حكم إمامة الصبي ومصآفته في الصلاة تأليف سرحان بن غزاي العتيبي

حكم
إمامة الصبي ومصآفته
في الصلاة

تأليف
سرحان بن غزاي العتيبي

((( المقدمة )))
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الملك الديَّان وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالفرقان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والإخوان وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :

فالحمد لله على ما أولاه من جزيل الفضل والإنعام وأشكره وقد تأذن بالزيادة لأهل الشكران ، أسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنه ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل الآية:18)
وكان من أجلِّ نعم الله علينا أهل الإسلام أن أكرمنا بهذا الدين العظيم وجعلنا خير أمةٍ أخرجت للناس ، وجعل شريعتنا ناسخةً لما قبلها من الشرائع السماوية ولن يقبل من أحدٍ بعد الإسلام إلا الإسلام كما قال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران الآية:85)
ثم بعث الله إلينا خير خلقه وخاتم رسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فما ترك طريقاً للخير إلا دلَّ الأمة عليه وأمرها به ، وما ترك طريقاً للشرِّ إلا سده وحذر الأمة منه فجزاه الله عن أمته خير الجزاء وأكرمه ، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين 0

((( أهمية الموضوع )))
نظراً لكون الصلاة هي عمود الدين والحد الفاصل بين الإيمان والكفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ))(1) وقال أيضاً (( بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة ))(2) ولذلك كان ينبغي على المسلم الذي يعرف قدر الصلاة وأهميتها أن يتعلم جميع ما يتعلق بها من أحكام وما قد يتعرض له فيها من أمور
ونظراً لكون الشارع قد أمر ولي أمر الصبيان أن يأمرهم بالصلاة عند بلوغ سن التمييز وهو سبع سنين وأن يضربهم عليها وهم أبناء عشر وكان لابد أن تكون صلاتهم مع جماعة المسلمين كان لابد من تعلم الأحكام المتعلقة بهم ومنها إمامة الصبي إذا كان قارئً هل تصح أم لا ؟ ومنها حكم موقفهم من الإمام المنفرد هل يكونون خلفه أم بجانبه وإذا حضر رجل بالغ فهل يصف معه عن يمين الإمام أم يكون حكمه كالبالغ فيقفا خلف الإمام وإذا اجتمع رجال وصبيان ونساء فأين يكون موقفهم ، كل ذلك وغيره من الأحكام التي تعرض للمصلين بوجود الصبي ينبغي عليهم أن يتعلموها حتى لايرتكبوا أمراً يخلُّ بصلاتهم
ولذلك كان هذا الموضوع بالغ الأهمية ودراسته لابد أن تكون دراسةً تأصيليةً تفصيلية وفق الكتاب والسنة ومنهج علماء الأمة
ــــــ

التعريف بالإمامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإمامة في اللغة / هو من مصدر أمَّ يؤم(1) فهو إمام
والإمام هو الذي يقتدى به في الخير أو الشر وجمعه أئمة ومنه قوله تعالى
( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )(2) وقوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ )(3) وأمامه أي قدامه (4)
والإمام / هو الرجل الجامع للخير ومن هو على الحق مخالف لسائر الأديان(5)
والإمام في الصلاة هو الذي يتقدم المأمومين ويقتدون به فيها

التعريف بالصبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصبي في اللغة / الغلام(1) وهو من لم يبلغ الحلم (2) والجمع صبوة (3) وصبية وصبيان (4) ورجل مصب ذو صبيان (5) والجارية صبية والجمع صبايا (6)
الصبي في الشرع /
هو من لم يبلغ الحلم ولم تجب عليه التكاليف الشرعية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف المصافة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصافة في اللغة / التصاف هو التساطر واصطفوا قاموا صفوفاً (7) يقال : صف القوم فاصطفوا أي أقامهم صفاً ، والجمع مصآف (8) يقال : مُصافي أي صُفَّتُهُ بحذاء صُفَّتي (9)
المصافة في الصلاة / الوقوف في صف المصلين (10)

((( إمامة الصبي المميز في الفريضة )))

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول /أنها تصح

ورواية عن أبي حنيفة (1)(2)
وأدلتهم كما يلي :
1-عن عمرو بن سلمة(3) قال : كنا بماءٍ ممر الناس ، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم : ما للناس ما للناس ما هذا الرجل ؟ فيقولون : يزعم أن الله أرسله أوحى إليه أو أوحى الله بكذا ، فكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنما يقرُّ في صدري ، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون : اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبيٌ صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قومٍ بإسلامهم وَبَدَرَ أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال : جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً ، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا ، وصلوا صلاة كذا في حين كذا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثر قرآناً مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت عليَّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني فقالت إمرأةٌ من الحي : ألا تغطون عنا إست قارئكم فاشتروا فقطعوا لي قميصاً

فما فرحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص ) زاد أبو داود (فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم ) (1)
وجه الدلالة أن الصحابة قدموه وهو ابن ست أو سبع سنين فدل على جواز إمامة المميز وإلا لنزل الوحي بإنكار ذلك 0
2-عن أبي سعيد الخدري (2) رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )) (3) وقوله عليه الصلاة والسلام (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ))(4)
وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الأحق بالإمامة الأقرأ ولم يخصَّ البالغين بذلك فيدخل فيه الصبي المميز 0
3-قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كنا نأخذ الصبيان من الكتاب ليصلوا بنا في شهر رمضان ونعمل لهم القبلية والحسكات )(5)
4-تصح قياساً على صحة إمامة المتنفل بالمفترض فكذلك الصبي وإن كانت الفريضة له نافلة إلا أنه يصح أن يؤم بمفترض (6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الثاني /
لا تصح إمامة الصبي بالبالغ في الفرض
وهو قول أبو حنيفة(1) ومالك(2)(3) والمشهور من مذهب أحمد(4)
قال في المجموع(5) وكرهها عطاء(6)والشعبي (7) ومجاهد (8) ومالك والثوري (9) وأصحاب الرأي (10) وهو مروي عن بن عباس(11)(12) وقال الأوزاعي (13)لايؤم في مكتوبة إلا أن لا يكون فيهم من يحفظ شيئاً من القران فيؤمهم المراهق (14) وقال الزهري (15) : إن اضطروا إليه أمهم 0
وأدلتهم كما يلي :
1-حديث علي بن أبي طالب (16)أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ))(17)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
وجه الدلالة من الحديث / أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ فلا تصح الصلاة خلف من رفع عنه القلم كالمجنون 0
2-عن أبي هريرة رضي الله عنه (1) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ))(2)
وجه الإستدلال / أن صلاة البالغ الفرض خلف الصبي الذي صلاته نفل إختلافٌ على الإمام وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإختلاف على الإمام فدل على عدم صحة صلاة البالغ خلف الصبي المميز 0
3-أن الإمامة حال كمال والصبي ليس من أهل الكمال والإمام ضامن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (3) والصبي ليس من أهل الضمان فلا يؤم الرجال البالغين (4)
4-قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تقدموا سفهاءكم وصبيانكم في صلاتكم ))(5)
5-قال بن مسعود رضي الله عنه : لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود 0 وقال بن عباس رضي الله عنهما : لا يؤم غلام حتى يحتلم 0 الحديثان رواهما الأثرم (6)(7) ولم ينقل عن غيرهما من الصحابة ما يخالفه 0
ـ

((( إجابات أصحاب القول الثاني على أدلة أصحاب القول الأول )))

1-أما حديث عمرو بن سلمة فليس فيه ما يدل على أنه كان عن علم النبي صلى الله عليه وسلم أو أمره أو تقريره بدليل أنه كان إذا سجد خرجت إسته وهذا غير جائز ، ولأنه ربما كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة ، وقد كان الإمام أحمد بن حنبل يضعف أم عمرو بن سلمة وقال مرةً : دعه ليس بشيءٍ بيِّن (1) 0

وأما حديث (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )) فقد قال بن حجر في الفتح: واحتج بن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم ، قال : فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم (2)

((( إجابات أصحاب القول الأول على أدلة وردود أصحاب القول الثاني )))
1-أما قولهم أنه لا حجة في قصة عمرو بن سلمة لأنه لم يرو أنه كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره ،
يجاب / بأن دليل الجواز وقوع ذلك في زمن الوحي ولو كانت إمامة الصبي لا تصح لنزل الوحي بذلك لأنه لو كان أمراً منكراً لأنكره الله ولو كان الرسول لا يعلم بدليل قوله تعالى ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(1)
فأنكر عليهم تبييتهم القول مع أن الناس لا يعلمون به لأنهم إنما بيَّتوا أمراً منكراً فدَّل هذا على أن الأمر المنكر لا يمكن أن يدعه الله وإن كان الناس لا يعلمون به ، ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم استدلوا على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقران ينزل وهذا استدلالٌ منهم بإقرار الله تعالى (2)
وأما قولهم أنه إذا سجد خرجت إسته وهذا غير جائزٍ في الصلاة ،
فيجاب / بأنه غير جائز لمن وجد ما يستتر به ، أما وأن الصحابة الكرام أغلبهم فقراء لا يجدون ما يستترون به وقد كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم عاقدي أزرهم على عواتقهم خشية انكشاف عوراتهم روى البخاري وغيره عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال : كان الناس يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عاقدوا أزرهم من الصغر على

رقابهم ، فقيل للنساء لا ترفعن رؤوسكنَّ حتى يستوي الرجال جلوساً (1)
وروى البخاري أيضاً عن جابرٍ بن عبدالله رضي الله عنهما أنه صلى في إزارٍ قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعةٌ على المشجب فقال له قائل : تصلي في إزارٍ واحد ؟ فقال : إنما صنعت ذلك ليراني أحمقٌ مثلك وأينا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)0
قال في الفتح / إنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستوراً إذا ركع وسجد (3)
فإذا كانت هذه هي حالهم فقد قال المولى جلَّ وعلا ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )(4) وقال تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(5)
2-وأمَّا قول الإمام بن حزم رحمه الله : إنما يؤم من يتوجه إليه ا؟لأمر والصبي ليس بمأمور لأنه قد رفع عنه القلم
فيجاب / بأن هذا القول ( لا يخفى فساده لأنا نقول المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآناً فبطل ما احتج به وتبين أنه يعم كل من اتصف بذلك ولو كان عبداً أو صبياً أو غيرهم(6) فتصح إمامتهم )(7)
3-وأما حديث (( لا تقدموا صبيانكم في صلاتكم )) فهو حديثٌ باطلٌ لا أصل له اطلاقاً فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (8)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4-وأما قولهم : إن صلاة الصبي نفل وصلاة البالغ فرض ولا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل لأنه قد اختلف على إمامه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإختلاف على الأئمة (1)
فيجاب / بأنه قد ثبت في الصحيحين أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤم بهم(2) فهي له نفل ولهم فريضة ، فدَّل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل ، ولا يمكن أن يقال : أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم النفل ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم الفرض ، لأنه لا شك أن صلاته خلف النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة خيرٌ من صلاته الفريضة إماماً بقومه ولا يمكن لصحابيٍ جليل هو أعلم الأمة بالحلال والحرام أن يترك الفاضل لتحصيل المفضول ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال (( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )) (3) فكيف يصلي معاذ نفلاً وقد أقيمت الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم
فإذا تبين أنه يصح أن يصلي المفترض خلف المتنفل وأن ذلك ليس من الإختلاف على الإمام تبين لنا أنه يصح أن يصلي البالغ الذي صلاته فرض خلف الصبي الذي صلاته نفل وأن ذلك ليس من الإختلاف على الإمام 0
5-وأما قولهم أنه يحتمل أن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما كان يؤم قومه في النفل دون الفرض
فيجاب / بأن هذا احتمال باطل لا دليل عليه ، بل إن سياق القصة يدل على أن المراد جميع الصلوات لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا )) وقوله (( فإذا حضرت الصلاة 00)) فتبين أنه أراد الفرائض وقد زاد أبو داود رحمه الله في رواية عن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما قال : فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا 0(1) فتبين أنه كان يصلي بهم في عموم صلواتهم

6-وأما حديث (( رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ 00)) فالمراد رفع التكليف والإيجاب لا نفي صحة الصلاة بدليل حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنهما وحديث بن عباس رضي الله عنهما أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها (2)

7-وأما حديث بن مسعود وبن عباس رضي الله عنهما الذي رواهما الأثرم فإن صحا فهما معارضان بما قد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من صحة إمامة الصبيان وإذا اختلف الصحابة لم يحتج بقول بعضهم (3) ثم هو معارضٌ بحديث عمرو بن سلمة في الصحيحين فقد أمَّ وهو صبي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقت نزول الوحي 0

القول الراجح في المسألة
هو القول بصحة إمامة الصبي المميز للبالغ في الفرض(1)
وذلك لعدة أسباب هي /
1-إعتمادهم على حديث صحيح صريح الدلالة في هذه المسألة وهو حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنهما ، وأما التأويلات التي عورض بها فلا تقوى على إسقاط الإحتجاج به في هذه المسألة 0

2-اعتمادهم أيضاً على حديث (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )) فهو عامٌ يشمل البالغ وغير البالغ ولا دليل على التخصيص فيحمل على العموم

3-أن أدلة القائلين بعدم صحة إمامة الصبي للبالغ في الفرض قد عورضت بما يسقط الإحتجاج بها في هذه المسألة على النحو التالي :
1-حديث (( رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ 000)) الذي رواه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه تبين أن المراد به رفع التكليف والإيجاب لا نفي صحة الصلاة بدليل حديث عمرو بن سلمة وحديث بن عباس وحديث أنس : أنه صلى هو واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم (2)

2-وأما حديث (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه 00) فإنما المراد بالنهي عن الإختلاف على الإمام في الأفعال بدليل تفسير النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله (( فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد )) 0

3-وأما قول بن مسعود وبن عباس رضي الله عنهما إن صح عنهما فهو معارض بقول عائشة رضي الله عنها وخبر عمرو بن سلمة وهي أقوى لكون خبر عمرو ورد في الصحيحين ولو سلمنا أنها متعادلة فإنه لا يحتج بقول صحابي إذا خالفه صحابي آخر 0

4-وأما قولهم إن صلاة الصبي نفل وصلاة البالغ فرض ولا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل فلم يوردوا صحيحاً صريحاً يؤيد ما قالوا بل قد أورد القائلين بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل دليلاً قوياً مؤيداً لقولهم هو حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه

فتبين من خلال هذا أن القول الراجح هو القول بصحة إمامة الصبي المميز للبالغ في الفرض 0

((( إمامة الصبي المميز للبالغ في صلاة النفل )))

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة إمامة الصبي المميز للبالغ في النفل على قولين هما /
القول الأول / أنها لا تصح
وهو قول أبي حنيفة (1) ورواية عن مالك (2) ورواية عن أحمد (3)

وقد استدلوا بما استدلوا به في عدم صحة إمامته في الفرض وقالوا لا فرق بين الفرض والنفل
ولأن نفل الصبي غير مضمون عليه بالإفساد بخلاف نفل البالغ فإنه مضمونٌ عليه بالإفساد فيكون نفل الصبيِّ دون نفل البالغ فلا يصح أن يبنى القوي على الضعيف
ثم إن صلاة الصبي مختلفٌ فيها هل هي صلاةٌ أم لا ؟ والراجح أنها ليست بصلاةٍ وإنما يؤمر بها تخلقاً ولهذا لو صلت المراهقة بغير قناع فإنه يجوز (4)

القول الثاني /
أن إمامة الصبي بالبالغ في النفل تصح
وهو قول الشافعي (1) والمشهور من مذهب مالك (2) وأحمد (3) ورواية عند الحنفية ويفتي بها بعضهم (4)
فأما الشافعية فلأنهم يجوزون إمامته في الفرض فجميع الأدلة التي ذكرناها هناك هي دليل على جوازها في النفل من باب أولى
وأما بالنسبة للمالكية والحنابلة والحنفية الذين يمنعون إمامته في الفرض فيعللون جواز إمامته في النفل بأن النافلة يدخلها التخفيف ولذلك تنعقد الجماعة به فيها إذا كان مأموماً
ولأنه متنفل يؤم متنفل فلا اختلاف على الإمام فيها
ولأن الحسن بن علي كان يؤم عائشة في التراويح وكان صبياً (5)

القول الراجح في المسألة /
أنها تصح إمامته في النفل كما هو الراجح في الفرض بل في النفل أولى لأن النافلة يدخلها التخفيف كالصلاة قاعداً وعلى الراحلة ونحو ذلك (6)

((((( الفصل الثاني )))))
((( مصافة الصبي المميز في الصلاة )))
ـــــ وفيه مبحثان ـــــ
المبحث الأول
((( مصافة الصبي المميز في صلاة الفريضة )))

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولان :
القول الأول /
صحة مصافة الصبي المميز في صلاة الفريضة
وهو قول أبو حنيفة (1) ومالك (2) والشافعي (3) وبعض أصحاب أحمد (4)
ودليلهم /
حديث أنس رضي الله عنه في البخاري قال : صليت أنا ويتيمٌ في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا (5)
وجه الإستدلال /
أن أنس صف مع الصبي خلف النبي صلى الله عليه وسلم لأن اليتيم لا يكون إلا صبياً فكان إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم بصحة مصافة الصبي 0

القول الثاني /
لا تصح مصافة الصبي المميز في الفرض
وهو المشهور من مذهب أحمد (1)
وأدلتهم كما يلي :
1-أن حكم مصافة الصبي حكم إمامته أشبه المرأة فكما لا تصح إمامة المرأة بالرجال ولا مصافتهم فكذلك الصبي لا تصح إمامته بالبالغين في الفرض وكذلك لا تصح مصافته لهم فيها ، ولذلك لو وقف مع رجل خلف الإمام في الفريضة كان الرجل فذاً

2-وأما حديث أنس رضي الله عنه ومصافته للصبي خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك كان في النافلة ونحن نقول بجواز مصافة الصبي في النافلة دون الفريضة لأن النافلة مبنيةٌ على التخفيف 0

ملاحظة /
وعلى هذا القول يقف الصبي إن كان فذاً عن يمين الإمام وإن كان مع رجل فإما أن يكونا جميعاً عن يمين الإمام ، وإما أن يكون الرجل عن يمين الإمام والصبي عن يساره للأثر المروي عن بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى بين علقمة والأسود وقال : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل (2) 0

القول الراجح في المسألة /
صحة مصافة الصبي المميز في الفرض
بدليل حديث أنس رضي الله عنه وكما تصح مصافته في النفل فكذلك هي في الفرض ولا مخصص فالأحكام الواردة في إحدى الصلاتين هي كذلك في الأخرى ما لم يرد دليل على التخصيص ومن ادعى التخصيص في هذه المسألة فعليه الدليل ، ولذا فالصحيح ما عليه الجمهور واختاره بن عقيل من الحنابلة وصوبه بن رجب في القواعد (1)

ــــــ المبحث الثاني ــــــ
((( حكم مصافة الصبي المميز في صلاة النافلة )))

اتفق الأئمة الأربعة(2) على جواز مصافة الصبي المميز في صلاة النافلة بدليل حديث أنس رضي الله عنه في البخاري قال : صليت أنا ويتيمٌ في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا (3)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

21 فهرس الموضوعات 23

بارك الله فيك
وننتظر المزيد

مشكور

مشكور

» السرحان والتفكير في أمور الدنيا مشكله لا يكاد ينجو منها احد حتى أن البعض قد ينقطع عن الصلاة بسببها ولا شك أن التركيز في الصلاة من أهم أركانها ولعلاج مشكله السرحان في الصلاة يجب تهيئه النفس قبل الصلاة بتخصيص دقيقه واحده لتدبر عده أمور.
» هل نرضى أن نقابل رب العالمين بهذه الصلاة..؟؟ لماذا..تفوتُني ركعة..أو ركعتين من الصلاة..؟؟
» خمس أحاديث في فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام
» أحدث وأسهل طرق تعليم الأطفال من تأليف الأستاذ محمد فتحى حنتور
» لا تجوز الصلاة في هاته الاماكن لا تجوز الصلاة في أماكن عشرة!