.
ماذا تفعل المغتصبة بجنينها؟
علماء الدين اختلفوا في الإجابة
احتدم أخيراً خلاف ديني بين اثنين من الباحثين الإسلاميين، حول حق المغتصبة في إجهاض الجنين. فالدكتور مسعود صبري يرى أنه من حقها الإجهاض ويسوق الأدلة، بينما ردّ عليه الدكتور عصام الشعَّار برفض الإجهاض تماماً ويسوق أيضاً أدلته. «لها» رصدت هذا الخلاف وسألت علماء الأزهر: «ماذا تفعل المغتصبة بجنينها؟»
حكم الإجهاض
بدأت القضية عندما كتب الباحث الإسلامي الدكتور مسعود صبري مقالاً عنوانه: «ماذا تفعل المغتصبة بجنينها؟»، أكد فيه أنه تنشأ عن الاغتصاب أضرار عديدة، من النواحي الدينية والاجتماعية والنفسية، ومنها ما قد يحصل نتيجة الحمل، لهذا تظل المرأة في حيرة من أمرها، هل تتخلص من جنينها الذي أتى بغير رغبتها؟ أم تشعر بالحرج الشرعي عندما تسمع أنه لا يجوز إجهاض الجنين؟ وماذا لو احتفظت به، فإلى من ينسب؟ هل ينسب إلى المجرم المغتصب؟ وماذا لو كان هذا المغتصب أحد المحارم كما هو في بعض الحالات النادرة؟
وفرَّق صبري المغتصبة وغيرها ممن تحمل سفاحاً وتدعي أنها اغتصبت، قائلاً: «المغتصبة هي من مورست معها الفاحشة رغماً عنها، وهي لها كارهة، وتلك التي يكون الاجتهاد في حالتها من جواز الإجهاض من عدمه. أما التي تزني برضاها، أو كانت ممن تمارس الفاحشة لأجل المتعة، أو من أجل التكسب، فهذه يحرم في حقها الإجهاض، وتأثم بإجهاض جنينها، ولو كان قبل نفخ الروح، أما بعد نفخ الروح في الجنين فعليها الإثم مع العقوبة المقررة شرعاً، من الكفارة والغرة، وهي ربع عشر دية الرجل.
أما المرأة التي اغتُصبت فقد وقع عليها جرم رغماً عنها، وهذه المرأة قد تحمل وتريد أن تتخلّص من الجنين، الذي جاء دون رضاها، وهذه إما أن يكون الجنين قد تخلق في رحمها، أو نفخ فيه الروح. والتخلّق اختلف الفقهاء في مدته، فمنهم من جعله بعد مئة وعشرين يوماً، ومنهم من رأى أن التخلّق يحصل بعد أربعين يوماً، وهو ما يتماشى مع وجهة النظر العلمية التي تفرّق بين التخلق ونفخ الروح، واعتباره آدميًّا له حقوق، وهذا ما يشهد له ظاهر القرآن: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» (آية 5 سورة الحج).
وعن نسب ابن الاغتصاب قال الدكتور مسعود: «أفضل ما وجدته في الاجتهادات المعاصرة، في هذه المسألة هو ما ذهب إليه مفتي مصر، الدكتور علي جمعة، من حرمة نسب الجنين إلى أبيه من الاغتصاب، في حين يجوز إضافة لقب عائلة الكافل للطفل المكفول، قياساً بالولاء الذي هو جائز شرعاً، وانتفاء التبني المحرم شرعاً، بحيث يحفظ له حقوقه المدنية. ويتساوى في هذا أن يكون نتج من اغتصاب أجنبي أو أحد المحارم، مع اعتبار أن الاغتصاب من قبل أحد المحارم أشد جرماً، وأكبر إثماً عند الله، ثم عند الناس».
وانتهى إلى أنه، رغم اختلاف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل التخلق أو نفخ الروح، فإنه يجوز للمرأة أن تُجهض جنينها، إن كان ناتجاً عن اغتصاب، وهذا الحكم الشرعي مبني على أن الإنجاب حق مشترك، وأن الاغتصاب يُسقط هذا الحق، وبالتالي يحق للمرأة التخلص من ناتج الاغتصاب».
لضرورات تبيح المحظورات
أما عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي، فيقول: «يجب إجهاض المغتصبة لأن الاغتصاب عمل غير مشروع وحرام، ولذلك فإن ثمرة هذا العمل الحرام ينبغي التخلص منها فوراً. ولهذا على المغتصبة المبادرة للإجهاض حتى لا تتأخر، ويكون تأخرها تجاوزاً للمدة المحددة، وهي 120 يوماً، وكلما كان الإجهاض مبكراً كان أفضل، حتى لا يكتمل نمو الجنين وبالتالي ينشأ خلق آخر».
وأيدت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير، وجوب إجهاض المغتصبة قائلة: «جنين السفاح أتى من عمل خسيس انعدمت فيه إرادة المرأة، ولذلك يجب التخلص من آثاره سريعاً. أما إذا رفضت وأبقته فكانت آثمة، وكأنها رضيت بالاغتصاب المحرم شرعاً، لأنني أعتبر الاغتصاب قتلاً للمرأة وللنفس، وسلباً لمعنى الحياة من أعماقها، عندما ينتزعها المغتصب بهذه الصورة الإجرامية. وأدعو من تعرضت لهذا الموقف لأن تسارع وتغسل كل آثار الجريمة، وهذا جائز شرعاً باعتبار ذلك فيه ستر للمرأة، وتخليص لها من آلامها النفسية، لأنه حسب القاعدة الشرعية: «الضرورات تبيح المحظورات»، وبالتالي فإن الحفاظ على كرامة المرأة وسمعتها وصحتها النفسية أمر ضروري».
ضوابط شرعية
إذا كانت هذه هي تفاصيل خلاف الباحثيْن، الدكتور صبري والدكتور الشعَّار، فماذا يقول علماء الدين عن هذا الخلاف؟ وهل لديهم إجابة حاسمة على سؤال: ماذا تفعل المغتصبة في جنينها؟
يؤكد مفتي مصر الدكتور علي جمعة، عدم جواز إجهاض جنين الاغتصاب بعد مرور الأشهر الأربعة الأولى من الحمل، وإلا اعتبر ذلك قتلاً للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، مما يدل على عدم جواز إجهاض المغتصبة بعد نفخ الروح في الجنين، حيث ساوى الشرع في العقوبة والتبعات المالية، «وهي الغرة»، بين من يعتدي على الحامل، من نكاح أو سفاح أو اغتصاب، فيُسقط ولدها. ولو كانت المغتصبة لها الحق في إجهاض نفسها، لما استوت العقوبة في الاعتداء على جنينها مع العقوبة في الاعتداء على أي حمل آخر.
ورفض مفتي مصر إباحة الإجهاض للمغتصبة بإطلاق، حتى ولو بعد أربعة أشهر من الحمل، فالقول بأن للمغتصبة الإجهاض مطلقاً يشمل إجهاضها نفسها بعد نفخ الروح فيه، أو بعد الولادة، وهذا هو المعنى الذي ساوى فيه الفقهاء بين ما بعد نفخ الروح وبين الطفل الحي، فكما لا يجوز أن نقتل مولوداً، ولو من اغتصاب، فلا يجوز أن نقتل جنين المغتصبة بعد نفخ الروح فيه.