«زوّجني شقيقتك وأزوجك شقيقتي»! هذا نموذج لزواج المبادلة الذي تتعدد صوره. لكن مهما تعددت فنحن أمام نتيجة واحدة، وهي أن البعض لا يزال يتعامل مع المرأة وكأنها سلعة للمبادلة. ومن هنا خرج الدكتور أحمد عمر هاشم باجتهاد جريء يطالب فيه بوضع عقوبات لمن يمارس هذا الزواج، مؤكداً أن الإسلام نهى عنه. كلام الدكتور أحمد عمر هاشم وراءه أسانيد وأدلة يكشفها لنا. ويتحدث عن المسألة أيضاً علماء دين يبدون آراءهم بكل صراحة.
آراء الفقهاء
واستشهد مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل في تحريم الإسلام لزواج المبادلة بما فعله معاوية بن أبي سفيان الذي لم يكن حاكماً فقط وإنما لديه دراية بالفقه، عندما علم أن العباس بن عبد الله زوّج عبد الرحمن بن الحكم ابنته وزوّجه عبد الرحمن ابنته، وكانا قد جعلا صداقاً فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: «هذا الشِغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وعن آراء الفقهاء في هذا الزواج يؤكد أن جمهور الفقهاء نهى عن زواج الشِغار سواء كان بصداق أو لم يكن بصداق، بدليل موافقة الصحابة رضي الله عنهم لما فعله معاوية ولم ينكر ذلك أحد منهم. كما أن الفقيه ابن عبد البر قال:أجمع العلماء على أن نكاح الشِغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته، فالجمهور على البطلان، وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده. وذهب فقهاء الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل. أما الإمام الشافعي فقد قال: «إن النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك اليمين، فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم». ولا يختص الشِغار بالبنات والأخوات فحسب، بل يمتد إلى حكم غيرهن من النساء اللواتي للرجل له عليهن الولاية، فإن أساء الرجل استخدام حقه يحق لولي الأمر معاقبته وردعه بما يراه مناسباً للجرم الذي ارتكبه.
زواج اشتراطي
في البداية يعرض الدكتور أحمد عمر هاشم الأسانيد الشرعية التي بنى عليها اجتهاده بضرورة سن تشريع يعاقب من استحل زواج المبادلة فيقول: «التسمية الشرعية لزواج البدل هي «زواج الشِغار» بـ«كسر الشين» وقد اشتق لفظ «الشِغار» من شِغر المكان إذا خلا من سكانه، وسمي هذا الزواج بهذا الاسم لخلوه من تحديد المهر للزوجة، حيث يقول رجل لآخر: «زوّجني ابنتك أو أختك وأنا أزوّجك ابنتي أو أختي ولا آخذ منك مهراً لها وأنت لا تأخذ مني مهراً نظير زواجي بابنتك أو أختك، أو من له ولاية عليها سواء كان بينهما صداق أو لا صداق»، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشِغار. فهذا زواج اشتراطي وكأنها مبادلة تجارية.
والدليل على ذلك أن هذا النوع من الزواج نهى عنه الإسلام بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا شِغار في الإسلام». كما أن فيه إهداراً لكرامة المرأة وإنسانيتها وإرادتها، ولهذا اشترط الإسلام في الزواج الشرعي أن يكون فيه رضا للمرأة، ومهر يدفعه الزوج لزوجته ومن هنا تتضح الحكمة من نهي الإسلام عن زواج المبادلة لأن في ذلك ظلماً لكل من الزوجتين، بالإضافة إلى إخلاء زواجهما من المهر الذي أمر الله تعالى به أمراً صريحاً في قوله تعالى: «وآتوا النساء صدقاتهن نحِلة» (آية ٤ سورة النساء).
ولهذا يجوز لولي الأمر معاقبة من يخالف تعاليم الإسلام، ويستحل زواج المبادلة عن طريق عقوبة تتناسب مع هذه المخالفة الشرعية لأن «الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن»، أي أن أحكام القرآن والسنة في حاجة إلى قوانين أو عقوبات يقررها السلطان حتى يتم تطبيقها واحترامها، وإذا قصّر ولي الأمر في ذلك متعمداً فهو آثم شرعاً لأنه ارتضى ظلم الفئات المستضعفة مثل النساء، ولم يوفر لهن الحماية الواجبة عليه والواضحة في قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته».
زواج باطل
وأوضحت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح- العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية- أن من أسباب تحريم هذا النوع من الزواج أنه يجعل المرأة سلعةً، ويتنافى مع الأحكام الواردة في شريعة الإسلام بشأن الزواج، ولذا كان زواجاً باطلاً ويجب أن يتنزه كل عاقل عنه. وقد كان زواج الشِغار منتشراً في الجاهلية، حين كان الرجل يزوّج وليته سواء كانت ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر وليته وليس بينهما صَدَاق ولا مهر. وكان كل ما يهم الرجال تحقيق رغباتهم على حساب كرامة النساء، وهذا يخالف أخلاق الرجل المسلم الذي جعل الله ولايته لابنته أو أخته أو غيرهما على سبيل الأمانة التي عليه أن يحافظ عليها أو يعمل ما فيه مصلحتها وباستشارتها، بما لا يتعارض مع أحكام الشرع الذي اشترط المهر فقال تعالى: «يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» (آية ٢٧ سورة الأنفال). وقال صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك». ولا مانع شرعاً أن يتخذ ولي الأمر أو القاضي من العقوبات ما يراه ملائماً لمنع هذه العادة الظالمة للمرأة والمخالفة لتعاليم الإسلام.