«زوجتي تتقاضى راتباً فلماذا أنفق عليها؟». كلمات يرددها بعض الأزواج ظناً منهم أن عمل الزوجة وتقاضيها راتباً، يجعلان من حقهم الامتناع عن الإنفاق على زوجاتهم، وهو ما يثير المشاكل في بعض البيوت، حيث ترى الزوجة أن راتبها يخصها، وأنه ليس من حق زوجها أن يمتنع عن الإنفاق عليها. وأمام تلك المشكلة، التي تتكرر كثيراً، خرج مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل بفتوى جريئة قال فيها: «لا يحق للزوج أن يرفض الإنفاق على زوجته لأنها تتقاضى راتباً». فما هي أسانيد الفتوى الشرعية؟ وهل يتفق معها رجال الدين أم أن لهم آراء أخرى؟
في البداية قال واصل إن الزواج في الإسلام له مكانته الرفيعة، لأنه الوسيلة الشرعية لتكوين الأسرة المستقرة، لهذا جعله الله تعالى آيةً من آياته، لما يحققه من غايات نبيلة لطرفيه، من السكن والمودة والرحمة.
لهذا قال تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون» «الآية 21 سورة الروم».
وأضاف: «الشريعة الإسلامية قررت أن من حق الزوجة على زوجها النفقة، وهي كل ما تحتاج إليه الزوجة للمعيشة، من طعام وكسوة ومسكن وخدمة، وكل ما يلزمها حسب المتعارف عليه بين الناس في بيئتها، حتى لو كانت الزوجة غنية بمالها.
وحكمة النفقة احتباس الزوجة لأجل الزوج وطاعتها له في غير معصية، لأن الأصل الشرعي أنه لا يجوز للزوجة الخروج من منزل الزوجية، سواءً كان للعمل أو غيره، إلا بإذن زوجها، الذي له حق القوامة المرتبطة بالإنفاق، لقوله تعالى: «الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» «الآية 34 سورة النساء».
ويكمل مفتي مصر الأسبق: «على الزوج ألا يكون متعسفاً مع زوجته في قضية الإنفاق، إذا تزوجها وهي تعمل ورضي بذلك، واشترطت عليه ذلك، سواء في عقد الزواج أو شفاهة أمام شهود، ولا يحق له الربط بين إنفاقه عليها وحصوله على راتبها الذي هو حقها، لأن الشريعة أوجبت الوفاء بالوعود والعهود والشروط، لقوله تعالى: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً» «الآية 34 سورة الإسراء» وكذلك قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» «الآية 1 سورة المائدة». وقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً». والزوج الذي يخالف ذلك يكون آثماً شرعاً، ومن حق الزوجة اتخاذ الوسائل المشروعة للدفاع عن حقها».
وعن حكم الشرع في الأزواج الذين يبتزون زوجاتهم العاملات، بأن يقلِّلوا من الإنفاق عليهن، أو يمتنعوا كليةً، قال واصل: «سأل أحدُ الصحابة رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، عن حق الزوجة على زوجها فقال له: «تطعمها إذا طَعِمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تُقبِّح ولا تهجر إلا في البيت». وقال في حديث آخر: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
اتفاق ما قبل الزواج
أما الدكتورة رجاء حُزيِّن، عميدة كلية الدراسات الإسلامية، فتقول: «أمر الإسلامُ الناسَ جميعاً، وخاصة الأزواج والزوجات، بأن يتعاونوا على البر والتقوى فقال تعالى: «وتعانوا على البر والتقوى» «الآية 2 سورة المائدة». ومن أشكال تعاون الزوجة مع زوجها تخصيص جزء من راتبها لمساعدته في الإنفاق على الأسرة، رغم أن نفقتها واجبة عليه، وليست مكلفة بذلك شرعاً. ولكن هذا التطوع، للمساهمة في الإنفاق على نفسها وأسرتها، يساعد على استقرار الحياة الأسرية، وينشر السعادة والسرور بين أفرادها.
ولاشك أن هذا الموقف النبيل يجعلها تنال رضا الله ثم رضا الزوج، جزاء ذلك قال عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة».
ووجهت الدكتورة رجاء كلامها إلى الأزواج الذين يحاولون التنصل من الإنفاق على زوجاتهم العاملات، بقولها: «نهانا الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن إخلاف الوعد، وجعل ذلك علامة من علامات النفاق، فقال: «آية المنافق ثلاث، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» وبالتالي فيجب على الزوج تنفيذ ما تم الاتفاق عليه قبل الزواج، وأن يعلم أن النفقة على زوجته واجبة عليه شرعاً، بصرف النظر عن وجود دخل لها أو لا، لأن الوفاء بذلك واجب شرعاً».
ذات فضل
وتحاول مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، وضع النقاط على الحروف لنزع فتيل أي أزمة زوجية قائلة: «أنصح كلاًّ من الزوجين بأن يراعي كل منهما الآخر، ويؤدي حقوقه، وأن يعاون القادر منهما غير القادر، لأنه من صفات الزوجة الصالحة مساعدة زوجها، وأن تعينه على تكاليف الحياة مادام في حاجة الى مساعدتها، وهي على ذلك مثابةٌ شرعاً، لأنها أصبحت ذات فضل».
وأوضحت أن كلاًّ من الزوجين مأمورٌ بحسن العشرة، وخاصة الرجل باعتباره قائد الأسرة والمسؤول عن الإنفاق عليها ورعايتها، فقال تعالى: «وعاشروهن بالمعروف» «الآية 19 سورة النساء». وأكد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المعنى نفسه بقوله: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»· فالزواج في الإسلام عقد ميثاق غليظ بين الزوجين، يرتبطان به ارتباطاً مقدساً، ويندمج كل منهما في الآخر لقوله تعالى: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» «الآية 187 سورة البقرة».
وحذرت مفتية النساء الزوجات العاملات من النشوز بغير عذر شرعي أو أسباب موضوعية، مؤكدة أن المرأة الناشز بغير عذر هي فقط من تسقط نفقتها. ومن أنواع النشوز الامتناع عن فراش الزوج، أو الامتناع عن الانتقال معه، أو السفر معه، أو الخروج بدون إذنه وبدون مبرر شرعي.