كلمة الإخلاص أبو الحسن عبد الحميد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران/102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء/1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. [الأحزاب/70، 71]
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمابعد عباد الله: قد أمركم ربكم بتوحيده وبإخلاص العبادة له، وعلّق النجاة على ذلك، فمن قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه صادقا في قولها عاملا بمقتضاها، انتفع بهذه الكلمة انتفاعا كبيرا، وفاز بقولها فوزا عظيما ونجا من مخاطر مهيبة وأهوال رهيبة، وأما من قالها بلسانِه وقلبُه على الشرك معقود، وعباداته وسعيه وحبه لغير الله: كان بمنزلة من قال شيئا لا ينفعه، حالُه كحال الأعجمي الذي يتلفظ بما لا يفهمه، فهذه الكلمة لا تنفعه ولا تنجيه من الخلود في النار، فهو بمنزلة المشركين الذين امتنعوا عن قولها بعد فهمها.
وأما من قالها فاهما لمعناها لكنه لم يقم بمقتضاها من حق الله عليه فلم يأتمر بما أمره الله ولم ينته عما نهاه فقد فاته من النجاة بقدر ما فاته من القيام بحقها، وهو من العذاب غير آمن، ونار جهنم ليست عنه ببعيد، خرّج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أنس رضي لله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل فقال: « يا معاذ بن جبل هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا »
وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أو أبي سعيد بالشك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله لا يَلْقَى الله بهما عَبْدٌ غيرَ شَاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة »
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قال أبو ذر: قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال في الرابعة: وإن رغم أنف أبي ذر» ما من عبد
وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة
وأحاديث هذا الباب نوعان: أحدهما ما فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها وهذا ظاهر، فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهِّر من ذنوبه بالنار، وحديث أبي ذر معناه أن الزنا والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد وهذا فقه لا مرية فيه، ليس فيه أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد. والنوع الثاني: من الأحاديث ما فيه أنه يحرم على النار، وهذا حمله بعضهم على الخلود فيها، أو على نار يخلد فيها أهلها وهي ما عدا الدرك الأسفل من النار فأما الدرك الأعلى من النار فيدخله كثير من الموحدين بذنوبهم ثم يخرجون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين، وقالت طائفة من العلماء المراد من هذه الأحاديث أن لا إله إلا الله سبب دخول الجنة والنجاة من النار ومقتضى لذلك ولكن لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع، وهذا قول الحسن ووهب بن منبه، قال ابن رجب وهو الأظهر، قال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال: نِعم العدة ولكن للا إله إلا الله شروط فإياك وقذف المحصنة. وقيل للحسن: إن ناسا يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال لا إله إلا الله فأدى حقها و فرضها دخل الجنة، وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك. ويدل على صحة هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص كما في الصحيحين عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا ولا أنقص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
قال طائفة من العلماء تلك النصوص المطلقة جاءت مقيدة في أحاديث أخرى ففي بعضها: من قال لا إله إلا الله مخلصا، وفي بعضها: مستيقنا، وفي بعضها: بصدق لسانه، وفي بعضها: من قلبه، وفي بعضها: قد ذل بها لسانه واطمأن بها قلبه. وهذا كله إشارة إلى القلب وتحققه لمعنى الشهادتين، فتحقيقه لقول لا إله إلا الله: أن لا يأله القلبُ غيرَ الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله ألا يعبد الله إلا بما شرع على لسان محمد صلى اله عليه وسلم ، وتحقيق هذا المعنى -عبادَ الله- : أن قولَ العبد لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله ، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة وإجلالا له ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه ... كما ورد إطلاق الشرك على الرياء وعلى الحلف بغير الله وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه وعلى من سوّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرِّد اللهِ بالنفع والضر كالطيرة والرقى المكروهة وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادحٌ في تمام التوحيد وكماله، ولذلك أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك كقتال المسلم ومن أتى حائضا ومن أتى امرأة في دبرها ومن شرب الخمر في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن دائرة الملة، ولهذا قال السلف كفرٌ دونَ كفر وشرك دون شرك، وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع قال الله تعالى ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ وهو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه، ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( تعِس عبدُ الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شِيك فلا انتَقَش)
فدلّ على أن من أحب شيئا وأطاعه وكان غايةَ قصده ومطلوبه ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك الشيء معبودَه وإلهه.
فيا أيها المسلم كن عبد الله لا عبد الهوى فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾[يوسف: 39] تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم.
والله لا ينجو من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار، من علِم أن معبوده فرد فليفرده بالعبودية ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، فمن كره شيئا مما يحبه الله أو كره شيئا مما يكرره الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من الشرك بحسب ما كرهه مما يحبه الله وما أحبه مما يكرهه الله قال الله تعالى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال الحسن: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته ، وسُئل أحدهم: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يبغضه عندك أمرَّ من الصبِر، وقال أحد الصالحين: كلّ من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة.
لو قلت لي مُتْ مِتُّ سمعا وطاعة *** وقلتُ لداعي الموت أهلا ومرحبا
لن ينجوا غدا إلا من لقي الله بقلب سليم ليس فيه سواه قال تعالى :﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ [الشعراء : 88 ، 89]، فمن لم يُحرق اليومَ قلبه بنار الأسف على ما سلف أو بنار الشوق إلى لقاء الحبيب فنار جهنم أشد له حرا ، أول من تسعر به النار من الموحدين العباد المراءون بأعمالهم وأولهم العالم والمجاهد والمتصدق للرياء لأن يسير الرياء شرك، وبعد أهل الرياء يدخل أصحاب الشهوة وعبيد الهوى الذين أطاعوا أهواءهم وعصوا مولاهم، فأما عبيد الله حقا فقال لهم: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾
الحمد لله مجازي الصادقين بصدقهم والمخلصين بإخلاصهم، والمرائين كذلك ويردّ عليهم أعمالهم وصلى الله على نبينا محمد إمام المخلصين وعلَم الصادقين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد: عباد الله: إذا فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار) فاعلموا أن من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلَّة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهَّرت القلب من كل ما سوى الله، ومتى بقي في القلب أثرٌ سوى الله فمن قلة الصدق في قولها ، من صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه ولم يرج سواه ولم يخش أحدا إلا الله ولم يتوكل إلا على الله ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه، ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة ، فإن الله له العناية عناية بمن يحبه فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة ييسر له التوبة وينبهه على الزلة ، فيفزع إلى الاعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة بما جنى ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الحمّى تذهب الخطايا كما يذهب الكير الخبث ) وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن رجلا لقي امرأة كانت بغيّا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت: مه فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام، فتركها وولّى فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائطَ وجهُه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال : ( أنت عبدٌ أراد الله بك خيرا ثم قال: إن الله إذا أراد بعبده شرا أمسك ذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة )
اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى فالمحبة رأس الدواء متى طالبتكم بمألوفها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمِي وجهه: أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام وذكِّروها بقوله تعالى ( عن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ... إلى الاستقامة عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد لعلها تستحي من قربه ونظره (ألم يعلم بأن الله يرى )( إن ربك لبالمرصاد)
راود رجل امرأة في فلاة ليلا فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب قالت: أين مكوكبها
أكره رجل امرأة على نفسها وأمرها بغلق الأبواب فقال لها:هل بقي باب لم يغلق قالت :نعم الباب الذي بيننا وبين الله فلم يتعرض لها
رأى بعض العارفين رجلا يكلم امرأة فقال:إن الله يراكما ...في الله وإياكما
سئل أحدهم بما يستعان على غض البصر قال بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك
قال بعضهم:استح من الله على قدر قربه منك وخف الله على قدر قدرته عليك
فاتقوا الله عباد الله وراقبوه سركم وعلانيتكم تكونوا من عباده المقربين.

مشكور

بارك الله فيك

كلمة الإخلاص أبو الحسن عبد الحميد 53210640

بارك الله فيك

» الإخلاص الشيخ سالم العجمي
» أكثر من 20 كلمة في الاختلاط ( نصوص ونقاشات عقلية
» من أعظم ما يُستعان به على رفع المصائب الشيخ عبد الحميد الجهني
» حتى لا ننسى تاريخنا الهجري الشيخ عبد الحميد الجهني
» وأحسن كما أحسن الله إليك محمد بن عبد الحميد حسونة