الحج المبرور والسعي المشكور وزارة الأوقاف - الاردن

كلما اقبل موسم الحج وشهره الكريم اتجهت انظار المسلمين في كل مكان واشتاقت نفوسهم وقلوبهم الى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج.. تلكم الفريضة التي جعلها الاسلام ركناً من اركانه الخمسة وأوجبها على من استطاع اليه سبيلا، قال الله تعالى: >ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا<سورة آل عمران آية (97)، شرعه الله تعالى تحقيقا لمصالح العباد الدينية والدنيوية، قال الله تعالى: >وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات< سورة الحج آية (27-28). وقد فرض الله تعالى الحج على المسلمين في السنة التاسعة من الهجرة النبوية الشريفة. ونتساءل الآن: ما هي أهمية الحج؟ وما هي علامة الحج المبرور؟ وما هو فضله؟ إن الحج عبادة مالية وجسمية ونفسية، شرعه الله تعالى للقادر عليه، لما فيه من حمل للنفس على اطاعة الله والخشوع لعظمته وجلاله وكبح جماح النفس عن الملذات والشهوات بتذكر الموت ويوم الحشر، ولما فيه من بذل وعطاء، وبر واحسان وتعاون وتآلف وتناصر وتآزر، وصدق الله العظيم: (ليشهدوا منافع لهم). وقد فرض الله سبحانه وتعالى الحج على انبيائه وأهل الرسالات السماوية كافة، قال الله تعالى مخاطبا سيدنا ابراهيم عليه السلام: (وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق< سورة الحج آية (27).

إنه أمر إلهي كريم من رب العرش العظيم، رب العالمين، الى ابي الانبياء والمرسلين امام الموحدين المتبرئين من الشرك وأهله سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام، يأمره الله تعالى فيه بالنداء بالحج الى بيت الله الحرام، ولكن ما مدى المسافة التي يمكن ان يخترقها هذا النداء؟ وكم عدد الافراد الذين يمكن أن يبلغهم؟ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ولما فرغ ابراهيم عليه السلام من بناء البيت قال: (رب فرغت، فقال: أذن في الناس بالحج، قال رب: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ، فنادى ابراهيم: أيها الناس: كتب عليكم الحج الى البيت العتيق فحجوا، قال: فسمعه ما بين السماء والارض، أفلا ترى الناس يجيئون من اقصى الارض يلبون؟ وفي رواية (فأجابه من كان في اصلاب الرجال وأرحام النساء لبيك اللهم لبيك) رواه الحاكم في المستدرك وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه. وهكذا يتضح لنا الهدف من اسكان سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام زوجه وولده عند بيت الله الحرام، وهو جمع الناس على عبادة الله تعالى، قال الله تعالى حكاية عن سيدنا ابراهيم الخليل: (ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون< سورة ابراهيم آية (37). إن اشهر الحج اشهر فضيلة كريمة يتجلى الله سبحانه وتعالى فيها على عباده يوم عرفة بالرحمة والمغفرة، فعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم اكثر من أن يعتق الله فيه عبدا او امة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء) رواه مسلم. ومن هنا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الحج المبرور لما فيه من اجر وثواب عند الله تعالى، سئل عليه الصلاة والسلام أي العمل افضل؟ فقال: >ايمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور< رواه أحمد.

إن الحج المبرور هو الذي يكون سعي صاحبه مشكورا وذنبه مغفورا اذا كان من الكسب الطيب والمال الحلال. قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (اذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى، لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور) اخرجه الطبراني في معجمه الاوسط والاصبهاني. ومن البر ان يراعي الحاج محظورات الاحرام ومنها: لبس المخيط، وتغظية الرأس للرجال وارتكاب المعاصي والآثام والجدال والمخاصمة والمماراة وتسريح الشعر لمن خاف سقوطه، وحلق شعر الرأس او قصه او نتفه، وتقليم الاظافر والتطيب وقتل الصيد البري المتوحش، وعقد النكاح، والمعاشرة الزوجية، فمن حج لله تعالى ولم يفعل محظورا من هذه المحظورات وغيرها رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه. قال عليه الصلاة والسلام (من حج لله فلم يرفث لم يفسق رجع كيوم ولدته امه) رواه البخاري، واستحق بذلك الجنة، قال رسول الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم (العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة) رواه مسلم.

وإن من الامور التي تجعل الحج مبرورا التواضع ولين الجانب في المركب والمسكن وحسن التعامل مع الحجاج وغيرهم، والبعد عن الرياء والكبرياء والسمعة وان تكون استقامته وخشيته من الله بعد الحج افضل وأقوى منها قبله. ومن علاماته ايضا اخلاص النية لله تعالى، ومنها اطعام الطعام وطيب الكلام قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة، قيل: وما بره؟ قال اطعام الطعام وطيب الكلام) رواه احمد والطبراني والحاكم والبيهقي، وقيل افشاء السلام، ومنها التقرب الى الله باراقة دم الهدي السمين الجيد، ثم الاكثار من التلبية وذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم. إن الذي يتحقق في حجه البر فقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه، ولا تغيب شمس يوم عرفة الا بمغفرته ذنوبه، فهنيئا له. فيا حجاج بيت الله الحرام اجتهدوا في هذه الطاعة، واجعلوا حجكم مبرورا حتى تفوزوا بالمغفرة وترجعوا كما ولدتكم امهاتكم، سهل الله حجكم وجعله حجا مبروا وذنبا مغفورا وتجارة لن تبور باذن الله تعالى. واذا كان الحجاج يقضون جل اوقاتهم في اداء العبادات من تلبية وطواف وسعي واستغفار ووقوف وذكر لله واهلال بالتكبير، وتقديم للهدي ورجم للشيطان،

فإنه يسن لمن لم يحجوا ان يتشبهوا بالحجاج في برهم واعمالهم الخيرة وهاهي ابواب الخير مفتحة للجميع، كصيام يوم عرفة لغير الحاج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة) رواه أحمد ومسلم وأبو داود. ويسن كذلك الاجتهاد في العبادة والطاعة في ايام التشريق، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ايام العمل الصالح فيها احب الى الله عز وجل من هذه الايام يعني ايام العشر، قالوا يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري.

ويسن كذلك ذبح الاضاحي والتصدق على الفقراء والمساكين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب الى الله من اهراق الدم. وإنه ليؤتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها واظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل ان يقع من الارض، فطيبوا بها نفسا) رواه ابن ماجة والترمذي والحاكم.

بارك الله فيك

مشكور