الأذان والإقامة
وهما فرض كفاية على الرجال للصلوات الخمس، ويقاتل أهل المصر بتركهما، وهو خمسة عشر وهي إحدى عشرة.
الأذان من سنن المسلمين، المسلمون لهم شعار، شعارهم هذا الأذان، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغِير على قوم يشك في إسلامهم استمع في وقت الصلاة، فإن سمع الأذان وإلا أغار، يعرف أن الأذان إنما هو من خصائص المسلمين، وأنهم قد أسلموا فلا يُغِير عليهم، فإن لم يسمع الأذان عرف بأنهم ليسوا مسلمين، هذا هو شعار المسلمين.
شعار النصارى الضرب بالناقوس، وشعار اليهود البوق الذي ينفخون فيه، وشعار المجوس النار التي يوقدونها لوقت عباداتهم، وشعار المسلمين رفع الصوت بالنداء للصلاة، ذكره الله تعالى في قوله: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا يعني إذا أذَّنتم، وكذلك قوله: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ النداء يكون بالأذان.
فهذا الأذان من شعائر الإسلام، اشتمل هذا الأذان على أذكار، على التكبيرات، ست تكبيرات، وعلى التشهدات، أربع تشهدات، وعلى التهليل في آخره، وجُعل في أثنائه النداء الذي هو الحيعلتان؛ نداءً المسلمين إخبارًا لهم بأن الوقت قد دخل، وأنه مدعوُّون لأداء هذه الصلاة، يقال لهم: حي على الصلاة، أي: هلموا لأدائها، حي على الفلاح، أي: حي على أسباب الفلاح الذي هو من صفات المؤمنين: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فهذا هو شعار الإسلام.
شُرع الأذان في السنة الثانية في أولها، أول ما قدموا لم يكونوا يؤذنون وإنما كانوا يتحرَّوْن؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين لهم المواقيت بدقة، بل قد عرف المواقيت قبل الهجرة، صلى معه جبريل -عليه السلام- في مكة في أول الوقت وفي آخره وقال الصلاة بين هذين الوقتين، فلما هاجر أخبرهم بالمواقيت، ولكن لما لم يكن هناك شعار ظاهر لم يكونوا يضبطون ذلك؛ فكان بعضهم يتأخر فتفوته، وبعضهم يتقدم فيجلس ينتظرها ساعة أو نحو ذلك فشق ذلك عليهم، فقالوا نريد أن نجعل شيئًا نعرف به الوقت.
ذكروا أن اليهود لهم البوق الذي ينفخون فيه، فأرادوا أن يتخذوه، وقالوا: هذا لليهود، لا نحب أن نتشبه بهم، ثم ذكروا النار، وعرفوا أيضًا أنها للمجوس، ثم ذكروا الناقوس الذي يُضرب حتى يعني هو شبه الطبق من نحاس أو نحوه، يضرب فيصير له صوت رفيع، وتفرقوا على ذلك.
يقول عبد الله بن زيد بن عبد ربه: " إني انصرفت وأنا مهتم بذلك، فطاف به طائف في النوم يحمل ناقوسًا، فقال: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تريد به، قال: ندعو به للصلاة، فقال: أَوَلَا أدلُّك على أفضل من ذلك؛ أن تقول: الله أكبر، الله أكبر ".. فعلمه هذا الأذان ثم علمه الإقامة، أصبح وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بهذه الرؤيا فقال: إنها لرؤيا حق، فألقه على بلال فإنه أندى منك صوتًا.
ولما سمعه عمر جاء وقال: يا رسول الله، والله لقد رأيت مثل ما رأى، فحمد النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه على ذلك، وأصبح الأذان شعارًا للصلوات الخمس، وكذلك الإقامة علمها ذلك الذي رآها، وقال: الإقامة كذا، فالأذان والإقامة فرض كفاية، إذا أذّن واحد سقط الإثم عن أهل البلد، فرض على الرجال، إذا كان المكان ليس فيه إلا نساء فلا أذان، تُمنع المرأة أن تؤذن.
الأذان خاص للصلوات الخمس الذي هو هذه التكبيرات، أما بقية الصلوات فلا، فصلاة العيدين ليس لها أذان، وصلاة الاستسقاء كذلك، أما صلاة الكسوف فيُنادَى لها بغير الأذان، ينادى لها بـ "الصلاة جامعة".
يُقاتل أهل المصر بتركهما، ذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يسمع الأذان على أهل الحي أغار وقاتلهم وعرف أنهم ليسوا من المسلمين.
الأذان خمس عشرة، خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة، هذا هو الذي عليه العمل، وهو أذان بلال الذي كان يستمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفره وفي حضره.
الحنفية عندهم الترجيع، يكون الأذان عندهم تسع عشرة جملة، وعندهم الإقامة كأذاننا بزيادة الإقامة، فالإقامة عندهم سبع عشرة جملة، اعتمادهم على حديث أبي محذورة وذلك لأن أبا محذورة لما كان في غزوة الفتح خرج هو وشباب معه لما سمعوا الأذان، أخذوا يقلدونه على وجه السخرية، سمع بهم النبي -صلى الله عليه وسلم، أرسل من يأتي بهم فأُتي بهم موثقين، فأمرهم أن يؤذنوا، أعجبه صوت أبي محذورة، لقنه الشهادة وأسلم وأمره أن يكون مؤذنًا بمكة، وكان يرجّع، يرفع صوته بالتشهدات الأربع ثم يكررها مرة ثانية مع خفض الصوت، ثم يستمر في بقية الأذان، فتكون التشهدات عنده ثماني، ولكن نصف التشهدات الأربع الأخيرة ما يرفع بها صوته، أخذ ذلك الحنفية وقالوا: هذا مؤذن الحرم إذا لم نعمل به فبماذا نعمل، أما الأئمة الآخرون فإنهم يتبعون أذان بلال وليس فيه ترجيع.
وأما الإقامة، فإن بلالا إنما يقيم إحدى عشرة جملة كإقامتنا الآن إحدى عشر، الحنفية نقلوا أن الإقامة في الحرم كانت سبعة عشر، يكبرون أربعًا ثم يتشهدون مرتين مرتين، ثم الحيعلة مرتين مرتين، ثم الإقامة مرتين ثم تكبيرتين ثم تهليلة.