فتوى جريئة: إجبار الزوج زوجته على ترك عملها مخالف للدين
ما هي الآراء المختلفة لعلماء الدين حولها؟
فيما يرى رجال كثيرون أن منع الزوجة من العمل أحد حقوقهم، أصدرت الدكتورة عبلة الكحلاوي فتوى جريئة قالت فيها: «لا يحق للزوج إجبار زوجته على ترك عملها أو منعها من العمل، ما دامت ملتزمة في عملها بالضوابط الشرعية»، بل ذهبت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، إلى حد «تأثيم الزوج المتعسف مع زوجته في هذا الأمر»، فما هي الأسانيد الشرعية، التي اعتمدت عليها الكحلاوي في الفتوى؟ وما هي الآراء المختلفة لعلماء الدين حولها؟
عمل المرأة مباح شرعاً
في البداية تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي: «ليس من حق الزوج إجبار زوجته على ترك عملها، لأن عمل المرأة مباح شرعاً، بل وموجود منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. والإسلام يقدر العمل باعتباره عبادة، وفضيلة أخلاقية وقيمة اقتصادية، وهو الأمر الذي جعل المرأة تحمل على عاتقها جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة».
وأضافت: «العمل أحد فروض الإسلام، وأحد أضلاع مثلث القوة، الذي يضم أيضا العلم والإيمان، ومن هنا تأتي أهمية إباحة الإسلام عمل المرأة ، لكونه يعبر عن شخصيتها وتطور مركزها الاجتماعي».
وترى الدكتورة عبلة أن المرأة تتفوق على الرجل في بعض مجالات العمل، وتضرب مثالاً بعالم البيزنس، وتقول: «لست مبالغة إذا قلت إن المرأة أفضل من الرجل في هذا المجال. ومن الأفضل للمرأة، إذا كانت سيدة أعمال، أن تتزوج من رجل على الدرجة نفسها حتى يتفهم عملها. والأفضل أن يكون هناك اتفاق بين الزوجين قبل الزواج على عمل الزوجة، وأن يُدوَّن هذا الشرط في عقد الزواج».
وتكمل: «إذا كان هناك ضرر بالغ على أولادها من خروجها للعمل، وزوجها يستطيع توفير احتياجات الأسرة، فالأفضل شرعاً اهتمامها بأسرتها، وعلى زوجها أن يُقدِّر تضحيتها بعملها من أجله هو وأولاده، لكن دون أن يجبرها على ذلك».
View Pictures
تفسيرات خاطئة
وترد العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية - جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح على الأزواج الذين يسيئون تفسير بعض النصوص الدينية، لتبرير حرمانهم المرأة من العمل بقولها: «اهتم الإسلام منذ ظهوره بقضايا المرأة، إذ أباح عملها في الوظيفة الصحيحة والمناسبة، بالتفاهم مع زوجها، فإن لم يتفاهما، فلها أن ترفع أمرها الى القضاء لإنصافها، خاصة إذا كانت اشترطت ذلك عليه أو كان تزوجها وهي عاملة».
وتتعجب من حبس بعض الأزواج زوجاتهم وحرمانهن من العمل، مستندين إلى قوله تعالى « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»آية 33 سورة الأحزاب.
وترد على ذلك قائلة: «من يرجع إلى سبب نزول الآية سيجد أنها خاصة بزوجات الرسول، صلى الله عليه وسلم، من حيث عدم خروجهن، وليس عدم التبرج، الذي هو حكم عام لكل المسلمات.
ومن يقرأ التاريخ الإسلامي، ابتداءً من العصر النبوي، يجد أن الإسلام لم يحرِّم عمل المرأة بشكل عام، بل جعل لذلك ضوابط عديدة، أهمها أن يكون العمل موافقاً لطبيعة المرأة وأنوثتها، ويقارب فطرتها اللطيفة الرقيقة، ويمنعها من الاختلاط بلا ضوابط، مما يعد مخالفة للشرع، وكذلك ألا يتعارض عملُها مع وظيفتها الأساسية في بيتها، وواجبها تجاه زوجها وأطفالها، بأن لا يأخذ العمل كل وقتها، وأن يكون خروجها للعمل بإذن زوجها، وخلو عملها من المحرمات، كالتبرج والسفور، وأن تتحلى بتقوى الله ويكون سلوكها منضبطاً، وخلقها قويماً، مما يحميها من الفتن، وأن تلتزم بالحجاب الشرعي ولا تبدي شيئاً من زينتها لأجنبي، وأن تلتزم بقوله تعالى: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» آية 31 سورة النور.
وأضافت: «الإسلام ساوى بين الرجال والنساء في الحق في العمل، والكسب الحلال، بالإضافة إلى العبادات. ولهذا فإن أي عمل تؤديه المرأة، وتخشى الله فيه وتحافظ على حقوق زوجها وأولادها، فهي مثابة عنه شرعاً، مثل الرجل، لقوله تعالى «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» آية 195 سورة آل عمران. وقوله صلى الله عليه وسلم «إنما النساء شقائق الرجال». وبالتالي ننصح الأزواج بعدم التعسف مع زوجاتهم بمنعهن من العمل طالما كان شريفا ولا تترتب عليه آثار ضارة على الأسرة والمجتمع».
وتؤكد الدكتورة سعاد حق الزوجات في العمل الشريف وضرورة تفهم الأزواج لذلك، قائلة: «كان النسوة في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الغزوات يمرِّضن ويداوين الجرحى، بل وشاركن فيها بالقتال، وساعدن رجالاً في الجيوش بالسقيا والإطعام والعلاج. وقد قالت الصحابية الربيع بنت معوذ: «كنا نغزو مع رسول الله، نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة».