ما أن تم الإعلان في البرلمان المصري عن اقتراح بقانون يُبيح تعقيم المرأة لمنعها من الحمل، حتى انفجرت حالة من الجدل بين علماء الدين، هناك من يعارضون التعقيم تماماً، وهناك من يرونه جائزاً فقط في حالة المرض، ويرفضونه إذا كان بسبب الفقر. فما هي حكاية هذا الاقتراح وماذا يقول رجال الدين؟ حاول رئيس لجنة الصحة في البرلمان المصري الدكتور حمدي السيد التخفيف من رد الفعل المعارض للاقتراح، فأكد أن كلامه فُهِم خطأ، وأن وسائل الإعلام ضخّمت الموضوع بأنه يدعو إلى إباحة إجهاض الفقراء مع أنه لا أحد يجرؤ فى العالم على المطالبة بذلك، لأنه يتنافى مع قدسية مهنة الطب والشرائع السماوية. وردت وسائل الإعلام على هجوم السيد بنشر نص أقواله بلجنة الصحة، مؤكدةً أن تراجعه هذا موقت لتفادي الغضب الشعبي، في حين أن هناك خطة مستقبلية لتطبيق الاقتراح بشكل أو بآخر بإباحة تعقيم المرأة أو إجهاضها لظروف الفقر أو المرض بعد موافقة الزوجين أو ولي الزوجة في حالة تعذر الحصول على موافقتها، وكذلك موافقة لجنة طبية من ثلاثة أطباء على تقرير يُثبت تشوه الجنين أو تعرض المرأة لأمراض من شأنها إصابة الأجنة بالتشوه، أو وصول المرأة إلى عمر ٤٠ سنة بحيث يتعرض الجنين لاحتمال التشوه، مع مراعاة الظروف المعيشية الصعبة التي لا تُساعد الأم في تربية أولادها أو الإنفاق عليهم طبقاً لتقرير صادر من وحدة الشؤون الاجتماعية.
التعقيم
يُعرّف أستاذ النساء والتوليد بطب الأزهر ورئيس الجمعية العالمية لطب النساء والتوليد الدكتور جمال ابو السرور التعقيم بأنه التأثير على الجهاز التناسلي للرجل أو المرأة ليفقد قدرته على الإنجاب بشكل دائم. ولم يكن التعقيم معروفاً في الماضي إلا من خلال الخصاء للعبيد وقد نهت عنه الأديان. ويكون التعقيم للرجال بقطع الحبل المنوي بعملية جراحية بسيطة، أما للنساء فيكون بقطع قناتي الرحم أي قناتي فالوب أو ربطهما أو الاثنين. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق فتح البطن أو بواسطة منظار بطني، كما يمكن الوصول إلى القناتين عن طريق عنق الرحم بمنظار رحمي. ويعتبر التعقيم من الوسائل الدائمة لمنع الحمل بدليل أن محاولة إعادة وصل الأنبوبين التي تُمكّن الزوجة من الحمل نسبة النجاح فيها قليلة.
قرار الأطباء
وأعلن رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم رفضه الشديد لهذا الاقتراح لأنه يتعارض مع الفطرة الإنسانية السليمة التي ترغب في الإنجاب، ووصفها القرآن بقوله تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» سورة الكهف (آية 46).بل إن الإسلام جعل حفظ النسل من الضرورات التي جاءت الشريعة بحفظها وصيانتها، ولهذا حرّم الإجهاض وجعل أي اعتداء على الجنين يكون فيه «الغرّة» وهي دفع دية، أما إذا كان الاعتداء بعد مضي ستة أشهر على الحمل فصاعداً فعلى المتعدي الدية كاملة مع الكفارة.
وأضاف الإسلام دعا إلى زيادة النسل باعتباره نعمةً إذا أحسنا توظيفها تؤدي إلى تقوية الأمة، فقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، وليس هذا الأمر مقصوراً على الإسلام، بل كان من دعاء الأنبياء وعباد الرحمن في كل العصور ما سجله القرآن في قوله تعالى: «ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما» سورة الفرقان (آية 74). ولهذا فإن اقتراح التعقيم مرفوض شكلاً وموضوعاً، وخاصة فيما يتعلق بالفقر وأنا له بالمرصاد. أما بالنسبة الى المرض فإن هذا يقرره الأطباء الثقات».
أفكار أجنبية
وربط العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب بين «الدعوة إلى التعقيم وما سبق أن دعا إليه مالتس، رجل الدين الإنكليزي الذي تفرغ لدراسة السكان والبيئة، وخلص إلى أن السكان يزدادون على هيئة متواليات هندسية، أما الموارد فتزداد على شكل متواليات حسابية. وبالتالي فإن السكان سيتضاعفون كل 25 سنة بينما لن تزداد الموارد إلا بنسبة أقل من ذلك بكثير، ولهذا فإنه لا بد أن يأتي يوم لا تفي فيه الموارد بحاجات البشر، ولهذا فإن الحل هو الترغيب في الامتناع عن الاتصال الجنسي بالزوجة ومنع الفقراء من الإنجاب ولو بالقوة، لأن زيادة عدد السكان هي سبب الفقر. وهذه النظرية مرفوضة شرعاً لأنها تشكك في قدرة الله على توفير الرزق لمن خلق مع أنه سبحانه القائل: «إنا كل شيء خلقناه بقدر» (آية 49 سورة القمر) . والحقيقة أن وجود جوعى في الأرض ليس سببه كثرة الإنجاب، وإنما تكاسل الإنسان وتخاذله وسوء تدبيره لأموره وعدم أخذه بالأسباب، وعدم عدالة التوزيع في الثروات يموت الملايين جوعاً في أفريقيا، في حين ترمى المنتجات في الدول الغنية في البحار حتى لا تنخفض قيمتها الشرائية، بل إن بعض الحكومات تدفع الأموال لمزارعيها حتى لا يزرعوا أراضيهم».