هل يمكن جعل الطلاق بيد المرأة ؟
الحمد لله الكبير المتعال مكور الليل على النهار والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله المصطفى المختار وعلى آله وصحبه الأبرار ، وبعــــد :
فالزواج ميثاق غليظ كما قال جل في علاه :
" وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " .
وقد كان الزواج يتم بالإشهار ويكتفى بأمانة وديانة الجميع حتى أصدر أحد خلفاء الدولة الفاطمية مرسوما
ً يقضي بكتابة عقود الزواج بسبب كثرة الناس ، وإنكار البعض لحقوق الغير ،
وحينها ظهرت أول وثيقة زواج في مصر ، وكان الذي يتولى هذا هو القاضي ، ثم
حل محله المأذون .
فحل هذا الزواج يحتاج إلى تأني وبعد نظر .
والطلاق في اللغة التخلية ، يقال طلقت الناقة ؛ إذا سرحت حيث شاءت .
وفي الشرع : حل قيد النكاح أو بعضه .
، وقد جعل الله الطلاق لحل المشكلات التي تتعذر معها الحياة .
والطلاق كسرٌ للحياة الزوجية قال النبي صلى الله عليه وسلم : وكسرها طلاقها . رواه مسلم في صحيحه .
، ولذا أباحه الإسلام للحاجة كسوء خلق أو ضرر يتعذر مع استقامة الحياة .
وقد
أجمع أهل العلم على كراهة الطلاق في حال استقامة الزوجين ، وقد شدد في هذا
الإمام أبو حنيفة رحمه الله ، فقال : هو حرام مع استقامة الحال .
جعل
الإسلام الطلاق بيد الرجل لما يحتاجه شأن الأسرة من قوة وحزم وصلابة وقوة
في الرأي ، ولما جبل الله عليه المرأة من تغليب العاطفة ، ونحو ذلك .
ولأن
المرأة يعتريها ما خلقها الله عليه من تغيرات فسيولوجية من طبيعة النساء
من الحمل والولادة والحيض والنفاس يتغير معها مزاجها ويتكدر خاطرها ، فيصعب
حينها تصرفها في أمر مصيري كهذا .
كما أن الله جعل القوامة للرجل وبين هذا وقرره في كتابه العزيز لا تحيزا للرجل ولكن لحقائق ثابتة .
قال الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " .
وجه الدلالة في الآية :
هذه الآية تدل على أن الرجل هو القيم على المرأة أي هو رئيسها والحاكم عليها كما ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره .
و
التعريف في كلمتي الرجال والنساء يفيد العموم أي أن جنس الرجال هو الذي
ينبغي أن يكون حاكما ً على جنس النساء ، وعليه فلا ينبغي أن تكون المرأة هي
التي تتولى أمر الطلاق أو غيره من الأمور التي تكون فيها قيمة على الرجل .
كما أن الله تعالى بين أن عقدة النكاح هي بيد الرجل في قوله جل وعلا :
" حتى يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح " .
وقد فسر علماء التفسير هذه الآية على قولين :
الأول :
أنه الزوج ، وهو قول ابن عباس وجبير بن مطعم وعدد من التابعين وهو مذهب
الشافعي الجديد ومذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن شبرمه والأوزاعي
واختاره بن جرير الطبري .
الثاني : أنه ولي المرأة ، وهو مذهب مالك والشافعي في القديم .
وعلى كلا القولين ، فالمرأة لا تملك حل عقدة النكاح .
ومن السنة ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
ووجه الدلالة في الحديث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن كل قوم ولوا أمرهم امرأة ؛ فإنهم لن
يفلحوا ، ونفي الفلاح يقتضي التحريم ، وكل ولاية عامة فإنها داخلة في هذا
النهي ، وحيث الطلاق تعد نوع ولاية فإن الحديث يشملها .
والمرأة لا تصلح أن تكون شاهدة على عقد الزواج أبدا ً كما نص عليه جمهور الفقهاء أو على الأقل لا تصلح منفردة كما نص عليه الأحناف ، فكيف تكون هي أعلى من ذلك أي تكون هي التي تملك حق الطلاق ؟ ! .
هذا هو الذي قرره الشرع ونص عليه فقهاء الأمة من أن الطلاق هو بيد الرجل وأنه ليس بيد المرأة .
غير أن الفقهاء نصوا على أن المرأة تصلح وكيلة في أمر الطلاق .
وهذه الوكالة هي وكالة عن صاحب الحق في الطلاق وهو الرجل .
قال الفقهاء : يصح توكيل مكلف أي فيصح توكيل مكلف في طلاق المرأة ، وكلمة مكلف في اصطلاح الفقهاء تعني بالغ عاقل .
وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء .
فكل بالغ عاقل يصح أن يكون وكيلا ً في الطلاق حتى ولو كان امرأة .
قال الفقهاء : ويصح أن يوكل امرأته في طلاق نفسها إذا قال لها طلقي نفسك ، فلها أن تطلق نفسها متى شاءت .
لكن
هذا التوكيل يبطل برجوع الزوج عنه بشرط أن يقدم بينة الرجوع عند بعض
الفقهاء فإنها وكالة مثل سائر الوكالات تحتاج في إلغائها إلى إثبات وبينة .
وعلى
ما تقدم فالمرأة لا تصلح أن تكون مالكة لحل عقدة النكاح إلا أن تكون وكيلة
، والوكيل فرع عن موكله فتلتزم بشرط الموكل ومدته وتنفسخ وكالتها بفسخ
الموكل لها .
والله تعالى أجل وأعلم .
كتبه من يرجو عفو ربه /أيمـــن ســـــــامي