حكمه : اختلفت آراء الفقهاء في حكم ( 5 ) الطلاق ، والاصح من هذه الآراء ، رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة ، وهم الاحناف والحنابلة . واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لعن الله كل ذواق ، مطلاق " . ولان في الطلاق كفرا لنعمة الله ، فإن الزواج نعمة من نعمه ، وكفران النعمة حرام . فلا يحل إلا لضرورة . ومن هذه الضرورة التي تبيحه أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته . أو أن يستقر في قلبه عدم اشتهائها ، فإن الله مقلب القلوب ، فإن لم تكن هناك حاجة تدعو إلى الطلاق يكون حينئذ محض كفران نعمة الله ، وسوء أدب من الزوج ، فيكون مكروها محظورا . وللحنابلة تفصيل حسن ، نجمله فيما يلي :
( 1 ) خبب : أفسد . ( 2 ) رواه أبو داود والنسائي . ( 3 ) أي لتخلي عصمة أختها من الزواج ولتحظى بزوجها . ولها أن تتزوج زوجا آخر . ( 4 ) رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي . ( 5 ) أي الوصف الشرعي له
فعندهم قد يكون الطلاق واجبا ، وقد يكون محرما ، وقد يكون مباحا ، وقد يكون مندوبا إليه . فأما الطلاق الواجب : فهو طلاق الحكمين في الشقاق بين الزوجين ، إذا رأيا أن الطلاق هو الوسيلة لقطع الشقاق . وكذلك طلاق المولي بعد التربص ، مدة أربعة أشهر لقول الله تعالى : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ( 1 ) " .
وأما الطلاق المحرم : فهو الطلاق من غير حاجة إليه ، وإنما كان حراما ، لانه ضرر بنفس الزوج ، وضرر بزوجته ، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه . فكان حراما ، مثل إتلاف المال ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " . وفي رواية أخرى أن هذا النوع من الطلاق مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " . وفي لفظ : " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " ( 2 ) وإنما يكون مبغوضا من غير حاجة إليه - وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا - ولانه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها ، فيكون مكروها . وأما الطلاق المباح : فإنما يكون عند الحاجة إليه ، لسوء خلق المرأة ، وسوء عشرتها ، والتضرر بها ، من غير حصول الغرض منها . وأم المندوب إليه : فهو الطلاق يكون عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها ، مثل الصلاة ونحوها ، ولا يمكنه إجبارها عليها ، أو تكون غير عفيفة . قال الامام أحمد رضي الله عنه لا ينبغي له إمساكها ، وذلك لان فيه نقصأ لدينه ، ولا يأمن إفساد ه لفراشه ، وإلحاقها به ولدا ليس هو منه ، ولا بأس بالتضييق عليها في هذه الحال ، لتفتدي منه ، قال الله تعالى : " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( 1 ) " . قال ابن قدامه : ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب . قال : ومن المندوب إليه ، الطلاق في حال الشقاق . وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر . قال ابن سينا في كتاب الشفاء : " ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما ، وألا يسد ذلك من كل وجه ، لان حسم أسباب التوصل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوها من الضرر والخلل . منها : أن من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع ، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر ، والنبو ( أي الخلاف ) وتنغصت المعايش . ومنها : أن من الناس من يمنى ( أي يصاب ) بزوج غير كف ء . ولا حسن المذاهب في العشرة ، أو بغيض تعافه الطبيعة ، فيصير ذلك داعية إلى الرغبة في غيره ، إذ الشهوة طبيعة ، ربما أدى ذلك إلى وجوه من الفساد ، وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النسل ، فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه ، فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل ، ولكنه يجب أن يكون مشددا فيه