حق الحضانة - فتاوى المجلس الإسلامي للإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم، تقول السائلة: أنا امرأة أرملة، توفي زوجي وترك خلفه ابنتين، أعمارهما الآن عشر سنوات ونصف، تقدم شخص للزواج مني وقد وافقت على ذلك، فلمن الحق في حضانة البنات، وهل يجوز بقاؤهما
عندي في حال زواجي من رجل آخر غريب عنهما؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قرر الفقهاء أن الحضانة حق للأم ما لم تتزوج، جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:"يا رسول الله، هذا ابني كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي".{رواه أبو داود والدارقطني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وحسن إسناده الشيخ ناصر الدين الألباني}. ويروى أن عمر بن الخطاب كان قد طلق امرأته بعد أن أعقب منها ولده عاصم، فرآه في الطريق وأخذه فذهبت جدته أم أمه وراءه، وتنازعا بين يدي أبي بكر الصديق فأعطاها إياه، وقال أبو بكر لعمر: ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك".
جاء في المغني(18/222):"(وَالْأُمُّ أَحَقُّ بِكَفَالَةِ الطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ، إذَا طَلُقَتْ)، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا افْتَرَقَا، وَلَهُمَا وَلَدٌ طِفْلٌ أَوْ مَعْتُوهٌ، فَأُمُّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِكَفَالَتِهِ إذَا كَمُلَتْ الشَّرَائِطُ فِيهَا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى".
فإن تزوجت أو وجد مانع يمنع من الحضانة انتقل حق الحضانة إلى التي تليها على الترتيب التالي: أم الأم، أم الأب، الأخوات، بنات الأخوات، الخالات، العمات.
جاء في المادة الرابعة والخمسين بعد المائة من قانون الأحوال الشخصية الأردني والمعمول بها في البلاد:"الأم النسبيه أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية، وبعد الفرقة، ثم بعد الأم يعود الحق لمن تلي الأم من النساء حسب الترتيب المنصوص عليه في مذهب الإمام أبي حنيفة".{انظر: الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني لعمر الأشقر(ص322)، المرشد في القضاء الشرعي لإياد زحالقة (ص100-102)}.
وفي حال عدم توفر الحاضنات أو وجود مانع يمنع من حضانتهن، تنتقل الحضانة إلى العصبات من الرجال حسب ترتيبهم في الإرث.
واصطلح الفقهاء أن السن التي يجب أن يكون الولد الذكر في حضانة أمه حتى السابعة، أما عند البنت فحتى التاسعة، كما جاء في المادة 391 من كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، والمعمول به في البلاد.
فإذا كان الأولاد الذكور تحت السابعة يلحقون بأمهم وإذا كانوا فوق السابعة يضمون إلى والدهم، الأمر ذاته بالنسبة إلى البنت إذا بلغت سن التاسعة.
وفي حال موت الأب يضمون إلى العصبات من الرجال حسب ترتيبهم في الإرث على النحو التالي:
الجد، الأخ الشقيق، الأخ لأب، ابن الأخ الشقيق، ابن الأخ لأب، العم الشقيق، العم لأب، ابن العم الشقيق، ابن العم لأب، عم الأب الشقيق، عم الأب لأب.
ما ذكرناه سابقا في شأن الحضانة هو ما يمليه قانون الأحوال الشخصية ولكن ليس بالضرورة العمل فيه، فالمعتبر مصلحة الصغير، وهو مبدأ أساسي ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند تحديد الحاضن. فقد يكون الأب أصلح للأولاد من الأم والحاضنات اللواتي يأتين بعدها لعلة فيهن، فيعطى الأب حق الحضانة ابتداء.
وقد يكون زوج الأم الأجنبي أصلح للأولاد من القريب المبغض فيقضى ببقاء الأولاد بحضانة الأم رغم زواجها.
جاء في حاشية ابن عابدين(3/565):"أن سقوط الحضانة بذلك لدفع الضرر عن الصغير فينبغي للمفتي أن يكون ذا بصيرة ليراعي الأصلح للولد فإنه قد يكون له قريب مبغض له يتمنى موته ويكون زوج أمه مشفقا عليه يعز عليه فراقه فيريد قريبه أخذه منها ليؤذيه ويؤذيها أو ليأكل من نفقته أو نحو ذلك وقد يكون له زوجة تؤذيه أضعاف ما يؤذيه زوج أمه الأجنبي وقد يكون له أولاد يخشى على البنت منهم الفتنة لسكناها معهم فإذا علم المفتي أو القاضي شيئا من ذلك لا يحل له نزعه من أمه لأن مدار أمر الحضانة على نفع الولد وقد مر عن البدائع لو كانت الإخوة والأعمام غير مأمونين على نفسها أو مالها لا تسلم إليهم".
وبناءً عليه فإن الأولاد يلحقون بالجد ومن يليه في حال عدم وجوده، ولكن يجوز للقاضي أن يقرر خلاف ذلك إذا دعت المصلحة ( مصلحة الصغير ) لذلك.
ويرجع في تقديم الحكم للقاضي ( ومن يقوم مقامه ) بناءً على الأدلة والقرائن الموجودة لديه.
والله تعالى اعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء