعون غيرهم؟
وبحثوا ـ أيضًا ـ في المسألة الثّانية:
من أين يبدؤون هذا التّاريخ؟ من أيّ حَدَث؟
وبحثوا في المسألة الثّالثة:
من أيّ شهر يبدؤون العام؟
أما في المسألة الأولى؛ فبُحِثَتْ في هذا المجلس؛ فقال بعضهم ـ مقتَرِحًا ـ:
"نضع تاريخًا كتاريخ الفُرس"..
يؤرّخون بملوكهم؛ كلّما مات ملِك، وقام مكانه ملِك آخر؛ ذكروا وكتبوا تاريخًا جديدًا.
وقال بعضهم:
"نؤرّخ بتاريخ الرّومان؛ ببداية الإسكندر"..
وذكروا بعض التّقاويم؛ لكنّها رُفِضَتْ؛ لم يقبلْها عمر، ولم يقبلْها كبار الصّحابة!
أبَوْا أن يكونوا تابعين لهذه الأمم الهالكة! لهذه الأمم الكافرة!
واستقرَّ الرّأي على أن: ينشِؤوا تاريخًا جديدًا؛ يكون خآصًّا للمسلمين!
وهذا الّذي ينبغي!
نحن أمّة متميّزة! أمّة موحّدة.. أمّة كرّمها الله.. وشرّفها الله.. ورفعها الله.. وجعلها خير الأمم! لا بدّ أن نكون مستقلّين؛ حتّى في تواريخنا! ألاّ نكون تبَعًا لغيرنا! والأسوأ: أنّ هذا التّبع؛ هم أمّة كافرة بالله وباليوم الآخر!!
فأجمَعوا على أن يكتبوا تاريخًا جديدًا.
فبحثوا في المسألة الثّانية:
من أين يبدؤون؟... من أين يبدؤون في هذا التاريخ؟
فقال بعضهم: نبدأ من مولد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
وقال بعضهم: نبدأ من مبعثه.
وقال بعضهم: بل نبدأ من هجرته.
إذًا: لا بدّ أن يُربَط التّاريخ برسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
هل نبدأ من الولادة؟ هل نبدأ من المَبعث؟ أم من الهجرة؟
فكان رأي عليّ بن أبي طالب ومعه جماعة من الصّحابة؛ أن نبدأ من الهجرة؛ لأنّها أظهر من المـَوْلد والبعثة، وأشهر، وأثرها عظيم؛ وتأسّستْ بها دولة الإسلام في المدينة؛ فاختار عمر هذا الرّأي، واستقرّ المجلس عليه؛ أن تكون بداية تدوين التّاريخ من: هجرة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ فأوّل سنة في هذا التّاريخ الإسلاميّ؛ هي السَّنة الّتي قضاها النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في المدينة؛ وهي أوّل سنة قضاها بالمدينة.
إذًا: هذا هو مبدأ التّاريخ: هجرة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من مكّة إلى المدينة.
بعدما استقرّ رأي المجلس؛ على أن تكون بداية التّاريخ من هجرة المصطفى عليه الصّلاة والسّلام:
بحثوا في المسألة الثالثة:
من أين نبدأ العام الهجري؟
فكان هناك رأيان:
رأي يقول: نبدأ من شهر ربيعٍ الأوّل؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم دخل المدينة في هذا الشّهر؛ فنبدأ ببداية الهجرة وبدخول رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إلى المدينة.
والرّأي الآخر يقول: بل نبدأ من شهر الله المحرّم؛ من الشّهر المحرّم؛ لأنّ هذا الشّهر هو: أوّل الشّهور العربيّة الهلاليّة؛ ولأنّه يكون بعد فريضة عظيمة، وركن عظيم من أركان الإسلام؛ وهو الحجّ.
فاستقرّ الرّأي، واختار عمر والمجلس معه الرّأي الثّاني؛ على أن تكون البداية من شهر الله المحرّم، ولأن هجرة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ بدأ التّخطيط لها قبلها بشهرين أو بثلاثة؛ يعني أن مبدأ الهجرة يكون من شهر الله المحرّم؛ فلا تعارض بين الرّأيين.
ومع أنّ الصّحابة استقرّوا على الرّأي الأوّل؛ مع أنّ الصّحابة في هذه المسألة الأخيرة استقرّوا على الرّأي الّذي يقول: "إنّ البداية تكون من شهر الله المحرّم"؛ إلاّ أنّ بعض العلماء أخذ بالقول الثّاني؛ كما ذكر السُّهيلي عن الإمام مالك بن أنس؛ أنّه يرى أنّ البداية تكون من: ربيعٍ الأوّل؛ لكنّه قول ضعيف، وليس عليه العمل؛ الّذي استقرّ عليه العمل عند المسلمين أنّ الشّهر المحرّم هو أوّل الشّهور، وهو البداية، وهي الشّهور التي أقرّها الله سبحانه وتعالى، وشرعها للنّاس في كتابه:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}
هذه هي الشّهور الهلاليّة الإسلاميّة الّتي تبدأ بـ: "المحرّم"، وتنتهي بـ: "ذي الحِجّة"؛ هي الشّهور المذكورة في كتاب الله عزّ وجلّ، وهو التّوقيت العالمي على الصّحيح:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}
الأهلّة هي الّتي تبدأ بها الشّهور العربيّة الإسلاميّة وتنتهي؛ وليست كالشّهور الإفرنجيّة؛ لا تعتمد على شيء محسوس! ولا على شيء يعرفه النّاس! ولا على شيء مشروع!
لكنّ الشّهور العربيّة الإسلاميّة ـ هذه ـ تعتمد على شيء ظاهر ومعروف؛ وهو مقرّر شرعًا وحسًّا! هي تعتمد على الأهلّة؛ والأهلّة هذه هي مواقيت للنّاس؛ جعلها الله سبحانه وتعالى مواقيت للنّاس.
فإذا أردنا التّوقيت: العالمي... الكوني... الشرعي؛ الّذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم؛ هو توقيت المسلمين؛ وهو تقويمهم، وتاريخهم الّذي يؤرِّخون به من زمن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ إلى هذا العصر.
لكن! مع الأسف! من نحو مئة سنة أو مئة وخمسين؛ لمّا هجم الاستعمار على بلاد الإسلام أرغم المسلمين على ترك هذا التّاريخ!
وتعرفون أنّ المستعمرين من اليهود والنّصارى من دول الكفر كـ: بريطانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا؛ إلى آخره... هذه الدّول الأوربيّة الكافرة النّصرانيّة المتعصّبة؛ الّتي استعمرتْ بلاد الإسلام في المشرق وفي المغرب؛ أرادت أن تمسخ الحياة الإسلاميّة! وأن تنقل المسلمين من دينهم وعقيدتهم وحياتهم الإسلاميّة؛ إلى ما هم عليه من النّصرانيّة والكفر! فأرغموا المسلمين ـ وكانوا يحكمون هذه البلاد ـ أرغموهم على ترك التّاريخ الهجري! وأن يؤرِّخوا وأن يقيّدوا الأحداث والوَفَيَات والمواليد؛ إلى آخره... أن تُقيّد كلّها بالتّاريخ الإفرنجي النّصراني! التّاريخ الأوروبّي.
واشتَهرَ وظهر وانتشر واستقرّ هذا التّاريخ في البلاد العربيّة وغير العربيّة من البلاد الّتي استُعمرتْ عشرات السّنين؛ حتّى نشأتْ هذه الأجيال وهي لا تعرف التّاريخ الهجري! لا تعرف التّاريخ الإسلامي! نشؤوا على تواريخ الإفرنج! على تواريخ النّصارى! ونشؤوا كذلك على معرفة الشّهور الميلاديّة هذه!
كثير منهم لا يعرف الشّهور العربيّة! لا يعرف منها إلاّ "رمضان" ممكن، وشهر "ذي الحِجّة"؛ لأنّها ترتبط بركنين عظيمين من أركان الإسلام؛ أمّا لو سألتَه وطلبتَ منه أن يرتّب لك الشّهور العربيّة؛ لا يستطيع! لأنّه لا يحفظُها! ولا يعرفُها! ولو سألتَه عن ميلاده لذكر لكَ التّاريخ الميلادي؛ التّاريخ الإفرنجي النّصراني؛ لا يعرفُ غيره! لا يكادون يعرفون شيئًا عن تاريخ المسلمين!... فلا حول ولا قوّة إلا بالله!
وإذا نظرنا نحن في الكتب القديمة؛ الكتب الإسلاميّة؛ لا نرى أبدًا ذكرًا لتاريخ النّصارى!
ارجعوا إلى تواريخ المسلمين؛ أيّام قوّتهم؛ وأيّام عزّتهم، وأيّام مجدهم؛ لا يقلِّدون غيرهم أبدًا! ولا يتْبعون أمّة من الأمم الكافرة! إنّما يؤرِّخون بتاريخهم!
هذه هي الكرامة، وهذا هو المجد والعزّ!
لكن لمّا استُعمروا وقُهِروا؛ أصبحوا يتْبعون غيرهم؛ يؤرِّخون بتاريخ النّصارى!
والآن بدل من أن نُعلِّم النّاشئة الرّجوع إلى تاريخ المسلمين، إلى تاريخنا الّذي أرّخناه، والّذي ارتبطتْ به أمجادُنا وتاريخُ أمّتنا عبر أربعة عشر قرنًا؛ بدل أن نعيد النّاس إلى هذا التّاريخ؛ إذا بنا نتْبع المستعمرين تبعيّة عمياء، ونزداد في هذه التّبعيّة! نحاول؛ بل هم يحاولون مع الأسف؛ يحاولون حتّى التّواريخ القديمة الّتي أُرِّختْ بالتّاريخ الهجري؛ نرى كثيرًا من المسلمين يحوِّلونها إلى التّاريخ الميلادي! حتّى تنجح وتتمَّ عمليّة المسخ!
نحن الآن ما بقي في أيدينا من التّاريخ الهجري إلاّ التّواريخ القديمة:
متى غزوة بدر.. ومتى غزوة أحد.. ومتى غزوة الخندق.. متى توفي عمر بن الخطاب.. متى استُشهد عثمان.. متى استُشهد عمر.. متى استُشهد عليّ.. متى كانت دولة بني أميّة.. متى كانت دولة بني العبّاس.. متى تُوفّي هارون الرّشيد.. متى تُوفّي أحمد بن حنبل.. وهكذا..
التّواريخ القديمة هي الّتي بقيت على التّاريخ الهجري، ونحفظها!
الآن... بدأت عمليّة مسخ لهذه التّواريخ! في الكتب الحديثة؛ بدل أن يؤرِّخ ـ مثلاً ـ وفاة ابن تيمية بالتّاريخ الهجري؛ يؤرِّخها بالتّاريخ النّصراني! حتّى تتمّ عمليّة المسخ هذه!
يعني: هم تركوا التّاريخ الهجري في المواليد والوَفَيات والحوادث المعاصرة؛ أيّ حادث الآن معاصر من مئة سنة؛ لا يحفظه النّاس إلاّ بالتّاريخ النّصراني! يقولون:
"حرب ثمانية وأربعين".. و"ثورة كذا وكذا".. و"حرب كذا وكذا"..كلُّها مقيّدة بالتّاريخ النّصراني!
ويقول:
"حرب أكتوبر"؛ وهي كانت في "رمضان"؛ وينبغي أن تُقيَّدَ بـ: "رمضان"! سبحان الله! وهذا والله أعجبُ له!...
رمضان ـ هذا ـ حصلت فيه معارك إسلاميّة خالدة، وهذه المعركة كانت في "رمضان"؛ فينبغي أن يُقال: "حرب رمضان"؛ فإذا به يُقيِّدونها بتاريخ النّصارى؛ وبشهر إفرنجي!... مسخ عجيب لتاريخنا وتاريخ أمّتنا!
والآن! رَجَعُوا حتّى إلى الأحداث القديمة؛ يمسخونها ويغيّرونها... فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله!
ولقد رأيتُ بالأمس بطاقةً أصدرَتْها بعض الجمعيّات الخيريّة؛ وهو تقويم؛ فنظرتُ في الشّهر الأوّل في هذا التّقويم؛ نظرتُ في هذه البطاقة؛ في الشّهر الأوّل؛ فإذا بي أرى الشّهر الأوّل منقسم على: ذي الحِجّة ومحرّم! فتعجّبت! الشّهر الأوّل المربّع الأوّل؛ المربّع الأوّل منقسم على" ذي الحِجّة ومحرّم! فرأيتُ أنّ هؤلاء النّاس اعتمدوا تاريخ النّصارى!... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله! حتّى أنهم بدؤوا في هذا التّقويم لم يبدؤوا بتاريخ المسلمين؛ بـ: واحد محرّم! وإنّما بدؤوا بتاريخ الإفرنج؛ بتاريخ النّصارى!... والله المستعان!
بدل أن نعيد النّاس... وأن نذكّر النّاس... وأن نعلّم النّاس... وأن نربط النّاس بتاريخنا، وتاريخ أمّتنا؛ إذا بنا نعين على تغييب هذا التاريخ! وعلى القضاء عليه حتّى ينساه النّاس تمامًا! فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله!
والنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ بشَّر وذكر وأخبر أنّه: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّّتِي عَلَى الْحَقِّّ ظَاهِرِيْن)) ... الحمد لله؛ لا تزال طائفة متمسّكة بتاريخ المسلمين؛ بالتّاريخ الهجري؛ وإن كان تاريخ النّصارى قد أصبح تاريخًا عالميًّا!... هكذا نجحوا في فرضه على النّاس! ونحن تاريخنا تاريخ الأمجاد، وتاريخ الإسلام؛ نستحي من ذكره! ومن التّأريخ به!... فلا حول ولا قوّة إلا بالله!
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين... وأن يعيد هذه الأمّة إلى مجدها وعزّها وكرامتها...
عباد الله: أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه... إنّه هو الغفور الرّحيم.
الحمد لله ربّ العالمين... وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أمّا بعد:
عباد الله: مسألتان متعلّقتان بهذا الأمر وهو: التّاريخ:
قد يقول قائل: إنّ التّاريخ الميلادي هذا الّذي نسبْتَه إلى النّصارى؛ أصبح مُعتَمَدًا في بلاد العالم كلِّها، وتؤرَّخ به أشياء كثيرة مهمة؛ فكيف نتخلّى عنه ونتركه؟!
فالجواب على هذه الشُّبهة:
نحن ما طلبنا أن نهمل هذا التّاريخ تمامًا، وأن نتجاهله، وأن لا نعرفه؛ ولكن الّذي نريده أن لا نهمل تاريخنا، وأن لا ننساه، ونضيّعه؛ أن نحتفظ به، وأن يكون هو المقدَّم، وهو المعتمد، وهو المحفوظ؛ هو الّذي نعتمده.
ثمّ تاريخ النّصارى هذا ـ التّاريخ الميلادي ـ يُذكر إذا كان هناك فائدة وحاجة إليه؛ إذا كان هناك فائدة وكانت هناك حاجة؛ يُذكر ويُحفظ؛ إذا كانت فيه مصلحة ومنفعة؛ كثير من الأمور تُقيّد به الآن من السّفريّات وغيرها؛ فنحفظه من أجل هذه المنفعة وهذه المصلحة؛ ولكن ليس على حساب تاريخنا الإسلامي! التّاريخ الهجري هو المقدَّم.. هو الأساس.. هو المعتمد؛ فإذا كان التّاريخ الميلادي هذا ما في فائدة منه وليس هناك مصلحة في ذكره؛ إذًا نعتمد تاريخنا الإسلامي فقط! ولا نذكر غيره.
فإذا سُئِلْتَ أيّها المسلم عن حدَثٍ أو عن شيء متعلّق بك؛ فلْتُقِيِّدْ هذا بالتّاريخ الهجري؛ متى ولدتَّ ـ مثلاً ـ متى ولدت؟ أن تقول: "ولدتُّ في سنة كذا وكذا"؛ بالتّاريخ الإسلامي الهجري؛ ولا تذكرْ تاريخ النّصارى؛ فإنّك لو أرّخْتَ بتاريخ النّصارى فإنّك تساعد في هذه الحملة المغرضة البشعة الشّرسة على تاريخنا وعلى تاريخ أمّتنا... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله!
المسالة الثانية التي أنبّه عليها وهي مسألة مهمّة:
بعض النّاس الآن اعتاد أن يهنّئ بدخول السَّنة الجديدة؛ إذا دخل العام الجديد؛ يقول بعضهم لبعض: "كلّ عام وأنت بخير" أو نحو هذه العبارة؛ وهذا يا إخواني غلط! لأنّ السَّنة الجديدة ليست عيدًا! ننتبه إلى هذه النّقطة:
دخول السَّنة ليس عيدًا! نحن المسلمون عندنا عيدان فقط؛ لا ثالث لهما: {عيد الفطر وعيد الأضحى}؛ هذه أعيادنا السّنويّة: {عيد الفطر وعيد الأضحى}؛ فإذا أردتَّ أن تُهنِّئ؛ فإنّك تُهنِّئ في هذين العيدين؛ أمّا في دخول السَّنة فليس هذا بِعِيد! فكيف تُهنِّئ به؟!
أيضًا هنا أيضًا نقطة مهمّة لها علاقة بشيء يُعتبر من كبائر الذّنوب!
الّذين يهنّئون برأس السَّنة هم النّصارىَ! فالنّصارى عيدهم في رأس السَّنة؛ فإذا دخل العام هنّأ بعضهم بعضًا؛ فنحن لو هنّأ بعضُنا بعضًا بحلول العام؛ فقد وقعنا في مشابهة النّصارى! لأنّهم هم الّذين يهنئون في هذه الأيّام؛ هم الّذين يقولون: "كلّ عام وأنت بخير" ونحو هذه العبارات.
فأنت إذا هنّأْتَ بحلول العام الجديد؛ بحلول السَّنة الجديدة؛ فقد وقعْتّ في التّشبُّه! التّشبُّه بأهل الكتاب!
والنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم منعنا وحرَّم علينا أن نتشبّه بأهل الكتاب؛ وقال عليه الصّلاة والسّلام: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ))!
فلا تهنئة! يكفي أن يهنّئ بعضنا بعضًا بعيد الفطر وبعيد الأضحى؛ هذا الّذي شرعه لنا ربّنا سبحانه وتعالى.
أمّا التّهنئة برأس السَّنة وبحلول العام الجديد؛ فهذه لا تجوز! وذلك لأمرين كما ذكرْتُ:
الأمر الأوّل: أنّ هذا ليس عيدًا حتّى يُهنّئ بعضنا بعضًا؛ كأنّنا جعلناه عيدًا!
الثّاني: من فعل ذلك فقد وقع في التّشبّه بأهل الكتاب! تشبّه بالنّصارى؛ وهذا لا يجوز!
نسأل اللهَ سبحانه وتعالى أن يبارك في أعمارنا...
اللهمّ بارك في أعمارنا... وبارك في أيّامنا... وبارك في أوقاتنا يا ربّ العالمين...
اللهمّ اجعلنا ممّن طال عمره وحَسُنَ عمله... ولا تجعلنا ممّن طال عمره وساء عمله...
يا ربّ العالمين... ويا أرحم الرّاحمين... اجعل خير أعمالنا أواخرها... وخير أيّامنا يوم أن نلقاك...
اللّهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات، وللمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات...
والحمد لله ربّ العالمين.