الخطبة الاولى:
أما بعد أيها المسلمون ــ فقد جرت سنة الله عز وجل في عباده، أن يعاملهم بحسب أعمالهم، فإذا اتقى الناس ربهم الذي خلقهم ورزقهم، أنزل عليهم البركات من السماء، وأخرج لهم الخيرات من الأرض، كما قال سبحانه: { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }[الأعراف:9].
ــ وقال تعالى: { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً }[الجن:16]، وإذا تمرد العباد على شرع الله، وفسقوا عن أمره أتاهم العذاب والنكال من الكبير المتعال، فإذا كان العباد مطيعين لله عز وجل، معظمين لشرعه، أغدق عليهم النعم، وأزاح عنهم النقم، وإذا تبدل حال العباد من الطاعة إلى المعصية، ومن الشكر إلى الكفر، حلت بهم النقم، وزالت عنهم النعم.
ــ فكل ما يحصل للعباد من محن، وكوارث ومصائب، فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }[الشورى:30].
ــ إن ما نشاهده من هذه الآيات الكونية، لهي آية من آيات الله، تجعل المؤمن متصلاً بالله، ذاكراً له شاكرا لنعمه، مستجيرا به خائفا من نقمته وسخطه.(منقول من الساحات).
قال عز وجل (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) أي لايتفكرون فيها ولا يعتبرون بها ..
عباد الله إن من نعم الله علينا هذا الهواء الذي نتنفسه ولشدة الحاجة اليه جعله الله مبذولا متاحا للمخلوقات في كل مكان وبدون ثمن او مال ، ولكن عندما يتلوث هذا الهواء بالقدر الذي لا يمكن الافادة منه فان حال الناس تصبح صعبة وحرجة تصل ربما الى حالات من الاغماء او الاختناق .ـ وقد توالت علينا في هذه الأيام رياح شديدة مصحوبة بأتربة كثيفة تأذى منها الناس وتضرروا، وبان عجزهم عن ردها ودفع ضررها حتى بإغلاق الأبواب والنوافذ فهي تصل لكل مكان ولو كان مغلقاً.
ـ أيها المؤمنون إن الريح جند من جنود الله تعالى التي لا يقاومها شيء، فإذا خرجت عن سرعتها المعتادة – بإذن ربها - دمرت المدن وهدمت المباني، واقتلعت الأشجار، وصارت عذابا على من حلت بدارهم فلما عتا قوم عاد وقالوا (من أشد منا قوة )أرسل الله عليهم الريح العقيم فقال جل وعلا ( وفي عاد اذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ماتذر من شيء أتت عليه الا جعلته كالرميم ) قال البغوي : هي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا ما تذر من شيء أتت عليه من أنفسهم وأنعامهم ومواشيهم وأموالهم إلا جعلته كالرميم أي كالشيء الهالك البالي وهو نبات الأرض إذا يبس وديس قال مجاهد كالتبن اليابس( تفسير البغوي ج4/ص233)
وقد سماها الله تعالى (عاتية) في قوله: { وأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية } قال المفسرون عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة وقيل : عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب.
ـ كيف لا وهي جند من جنود الله ينصر بها من يشاء من عباده المؤمنين كما حصل في غزوة الخندق.
ـ قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا } {الأحزاب: 9}. روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هي الصبا كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم (خيامهم) حتى أظعنتهم (معاني القرآن - النحاس ج5/ص328 )
وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدَبور )والصبا هي الريح الشرقية والدَبور هي الريح الغربية ( شرح النووي 6 \ 198)
ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم، عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سر به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة : فسألته. فقال: "إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي") رواه مسلم.
ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم ! إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به. وأعوذ بك من شرها، وشرما فيها، وشر ما أرسلت به)رواه مسلم.
ـ وقد قال الله عن قوم صالح عندما أرسل علهم الريح: { فلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } الأحقاف: 24.
ـ فلم يظنوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة كونية قد تتسبب في نزول المطر، خاصةوأنهم كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر. ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب.
ونقل ابن كثير في تفسيره عن عبد الله بن عمرو قال الرياح ثمانية : أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب فأما الرحمة: فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات، وأما العذاب : فالعقيم والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف وهما في البحر ، فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحا للسحاب تلقحه بحمله الماء كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيما وأودعه عذابا أليما وجعله نقمة على من يشاء من عباده فيجعله صرصرا وعاتيا ومفسدا لما يمر عليه (تفسير ابن كثير ج3/ص438)
ايها المسلمون كما ان الرياح جند من جنود الله يسلطها على من يشاء فانها أيضا خلق من خلق الله يسخرها لمن يشاء من عباده ، قال المولى تبارك وتعالى(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الانبياء:81 ) وقال تعالى (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ)(سـبأ: من الآية12) قال قتادة تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين( زاد المسير - ابن الجوزي ج6/ص438)
ان كثيرا من الدول والامم والمجتمعات غالبا ماتضرب لهذه الرياح والاعاصير الف حساب فتقرأ الاحوال الجوية وتتنبأ بوقت ومكان حدوثها وتتخذ من اجلها الاحتياطات وتشغيل الانذارات وتجهيز الملاجيء ومع هذا كله الا أنها لاتتجاوزهم الا بخسائر فادحة في الارواح والاموال وتلفيات في الممتلكات .
أيها المسلمون ان مما ينبغي الحذر منه هو نسبة هذه الظواهر الى الطبيعة كما يسميها بعضهم (غضب الطبيعة ) وكما يقول بعضهم ان هذه ظواهر طبيعية. لها أسباب معروفة. لا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم كما يجرى ذلك على ألسنة بعض الصحفيين والإعلاميين. حتى صار الناس لا يخافون عند حدوثها، ولا يعتبرون بها.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : ونحن لا ننكر أن يكون لها أسباب حسية ولكن من الذي أوجد هذه الأسباب الحسية ؟؟
إن الأسباب الحسية لا تكون إلا بأمر الله عز وجل ، والله بحكمته جعل لكل شي سببا إما سبباً شرعي وإما سبباً حسياً هكذا جرت سنه الله عز وجل. (خطبة هذا نذير ـ موقع الشيخ).
ـ نسأل الله عزّ وجل أن يجعلني وإياكم من الذين إذا وُعِظُوا اتعظوا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا ابتلوا صبروا،إنه سميع مجيب.
ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً (الريح تحمل الحصى الصغار) ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }.ـ أقول ما تسمعون ....