زوجات كثيرات يتحملن سفر أزواجهن وغيابهم الطويل لتوفير حياة كريمة أو لأي أسباب أخرى. لكن ماذا عندما تعلن الزوجة أن صبرها على بعد زوجها نفد وأنها لم تعد تتحمل ما ينتج عن غيابه؟ وماذا لو طالبته بالعودة ورفض؟ هذا هو السؤال الذي فجر فتوى جريئة من الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق عندما أعلن بكل صراحة أنه من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا رفض الزوج المسافر طلبها العودة. فما هي أسانيد الفتوى؟ وماذا يقول علماء الدين عنها؟ هل يؤيدونها أم يتحفظون عنها؟
في البداية أكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق أن «الحياة الزوجية مسؤولية أمام الله انطلاقاً من قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» آية ٢١ سورة الروم.
فهل تتحقق المودة والسكن والرحمة مع زوج يرفض العودة الى زوجته التي في أشد الحاجة إليه من الناحيتين الجسدية والنفسية. ومن هنا تأتي الحكمة في الأمر الإلهي «وعاشروهن بالمعروف» آية ١٩ سورة النساء.
وقد حرم الإسلام ظلم النساء أو إلحاق الضرر بهن ولنتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع ومسؤول عن رعيته». فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. فمن الواجب على الزوج عند سفره أن يستأذن شريكة حياته لأنها هي التي ستتحمل المسؤولية الأسرية بعد سفره ويمتد حقها عليه بعد سفره وألا يستمر في السفر دون رضاها».
وأضاف: «رفض الزوج العودة بناء على طلب زوجته هو نوع من الإضرار بها سواء من الناحية النفسية حيث قد لا تستطيع فراقه أو عدم قدرتها على تحمل مسؤولية نفسها وأولادها. ومن حق الزوجة طلب الطلاق من زوجها الرافض تلبية رغبتها في عودته من سفره لأنه فرط بالأمانة التي ائتمنه الله عليها». وعن الضوابط الشرعية لمدة السفر قال واصل: «رغم أنه لم يرد نص صريح بهذه المدة إلا أن هناك قواعد شرعية يستند إليها الفقهاء، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولاضرار».
وهنا ما فعله الفاروق عمر بن الخطاب بعدما مر في المدينة يتحسس أحوال الرعية ليلاً فسمع امرأة سافر زوجها وتركها وحيدة تنشد قائلة:
تطاول هذا الليل وأسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
ولكن تقوى الله عن ذا تصدني وحفظًا لبعلي أن تنال مراكبه
رجع الفاروق إلى بيت ابنته حفصة وسألها عن أقصى مدة يمكن أن تتحملها الزوجة بعيدة عن زوجها المسافر فأخبرته أنها ستة أشهر وفي رواية أربعة، فما كان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلا أن قال. «لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك».
القاعدة الشرعية
وأيد الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر الفتوى السابقة قائلاً: «تعريف «الغيبة» في الاصطلاح الفقهي يستعمله الفقهاء للتعبير عن غيبة الزوج عن زوجته وبعده عنها مع معرفة مكانه وإمكان الاتصال به. والقول الراجح أن مدة غيبة الزوج دون عذر مشروع والتي تكون سبباً مقبولاً للتفريق هي ستة أشهر، فإذا غاب هذه المدة وطلبت الزوجة التفريق أنذره القاضي بكتاب يرسله إليه يأمره فيه بالرجوع الى زوجته أو نقلها إليه، فإن لم يفعل فسخ عقد زواجه.
أما إذا كان للزوج الغائب عذر قبله القاضي أمهله ولم يفسخ عقده بشرط أن يرجع بمجرد انتهاء العذر وألا تطول المدة عن أربع سنوات في جميع الأحوال لإزالة تضرر الزوجة من هذه الغيبة. أما إذا كان ليس لديه عذر ورفض العودة أو سفر زوجته إليه فمن حقها طلب الطلاق عن طريق القضاء إذا غاب أكثر من ستة شهور على رأي جمهور الفقهاء. ويجب تطبيق القاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار» فإذا تضررت الزوجة من غياب زوجها ضرراً بالغاً وجب إزالة هذا الضرر، وخاصة إذا كانت غيبة الزوج بلا عذر ففي هذه الحالة يجوز للقاضي تطليقها بناءً على طلبها».
View Pictures
فراغ وقلق
ويوضح الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن من أهم مقاصد الزواج «عفة الزوج والزوجة عن الحرام ووجود الذرية التي تتربى في أسرة مستقرة. فكما أن للزوج على زوجته حقوقاً فلها هي أيضاً حقوق عليه ومنها أن يبيت عندها ويعفها ولايسافر ويتركها وحيدة رغماً عنها، أو أن يسافر برضاها ثم اذا احتاجته يرفض العودة مما قد يعرضها للفتنة والضياع في عصر كثرت فيه الفتن وإن كان الحياء يمنعها من المطالبة به بطريق مباشر في غالب الأحيان.
ومن هنا لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم عن سلوك عبد الله بن عمرو بن العاص عندما صرفته عبادته عن حق زوجته، فكل من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان إلى شريك حياته سواء في ما يحتاجه الجسد أو القلب، فإذا غاب الزوج عن زوجته ورفض تلبية طلبها بالعودة إليها فهو آثم شرعاً ومضيع لحقوقها ومن حقها رفع أمرها إلى القاضي وطلب الطلاق للضرر».