«من حقك أن تطلبي الطلاق إذا أصرّ زوجك على منعك من الإنجاب من دون سبب مقنع». هذه هي الفتوى المثيرة التي أطلقها أخيراً الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق. فما هي أسانيده الشرعية في فتواه؟ وماذا يقول علماء الدين عن منع الزوج زوجته من الإنجاب؟ كيف تتصرّف؟ وماذا تفعل إذا فشلت في إقناعه؟ وما هي نصائحهم لهذا الزوج؟ التفاصيل في السطور الآتية.
في البداية يؤكد مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل أنه من المقاصد الرئيسية للزواج في الإسلام الإنجاب للحفاظ على النوع الإنساني وتعمير الأرض، فقال تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (آية ٥٦ سورة الذاريات). وقال أيضاً: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» (آية ٦١ سورة هود). وبالتالي لا يجوز إهدار هذا المقصد، حيث تدعو النصوص الشرعية إلى المحافظة على النسل ولا يجوز للزوج الانفراد بقرار الإنجاب، لأنه قرار مشترك، ويحرم استئصال القدرة على الإنجاب سواء في الرجل أو المرأة إلا لضرورة شرعية .
ولفت واصل إلى أن الإسلام «حث الرجال على إنصاف النساء وإعطائهن حقوقهن ومن ذلك إنجاب الأطفال، وذلك في إطار النصيحة النبوية الخالدة: «استوصوا بالنساء خيراً». ولهذا فإن عدم رغبة الزوج في الذرية ومحاولته منع زوجته من حقها في ذلك هما أمران مخالفان للشرع بل وللفطرة. ولهذا لا بد أولاً من المناقشة الجادة بين الزوجة وزوجها ومصارحته برغبتها في الإنجاب، فإن أصرّ على تعنته فلها أن تشكوه إلى أهله باعتباره زوجاً ناشزاً تنفيذاً لقوله تعالى: «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً» (آية ٣٥ سورة النساء) . فإن لم يستجب ويعطها حقها في الإنجاب فلها أن تشكوه إلى ولي الأمر الذي عليه أن يحكم لها بحقها في الإنجاب أو الطلاق إذا رغبت في ذلك».
حق للزوجة
تدعو العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي المحيطين بالزوج من أهله وأصدقائه بل وعلماء الدين الى أن «يذكروه بنصوص الشرع التي تحث على كثرة الذرية وترغّب فيها، وبأن عليه احترام حق زوجته في الإنجاب باعتبار ذلك واجباً شرعياً عليه، وأن الأطفال الذين سيتم إنجابهم سيكونون خيراً له في الدنيا والآخرة إذا أحسن تربيتهم، وذلك لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
وتضيف الكحلاوي: «الإنجاب حق ثابت للزوجين بمجرد الزواج، وليس لأحدهما أن يمنع الآخر منه لأنه حقه الشرعي. وإذا فكر أحدهما في تأخير الحمل لفترة ما لا بد أن يكون ذلك برضى الآخر وموافقته بعيداً عن أي ضغوط. بل إنه لا يجوز للزوج أن يشترط على زوجته عدم الإنجاب قبل الزواج لأنه شرط يخالف الشرع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً». وفي حالة إصرار الزوج على منع زوجته من الإنجاب عليه أن يتذكر أن زوجته وشريكة حياته إنسانة حرة ليست جارية عنده، بل إنها شريكة له في قرار الإنجاب، ومن ثم ليس من حقه شرعاً الانفراد بالقرار، وإلا كان آثماً شرعاً وإذا تمادى وفشلت المحاولات الأسرية في إقناعه بالإقلاع عن ظلمه لزوجته فلها رفع أمرها إلى القاضي لطلب الطلاق للضرر، لأن منهج الإسلام في الحياة عامة والحياة الزوجية خاصة «لا ضرر ولا ضرار».
ووجهت الكحلاوي نصيحة للزوج الذي يمنع الزوجة حقها في الإنجاب بقولها: «عليك أن تعلم أن هذه الزوجة عزيزة عند أهلها ولولا تقديرهم لك لما زوجوها لك، وواجب عليك تلبية رغبة زوجتك الفطرية لأن الإنجاب يبقى العشرة بينكما ويؤدي إلى الاستقرار النفسي للأسرة، وأن تتخذ من رسولك صلى الله عليه وسلم القدوة امتثالاً لقوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر» (آية ٢١ سورة الأحزاب). وقد وصف الرسول علاقته بزوجاته قائلاً: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».