الترغيب في الزواج وقد رغب الاسلام في الزواج بصور متعددة الترغيب . فتارة يذكر أنه من سنن الانبياء وهدى المرسلين . وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم : ( ولقد أرسلنا مرسلا رسلا من قبلك ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ) . وفي حديث الترمذي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من سنن المرسلين : الحناء ( 4 ) ، والتعطر ، والسواك ، والنكاح ) .
( 4 ) وقال بعض الرواة : الحياء بالياء . ( . )
وتارة يذكر في معرض الامتنان : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ، ورزقكم من الطيبات ) . وأحيانا يتحدث عن كونه آية من آيات الله : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) . وقد يتردد المرء في قبول الزواج ، فيحجم عنه خوفا من الاضطلاع بتكاليفه ، وهروبا من احتمال أعبائه . فيلفت الاسلام نظره إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلا إلى الغنى ، وأنه سيحمل عنه هذه الاعباء ويمده بالقوة التي تجعله قادرا على التغلب على أسباب الفقر : ( وأنكحوا الايامى ( 1 ) منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ( 2 ) ، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ، والله واسع عليم ) وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة حق على الله عونهم ، المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الاداء ، والناكح الذي يريد العفاف ) . والمرأة خير كنز يضاف إلى رصيد الرجل . روى الترمذي وابن ماجة عن ثوبان رضي الله عنه ، قال لما نزلت : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ، ولا ينفقونها في سبيل الله ، فبشرهم بعذاب أليم ) . قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة ، فلو علمنا أي المال خير فنتخذه ؟ فقال : ( لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ) .
( 1 ) الايامى : جمع أيم ، وهو الذي لا زوجة له ، أو التي لا زوج لها . ( 2 ) العباد : العبيد .
وروى الطبري بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من أصابهن فقد أعطي خير الدنيا والاخرة : قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وبدنا على البلاء صابرا ، وزوجة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله ) . وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الدنا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ) . وقد يخيل للانسان في لحظة من لحظات يقظته الروحية ، أن يتبتل وينقطع عن كل شأن من شؤون الدنيا ، فيقوم الليل ، ويصوم النهار ، ويعتزل النساء ، ويسير في طريق الرهبانية المنافية لطبيعة الانسان . فيعلمه الاسلام أن ذلك مناف لفطرته ، ومغاير لدينه ، وأن سيد الانبياء - وهو أخشى الناس لله وأتقاهم له - كان يصوم ويفطر ، ويقوم وينام ، ويتزوج النساء . وأن من حاول الخروج عن هديه فليس له شرف الانتساب إليه . روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا - كأنهم تقالوها ( 1 ) - فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ . أما والله إني لاخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . والزوجة الصالحة فيض من السعادة يغمبر البيت ويملؤه سرورا وبهجة وإشراقا .
فعن أبي أمامة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما استفاد المؤمن - بعد تقوى الله عزوجل - خيرا له من زوجة صالحة : إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ) . رواه ابن ماجة . وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم ثلاثة ، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة : من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، ومن شقاوة ابن آدم : المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء ) . رواه أحمد بسند صحيح . ورواه الطبراني ، والبزاز ، والحاكم وصححه ، وقد جاء تفسير هذا الحديث في حديث آخر رواه الحاكم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة من السعادة : المرأة الصالحة ، تراها تعجبك ، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون وطيئة ( 1 ) تلحقك بأصحابك ، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق ، وثلاث من الشقاء : المرأة تراها فتسوءك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون قطوفا ( 2 ) فان ضربتها أتعبتك ، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق ) . والزواج عبادة يستكمل الانسان بها نصف دينه ، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء . فعن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الباقي ) . رواه الطبراني والحاكم وقال : صحيح الاسناد . وعنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر ) . رواه ابن ماجه وفيه ضعف .
(