قامت في العصر الحاضر جمعيات متعددة في كثير من بلدان العالم، تطالببالرفق بالحيوانات والمحافظة على حياتها، وعدم مسها بسوء، وألا تحمّل شيئافوق طاقتها، فهل سن الاسلام حقوقا للحيوانات؟ وما واجب المسلمين نحوها؟
إن المتفحص في نظرة الإسلام الى الحيوانات الأليفة، يجد انها ذكرت فيمواضع متعددة من القرآن الكريم على انها نعمة من نعم الله تعالى علىالناس، سخَّر بعضها لخدمتهم وبعضها للانتفاع بلحومها واشعارها وأوبارها.
كما جاءت النصوص الشرعية تأمر بالرحمة والرأفة بجميع المخلوقات ومنهاالطير والحيوان، ومن هنا اهتم المسلمون اهتماما بالغا في العطف والحنوعليها والرحمة بها، حتى أوقف بعضهم عليها وقفا خاصا بها، وأكرموا بعضهااكراما لا نظير له كالخيل، حيث كانت عندهم كأفلاذ أكبادهم أو أشد، وبلغ منشدة حبهم لها وحنوهم عليها أن آثرها بعضهم على نفسه ورضي بشظف العيش،والمبيت على الطوى والجوع هو وأهله وأولاده ليشبع فرسه، فهذا ابن عباس رضيالله عنهما يقول في الخيل:
أحبوا الخيل واصطبروا عليها
فان العزّ فيها والجمـــــالا
اذا ما الخيل ضيعهـــــا أناس
ربطناها فأشــركت العيـالا
نقاسمها المعيشة كل يـــــــوم
ونكسوها البراقع والجلالا
وهاهو أحد كبار الصحابة الاجلاء، عبد الرحمن بن صخر الدوسي كناه الرسولصلى الله عليه وسلم بأبي هريرة بسبب عطفه على هرة كانت تلازمه ورفقه بها.
ولقد عاب القرآن الكريم على أهل الجاهلية ماكانوا يفعلونه من شق آذانالانعام وجب سنام الجمل وإلية الشاة وهي حية، فجاء النهي الالهي وأبطل هذاالعمل وبيَّن أنه عمل من الشيطان، قال الله تعالى: >إن يدعون من دونهإلا اناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله، وقال لأ تخذنَّ منعبادك نصيبا مفروضا، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنّهم فليبتكن آذان الأنعامولآمرنّهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسرخسرانا مبينا< سورة النساء آية (117-119).
ومعنى قوله فليبتكن، أي فليقطعن أو فليشقن آذان الأنعام.
كما أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على حرمة قطع إلية الشاة واعتبر ما قطعمنها ميتة لا يجوز الانتفاع به فقال: (ما قطع من البهيمة وهي حية، فما قطعمنها فهو ميتة) رواه ابن ماجة.
وفي النهي عن اقتطاع جزء من الحيوان وهو حي، إنما هو نهي عن تعذيبهوايلامه، وفيه حث على وجوب الاهتمام بالحيوان ورعايته والرفق به، ومن هنانهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاضحية التي قطعت أذنها او جزء منهااو المشقوقة او المثقوبة أو مقطوعة الذنب، لا بل ذهب الاسلام الى أبعد منهذا فنهى عن قطع أي شيء من الحيوان قد يضرُّ به مستقبلا كأن يقطع ذيله،قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها،فإن أذنابها مذابها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير) رواهابو داود .
وعندما حرم الاسلام أكل المنخنقة والموقوذة والنطيحة والمتردية وما أكلالسبع ان لم ندركه بالتذكية، كان من أهداف هذا التحريم ضرورة المحافظةوالرعاية التامة للأنعام حتى لا تتعرض الى مخاطر تؤدي الى هلاكها دونالاستفادة منها.
هذا وقد وردت آيات قرآنية كريمة تدعو صراحة الى وجوب الاهتمام بتربيةوتغذية الحيوانات الموجودة عندنا لأنها عجماء لا تستطيع المناداة فتطلبالاكل أو السقي، ومن هذه الآيات الكريمة قول الله جل جلاله (وأنزل منالسماء ماءً فاخرجنا به أزواجا من نبات شتى، كلوا وارعوا أنعامكم..) سورةطه آية (53-54).
وقوله: (فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم) سورة السجدة آية (27)،وقوله جل شأنه: (أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، متاعا لكمولأنعامكم) سورة النازعات آية (31-33).
وفي السفر قد يكون الانسان على عجلة من أمره فلا يعطي الحيوان حقه منالاكل والتغذية فيكون بذلك قد خالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلمبالحرص على إطعام الحيوان في الحضر والسفر فقال: (اذا سافرتم في الخصبفأعطوا الابل حقها، واذا سافرتم في الجدب فأسرعوا السير..) رواه ابو داود.
فهذا أمر من المصطفى صلى الله عليه وسلم بالتمهل في المسير وعدم ارهاقالركوبة وإعجالها بالمرور اذا كانت الارض خصبة، أما اذا كانت الارض جدباءفقد أمر صلى الله عليه وسلم بمواصلة السير فيها لتحصل للحيوان الاستراحةبالخروج منها، وما النهي عن التريث فيها إلا لما يسببه من شدة وصعوبة علىالحيوان والانسان.
ولقد كان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم المضيف الراكب إذا نزل حتى يعلقلدابته أولاً، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر ببعير قد لحق ظهرهببطنه من شدة الجوع فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوهاصالحة وكلوها صالحة) رواه ابو داود.
كما نهى صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين الحيوانات وتهييج بعضها علىبعض كما في مصارعة الثيران ومقارعة الاكباش، وعد ذلك من قبيل العبث المنهيعنه لما يسببه من ايلام وإتعاب لها وغالبا ما يفقد الحيوان المصارع حياتهمن أجل إشباع هوايات منحرفة في نفوس بعض بنى البشر، كما أجمع علماءالمسلمين على أن ضرب الحيوان ووسمه كيا في وجهه أمر منهي عنه لقول رسولالله صلى الله عليه وسلم عندما مرّ بحمار قد وسم في وجهه (لعن الله الذيوسمه) رواه الإمام مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أما بلغكم أني لعنتمن وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها) رواه الإمام مسلم.
ونهى صلوات الله وسلامه عليه عن كل ما يضر بالحيوان كأن يستخدمه في غير ماعرف له من أعمال خاصة به، كحديث الرجل مع غيره لفترة من الزمن وهو على ظهردابته، فقال صلى الله عليه وسلم: >إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر،فان الله سخرها لكم لتبلغكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس،وجعل لكم الارض فعليها فاقضوا حاجاتكم< رواه ابو داود.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (بينا رجل يسوق بقرة اذ ركبها فضربها فقالت:إنا لم نخلق لهذا، انما خلقنا للحرث..) رواه ابو داود.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن صبر البهائم والمثلة فيها واتخاذها هدفاللتسلية، أو لتعليم الرماية، أي لقتله لا لأكله، مرَّ ابن عمر بفتيان منقريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم،فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا) فتحالباري شرح صحيح البخاري، ج 6، ص 512 .
(ونهى صلوات الله وسلامه عليه عن أن يقتل شيء من الدواب صبرا) والصبر هو الحبس دون طعام ولا شراب حتى الموت. رواه الإمام مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام (ما من انسان قتل عصفورا فما فوقها، بغير حقهاالا سأله الله عز وجل عنها، قيل: يارسول الله، وما حقها؟ قال يذبحهافيأكلها، ولا يقطع رأسها يرمي بها) رواه الإمام النسائي، وقال صلى اللهعليه وسلم: (من قتل عصفورا عبثا عج الى الله عز وجل يوم القيامة يقول:يارب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة) رواه الإمام النسائي، ومندلالات الرأفة بالحيوان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر مع بعضأصحابه فوجدوا فرخين لقبرة مع امهما فأخذوهما فجعلت ترفرف بجناحيها فوقالنبي صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: >من فجعهذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها< رواه الإمام أبو داود.
كما أنه عليه الصلاة والسلام نهى من أن يحد أحدنا سكينته أمام ذبيحته رحمة بها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرتهفقال النبي صلى الله عليه وسلم (أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتكقبل أن تضجعها) رواه الحاكم.
وجعل من حق الحيوان إحسان تذكيته فلا يعذبه أثناء ذبحه كأن يذبحه بآلة غير حادة.
حتى أنه ذهب الى ابعد من هذا فنهى عن ذبح الحيوان أمام غيره من البهائم،فعن عبد الله بن عمر قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفاروأن نواري عن البهائم وقال: (إذا ذبح احدكم فليجهز) رواه ابن ماجة.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب الاحسان على كل شيء فاذا قتلتمفأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرحذبيحته) رواه مسلم .
وفي إشارة سريعة إلى وجوب الرفق بالحيوان بين رسول الله صلى الله عليهوسلم عقاب من أساء الى الحيوان فقال: (عذبت امرأة في هرة ربطتها حتى ماتتفدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها اذ حبستها، ولا هي تركتها تأكلمن خشاش الارض) (أي حشراتها) رواه البخاري..
كما بين ثواب المحسن الى الحيوان في قوله صلى الله عليه وسلم: (بينا رجليمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فاذا هو بكلب يلهث يأكلالثرى من العطش فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكهبفيه، ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإنلنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر) رواه البخاري .
وهكذا تواصى المسلمون بالحيوان خيرا، وها هو ابو بكر رضي الله عنه يوصيجيش المسلمين قائلا: (لا تخونوا ولاتغلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولاشيخاً كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرةمثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكلة) تاريخ الطبري.